الدليل الخامس عشر :
قال المؤلف : (( 15- ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عمر عس ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحجدا يضحك ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ولم ير سائلا يسأل فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين إن الناس سألو فلم يعطوا فقطعوا السؤال والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر أن يا غوثاه لأمة محمد فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمة.
وهذا ظاهر في جواز إطلاق لفظ التوسل والاستغاثة ))
وكتب في الحاشية : (( البداية والنهاية ( 7 / 97 ) ، أثر جيد الإسناد )) [ ص 100 ].
قلت : وتتمة كلام الحافظ ابن كثير الذي بتره المؤلف قال : (( لكن ذكر عمرو بن العاص في عام الرمادة مشكل ، فإن مصر لم تكن فتحت في سنة ثماني عشرة ، فإما أن يكون عام الرمادة بعد سنة ثماني عشرة، أو يكون ذكر عمرو بن العاص في عام الرمادة وهم )) وهذا علة في المتن توجب التوقف للاشعار بعدم الضبط سيما أن تحسين الحافظ ابن كثير يعني أن هناك ضعف في السند.
ومع ذلك كله ليس في الأثر دليل على جواز التوسل أو الاستغاثة محل البحث ، إذ التوسل محل الخلاف هو الذي بالذوات أو الاستغاثة بما لا يقدر عليه إلا الله هو بما هو خصائص الربوبية ، والذي فعله عمر بن الخطاب ليس فيه محظور شرعي لأن أهل المدينة ومن حولها كانوا في حال شدة وضيق بسبب القحط فأرسل إلى المرسلين ليعينوا إخوانهم المسلمين بما يستطيعونه من ميرة ، وقد أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى )) [ ح 5665 ] ، وفكان تطبيق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث الميرة للمدينة هو من عادة البشر عادة .
أما قوله : (( وهذا ظاهر في جواز إطلاق لفظ التوسل والاستغاثة )) فهذا لا يأتى له لأن عمر بن الخطاب رضي الله هو الخلفية وقد أمر الولاة بأن يميروا المدينة فليس فيه توسل ، ومن ناحية أخرى التوسل أن يأتي شخص فيطلب من أخرى يدعو له أو يتوسط له ، وهذا مفقود في هذا الدليل إذ أن عمر رضي الله عنه عس فرأي الجهد الذي بالمسلمين فأمر مولاته بأن يرسلوا الميرة للمدينة ليخفف عن أهلها فأين جواز إطلاق التوسل على الاستغاثة ؟!