باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
من اللطائف الفقهية التي تضمنها كتاب ( صفة الصلاة ) للشيح الألباني - رحمه الله -
تلك المسألة التي أشار إليها أشارة لطيفة تحت عنوان : ( صلاة المريض جالسا )
حيث قال :
وقال عمران بن حصين رضي الله عنه : ( كانت بي بواسير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال : ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) . (3)
- وقال أيضا : ( سألته صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد ؟ فقال :( من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما ( وفي رواية : مضطجعا ) فله نصف أجر القاعد ) (4) والمراد به المريض
فقد قال أنس رضي الله عنه : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس وهم يصلون قعودا من
مرض فقال : ( إن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ) .
وقال - أي الألباني رحمه الله - في الحاشية تعليقا على (3) ، (4) : قال الخطابي :
( والمراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن
يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف
من أجر القائم ترغيبا له في القيام جواز قعوده.)
قال الحافظ في الفتح (2/ 468 ) : ( وهو حمل متجه ) انتهى .
** ثم إننا إذا عدنا للنقل من الفتح لكامل نص كلام الخطابي وتعليق ابن حجر عليه
سنجد أن تلك المسألة ستزداد وضوحا :
باب صَلَاةِ الْقَاعِدِ
الشرح:
قوله: (باب صلاة القاعد) قال ابن رشيد: أطلق الترجمة، فيحتمل أن يريد صلاة القاعد لعذر إماما كان أو مأموما أو منفردا.
ويؤيده أن أحادث الباب دالة على التقييد بالعذر ويحتمل أن يريد مطلقا لعذر ولغير عذر ليبين أن ذلك جائز، إلا ما دل الإجماع على منعه وهو صلاة الفريضة للصحيح قاعدا ا ه.
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا
الشرح:
قوله: (وهو شاك) بالتنوين مخففا من الشكاية، وقد تقدم الكلام عليه موضحا في أبواب الإمامة، وكذا على حديث أنس، وفيه بيان سبب الشكاية وهما في صلاة الفرض بلا خلاف، وأما حديث عمران ففيه احتمال سنذكره.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَكَانَ مَبْسُورًا قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ
الشرح:قوله: (وكان مبسورا) بسكون الموحدة بعدها مهملة أي كانت به بواسير كما صرح به بعد باب، والبواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون، أو الذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد.http://bookstree.com/books/82/viewch...12&CID=136.htm
قوله: (عن صلاة الرجل قاعدا) قال الخطابي: كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع - يعني للقادر - لكن قوله " من صلى نائما " يفسده، لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد، لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك، قال: فإن صحت هذه اللفظة ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث.
قال: وفي القياس المتقدم نظر، لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع.
قال: وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن
يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام جواز قعوده.
انتهى.
وهو حمل متجه، ويؤيده صنيع البخاري حيث أدخل في الباب حديث عائشة وأنس وهما صلاة المفترض قطعا، وكأنه أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا، ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها في الباب، فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما دل عليه حديث أنس وعائشة، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال.
وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض والمتنفل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك، وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء.
وحكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل، وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال: وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم.
ثم قال: وفي هذا الحديث ما يشهد له، يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه " إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل صلى الله عليه وسلم وهو صحيح مقيم"، ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر، والله أعلم.
ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي، وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة، فحمى الناس، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال: صلاة القاعد نصف صلاة القائم " رجاله ثقات.
وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي.
وأما نفي الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه ابن بطال على ذلك وزاد: لكن الخلاف ثابت، فقد نقله الترمذي بإسناده إلى الحسن البصري قال: إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا.
وقال به جماعة من أهل العلم، وأحد الوجهين للشافعية، وصححه المتأخرون، وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا، وهو اختيار الأبهري منهم واحتج بهذا الحديث.
(تنبيه) : سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، بل الرجل والمرأة في ذلك سواء.
قوله: (ومن صلى قاعدا) يستثنى من عمومه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما، لحديث عبد الله بن عمرو قال " بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعد على نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضع يدي على رأسي، فقال: مالك يا عبد الله؟ فأخبرته.
فقال: أجل، ولكني لست كأحد منكم " أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح، وقد عد الشافعية في خصائصه صلى الله عليه وسلم هذه المسألة.
وقال عياض في الكلام على تنفله صلى الله عليه وسلم قاعدا: قد علله في حديث عبد الله بن عمرو بقوله " لست كأحد منكم " فيكون هذا مما خص به.
قال: ولعله أشار بذلك إلى من لا عذر له، فكأنه قال: إني ذو عذر.
وقد رد النووي هذا الاحتمال قال: وهو ضعيف أو باطل.
(فائدة) : لم يبين كيفية القعود، فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي، وهو قضية كلام الشافعي في البويطي، وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا، وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه، وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث، وسيأتي الكلام على قوله " نائما " في الباب الذي يليه.
ومن مجموع ما سبق نخلص إلى فائدة بل فوائد هامة ..
والسؤال : ما هي تلك الفائدة أو الفوائد ...؟
يتبــع .