تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    إنّ أحقَّ ما استحقّ به المزيد شكرُ الله على منِنه، لجميلِ آلائه، وجزيل عطائه، فلهُ الثناء المجازي إفضاله، وله المنة الموازي إنعامه، وأفضلُ وأنمى صلواتِه، على خاتم رسِله، ومبلغ رسالاته، محمدٍ وآله.

    وبعد = فإنّ السفرَ مسفرٌ عن أخلاق الرجال، وإن السفرَ قطعةٌ من العذاب والأوجال، فكان في سفرنا هذا أمانٍ بُلّغناها، ومحنٍ أُصِبْناها، تجلو لقارئها، المستبصر لما فيها.
    أما الأماني = فخير الجوار مكانًا بالمدينة المنوّرة، وخير جوارِنا وقتًا في مراجعةِ السنة النبويّة، وثني الرّكب عند الأشياخ، والتعايش مع الإخوان في الله.
    أما المحن = فدروسٌ بُصِمت في أفئدتنا، من حادثٍ مميت، إلى دخولِ بيتٍ مَقيت، وممن كُشفَتْ لك أخلاقُه، وأفصح عن نابِه الحاد، وألسنةٍ حِداد.

    أول الفضائل محنٌ، وآخرها نِعمٌ.
    أول الرذائل نعمٌ، وآخرُها محنٌ.

    ثمانية تجري على الناس كلهم - - ولا بد للإنسان يلقى الثمانيه


    سرور وحزن واجتماع وفرقة - - ويسر وعسر ثم سُقْمٌ وعافية

    .....
    وسأكتب عن هذه الرحلة في حلقات، أعنونُها لكم، ثم أفصلها في هذه الأيام، وليس مثلي من يضيَّع وقتُه منكم لقراءةِ ما يكتب، لكن كن قنوعا، وارضَ بما قدّرهُ الله عليك، واصبر وما صبركَ إلا بالله، أسأل الله أن يرزقنا الصدق والإخلاص فيما نكتب، وأن ينفعني وإخواني بما فيها من عِبر.
    ....
    أصحاب الرحلة (- الشيخ ضرغام جرادات - – أبو طلحة العتيبي – معتز الصياحين - أبو الهُمام البرقاوي – أبو همّام السعدي ) .

    العناوين=
    = أبٌ لا كالآباء، وأمّ لا كالأمهاتِ، ورجلٌ لا كالرّجال!


    (1) وقفةٌ ! لمن أوقفنا طويلا في الحدود.


    (2) تبوكُ الشام وأسلحتها الرهيبة!


    (3) مع الشيخ الشافعي أحمد بن علي المقرمي – صولات وجولات –.


    (4) مع الشيخ الأصولي: خالد باحميد.


    (5) مع تلميذين للشيخ = عبد الله بن عبد الرحمن السعد.


    (6) مع الشيخ الفاضل العضو المفضّل كتاباتُه = أبي زيدٍ الشنقيطي .


    (7) حيلةٌ لسرقةِ متنِ أبي شجاع،وإلا سيلغى درس المقرمي!


    (8) الشيخ أحمد الصقعوب، وبسمةٌ كالنّسيمِ في الرّقة!


    (9) جلساتٌ مع الشيخ يحيى الغوثاني .


    (10) الشيخ يحيى بن عبد العزيز اليحيى (الحافظ الأعجوبة).


    (11) الشيخ عبد الله بن الشيخ الأمين الشنقيطي (المفسِّر المعروف ) .


    (12) مع الشيخ عبد الله بن آدم الألباني (ابن أخ الشيخ ناصر).


    (13) مع الشيخ محمد بن عبطان الشمري العراقي (رئيس الأئمة والخطباء) ومفتي العين في الإمارات سابقا.


    (14) توضيح فكرة ودورة "حفاظ الذكر العالمية" للشيخ عبد المحسن الزبن.


    (15) عبرة! في حادثٍ مروع


    (16) درسٌ في القناعة!


    (17) دروسٌ في التوكلِ على اللهِ!


    (18) طأطأَ برأسه ورفضَ توديعنا .


    (19) إخوانٌ كالماءِ في السلاسة، والعسل في الحلاوة!


    (20) كلمةٌ ! لأهل الترجيح في التجريح .


    (21) اختلافُ مناهج الشيوخ بين مادحٍ للحفظ وقادح! .

    (22) أنسنا مع أعضاء ملتقى أهل الحديث.


    وكتبه
    ( أبو الهُمام البرقاوي ) ..( أبو همّام السعدي) ..
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    الحلقةُ الأولى = أبٌ لا كالآباء، وأمٌّ لا كالأمهات، ورجلٌ لا كالرجال.

    حينَ تُرزقُ بأبٍ قد رضعتَ منهُ نبْلَ صنائعه، وحُسْن طبائعه، ورضعتَ منه العلمَ النافع، والعمل الصالح، فلا يردُّ الجزيلُ بالبرِّ إليه فحسب، بل أحوجُ ما يريدُه والدك، ما قاله الحبيب المصطفى عليه الصلاةُ والسلامُ في الثلاثةِ التي ينتفعُ بها الميّت، فجزاهُ الله خيرًا، قد وفر لنا السبل، وأتاح لنا الفرص، وليس هذا محلّ الإفصاح عمن أكتب؛ إذ إنّ في الخاطرِ خواطرًا ما يكفيها السطرُ والسّطرين !والحمد للهِ أولا وآخرًا.
    وحينَ تُرزق بوالدةٍ سحاءَ الليلِ والنهارِ في الدّعاء، وتجشعُك على إكمال طريقك، وتُكسبَك رغد العيش وهناءه؛ حتى تجلسَ بسريرها، وتحدقَ إلى أساريرها، فتنظر إليك بعينٍ راضية، وجنةٍ عالية، قائلةً ( لا تنسني من دعائك )، حفظها اللهُ ورعاها، وأمدّ عمرها، وشافها وعافها، ورزقها من حيثُ لا تحتسب.
    أما الرجلُ فذاك ضرغام، فما أشبه اسمَه برسمه، وما أحوجَنا إلى أزواجه وأمثاله، رجلٌ مفضال، محمود الخصال، آثرَ أن يوصلنا إلى المدينة المنورة بدابّته؛ نيلًا للأجر، واحتسابًا في خدمةِ من يطلبُ العلم، في حين أهل المصالح يتضامّون في ذلك، ولم يأخذ منا فلسا واحدًا، ولم يَمْنُـنْ في زمنٍ كثُر فيه من يُبطِل صدقته بالمنّ والأذى، نحسبُه والله حسيبُه، ولا ينفعه هذا المديح، لكن ( من لا يشكرِ الناسَ لا يشكر الله ) باركَ الله فيه، وجزاه عن المسلمين خيرًا .

    أقول = كتبت ما كتبتُ ليعلمَ كلّ والدٍ ووالدة أن لا عيشة لهم إن لم يدخروا حسناتهم في أولادهم، وليكن همهم في تربيتهم، وودَعَهم في الحلقات العلمية والقرآنية، أكبرَ من همّهم في إطعامهم ولبسهم ونومهم، وكتبت ما كتبت ليعلمَ كلّ قادر على خدمة طلبة العلم، وخدمة الدعاة، أن يبادر ويتوّج قدراته، إلى خدمتهم، والاحتساب في نيل أجورهم، بالحسن والإحسان، والمنافسة إلى نبيل الصّنْع بلا مراءٍ أو مِنان.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,967

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    الاخ الهمام ابو الهمام ننتظر بشوق اكمال حلقات الرحلة
    الليبرالية: هي ان تتخذ من نفسك إلهاً ومن شهوتك معبوداً
    اللهم أنصر عبادك في سوريا وأغفر لنا خذلاننا لهم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    ما شاء الله ... أكمل فنحن نتشوق
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد مسفر العتيبي مشاهدة المشاركة
    الاخ الهمام ابو الهمام ننتظر بشوق اكمال حلقات الرحلة
    بارك الله فيك أخي ماجد.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي مشاهدة المشاركة
    ما شاء الله ... أكمل فنحن نتشوق
    جزاك الله خيرا أخي الحبيب.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    الحلقةُ الثانيةُ = وقفة! لمنْ أوقفنا طويلا في الحدود.
    حينَ دخلنا ......... اشرأبّتْ أنظارهم دوننا، إذْ إنّ هيأتنـا مرجفةٌ لهم ، فالشماغُ واللحية والثوبُ القصير ليس من المعهودِ على أنظارهم، إنما المعهود البناطيل الساحلة، التي يرى منها استُه، !فالمرءُ مع من أحب.

    طلبوا منا الجلوسَ على الكراسي؛ للانتظار ، وبعد قليل دعوْا أميرنا ضرغام، ثم تلوه بأبي طلحة، وأخيرًا بـ معتز.
    العجبُ من هذا حين تعلمُ أنَّ الأسئلة كانت موحَّدة، وذلك أنَّ ..... حديثُ العهد بالتحقيق، ويخاف على نفسه ووظيفته، فاستعبدوهم في تتبع الملتزمين، ونصحوهم بالبعد عنهم، والتحذير منهم، وما ذاك – لعمري – إلا فيمن يُرى عليهِ الالتزام، فما أبعدهم عن أهل المعاصي والفجور، وما أحبّهم لأهل الخنا والخمور
    أجلسونا أكثر من ساعة في الانتظار، مع أنّ طريقنا ومنهجنا موجودٌ عندهم، ولم نخبّئ عنهم شيئًا، إلا أنّ كتابةَ التقارير أمرٌ لا بدّ منه، ولو حدّثتُك عن نظراتهم الحاقدة، وأبصارهم الخاشعة؛ لما صدّقتَ أنهم من أهل هذه الديانة.
    ولقد رأينا الظلمَ حانكٌ في كلِّ من استلمَ منصبًا، وارعوعنَ مجلسًا، لكن دونكم ( الظلمُ ظلماتٌ ) و(إن الله ليملي للظالمِ حتى إذا أخذه لم يفلتْه).
    إلا من رحم الله، إلا ما رحم الله

    فإياكم الظلم، فإنه عظيمُ الجرم.

    الحلقة الثالثة (تبوكُ الشام وأسلحتها الرهيبة!)

    وحين دخلنا مدينة تبوك، كان لأبي طلحة صديقٌ عزيزٌ عليه،من أعيانِ تبوك وكبراءها، ومن أشرافها وقوائمها، اسمهُ " محمد سليمان السحب المسعودي" مهتم بالموروث الشعبي، من الأسلحة القديمة، والآثار العتيقة،والشعر، والأنساب.
    ورأينا في بيته العامر أسلحة -يبلغ طول الواحدة متر، وبعضها المتران-، وعملات، وجفنات، وآلات كهربائية، بعضها مضى عليها خمسون سنة، وبعضها ثمانون سنة، وبعضها مئة سنة وأكثر من ذلك.
    فبدأ يحدِّثنا عن حالها , ويخبرنا عن رجالاتها وأشرافها، فرسمَ في القلبِ حبَّ التراث , ووسم في العقلِ طمعَ الميراث , لأنها لا تنالُ إلّا من همَّ وأراد , وكان للحصولِ عليها بالمرصاد.


    والآن بدأت الرحلة العلمية، أفتتحها مع شيخنا المقرمي.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    الحلقة الرابعة= مع الشيخ الشافعي أحمد بن علي المقرمي – صولات وجولات –.

    دخلنا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلينا ركعتين، ثم ذهبنا إلى حلقة الشيخ الفقيه الشافعي ( أحمد بن علي المقرمي ) من مواليد اليمن، وكنّا في كل سنةٍ نأتي إلى مكانه المخصص في الحرم، فنسلم عليه، ونجلس عنده قليلًا، فلما أقبلنا عليه-ولنا به معرفة-، بش وهشّ، ولم نر عنده إلا طالبا أو طالبين، وذلك أنّ جميع طلابه قد سافروا في الإجازة، فلم يبق عند الشيخ إلا من هو مقيمٌ في المدينة، حتى ابنُه البار – أحد تلاميذ الشيخ المقربين- كان على سفرٍ لبلده، مع أنّه أقام في المدينة خمس سنين، تتلمذ فيها على الشيخ، فجال في خاطري وخاطر أبي همام السعدي، أن نتقرّب من الشيخ، ونستفيد من وجوده في الحرم المدني، فندرس عليه متنـًا شافعيًّا، وكان الشيخ على معرفةٍ أنّـنا من محبي الحنابلة، وأتباعهم– أوصفُ الحالَ -(1).
    ففرح بذلك، وقال : نسّقوا معَ ابنيَ البار موعدًا، ومتنًا، وكان على استعداد، فكلمنا ابنَه البارّ – وهو من أعزّ الناس على قلوبنا -، فقال: تعالوْا كلَّ يومٍ بعد العصرِ، ومعكم متنُ أبي شجاع، وحاولوا إنهاءه قبل سفركم(2).
    بداية الدرس =
    جاءَ اليومُ الأول، ولم نأتِ بالمتن، على أن يأتيَ بها ابنُه البار، لكنهُ لم يجئْ به، وكان شيخنا متكئا فجلس، ثم استلّ لسانه، وقال: هذا أولُ يومٍ ولا متن معكم، فكيف ستستمرّون؟ ما هذا الكسل؟ أين الهمة؟ لعلكم غير مهتمين بالدرس؟ لا تستحقون أن أعطيكم شيئا حتى تأتون به! فحاولنا إرضاءَ الشيخ، وقلنا له: نحن والله شغِفون، ومتلهفون لدرسكم، لكن أعطنا مقدمة في مذهب الإمام الشافعي، وفي الغد نأتي به!
    إلغاء الدرس الأول!
    قال: لا، أول شيء ائتوا بالمتن، ثم تعالوْا إليَّ، وفي مواقف حاسمة قمنا من عند الشيخ يائسين، وفي الوقتِ نفسه فرحين، فعتابُ الأشياخِ عندنا ألذُّ من العسل، وإنّ من أفضل ما تقوى به علاقةُ المعلم مع تلميذه، أن يحرص على تأديبه، وأن يعطيَه الهمة، وأن يمتحنه قبل أن يُعدّ من تلاميذه، وأن يشدّ معهم في البداية، (3) في اليوم التالي وبعد الظهر، كلمنا أحد إخوانـنا ليأتي بالمتن، فقال : لا تقلقوا سآتيكم بعد عصر هذا اليوم، ثم كلمناه قبل العصر، فقال أنا في الحرم، ونسيت المتون في البيت!
    تعنيف الشيخ وفكاهته!
    فيا ويلنا من مرقدنا مع الشيخ، أسلوب آخر، وتعنيف أشد، ثم بدت لصاحبنا أن نأخذ الكتاب من ( مكتبة المسجد النبوي ) وسأكمل ما حصل في هذا الموقف في الحلقة القادمة – إن شاء الله – ( حيلة لسرقةِ متنِ أبي شجاع ) .
    ابتدأنا بالدرس، والشيخ المقرمي ذو فكاهة عجيبة، لم أرها – قط – عند شيخٍ قبله، فقال الشيخ/ لن أكملَ معكم الطهارة؛ حتى أملأ قلوبكم بالمذهب الشافعي!!.
    حبّ الشيخ للمذهب الشافعي=
    بدأنا مع الشيخ بمتن أبي شجاع، وظهر لنا مدى حبّه للمذهب الشافعي، وقد يتعصب له أحيانًا، ويقوله على سبيل الممازحة؛ ليبدل ما في أفكارنا، ونحن نزيد إصرارا على قوة المذهب الحنبلي، ليس قناعةً بما نقول به، بل ظهر عدم تعصبنا لمذهب معين، أن ندرس على الشيخ الفقه الشافعي، لكن من باب الطرافة مع الشيخ – حفظه الله ووفقه - .
    أخذنا سبعة دروس فقط في هذه الرحلة من الشيخ، وكان مدة كل درس نصف ساعة، يحسبها الشيخ بنفسه، ثم يضحك علينا، ويقول : انتهى وقتكم؛وحان وقتُ " أم الصِّبيان " يعني بها زوجه، وهذا من أسماء الجن! لكنها لا تعلم
    و -صدقا- لقد كانت دروسا ممتعة، ونقاشات مثيرة، وأسئلة معقّدة، فيبلُّها ببلاها، ويجعلها سلسلةً بسّةً.
    وكنت أنا وأبو همام نقول في أنفسنا، لو يبقى هذا الدرس إلى الفجر لما مللنا منه؛ لأن أسلوب الشيخ شائق، ولم يجعل الشرح محصورًا على المذهب الشافعي، بل كثيرًا ما يقول : خالف الحنابلة، المالكية، الحنفية، ويقول: في القديم وفي الجديد، ويقول: ولنا وجه آخر، وكثيرًا ما يرجّح.
    فقه الشيخ في المنهجية=
    مع أنّه قال لنا قاعدةً مهمة:
    الأصل في المشايخ أن لا يرجحوا بين الخلاف في المسائل، إذا كان الدرس لطلبةِ العلم، بل يعطيهم الأقوال،وأدلة كل فريق، ويدعُ الترجيحُ لكل طالبٍ؛ لتعطى ملكةُ الفهمِ والاستنباط لهم، وأن لا يكونوا مقلّدين ومتقلدين بما يرجحه الشيخ، أما إن كان سؤالًا من العامّة فيعطيهم الراجح.
    ومن مواقفِ الشيخ إثْر المذهب الشافعي قوله:
    الإمام الشافعي زعيم الأئمة الأربعة، وقد سدّ فجوةً كبيرةً، بين أهل الحديث، وبين أهل الرأي، إذ جمع بين الحفظ وفقه النصوص، وإنّ معظم المحدثين والفقهاء من الشافعية، كالبخاري والترمذي، وأفضل شارح للبخاري ولمسلم = شافعيّان، وإنّ الإمامَ الغزاليّ له في قلبي محبةٌ كبيرةٌ، وقد أخطأ من لم يجعلْه من فقهاء الشافعية، وأنا أحبّه حبا جمّا، وكان متفنِّنًا اللهمّ إلا في الحديث، وقد ثبتَ تراجعه، ووضعه البخاري على صدره، وأقول: لو درس علم الحديث، لفاق به البخاريّ ومسلم، لكن قبضَ اللهُ روحهَ؛ ليبقى أثرُ البخاري ومسلم إلخ.. هذه المقولات، التي عارضنا بها الشيخ بأدب، ولكن لم يدعْ لنا المجال في الدفاع عما نعتقده، وفهمناه من قبل، فآثرنا السكوت؛ لأنّ هدفنا التعلم من الشيخ، ومعرفة منهجه وطريقته.
    وكان يقول لنا : اكتبْ كل ما تسمعه من الشيخ، يعني قمّش، فإن رجعت ففتش، واستمعِ القول كلّه، ثم اتّبعْ أحسنَه.
    ومع قلة جلساتنا معه، إلا أننا قد استفدنا فائدة كبيرة، وقد دونتُ جلّ ما قاله، وسأدع باقي الفوائد في مقالٍ خاص، أسميه ( من فوائدِ الشيخ المقرمي على متنِ أبي شجاع ) وكان الشيخ ينصحُ بالفهم، ولا ينصحُ بالحفظ، وسيأتي توضيحه في الحلقة التاسعة عشرة.
    ومن طرائف الشيخ أنه كان يقول " عجائب الدنيا سبع (1) أردني على نيّاته (2) يمني مصمم أزياء (3) مصري ... إلخ .. " وأخشى أن تكون هذه من قَبيلِ الغيبةِ؛ لتيك البلاد، لكن الشاهد أنه قصد بـ " أردني على نياته " أنه يظهر غير ما في باطنه، فقلنا للشيخ - ممازحين-" لعل السبب في مجيئنا إليكم هو الردُّ عليكم " .
    استفادة من دكتور فاضل =
    كنا نأتي يوميّا إلى الشيخ بعد العصر، فإذا غاب أنسْنا بدكتور فاضل اسمه " محمد الفاضل " مدرس في جامعة طيبة, قسم القراءات، فلما علمَ بحالنا، وأنّا لا ندخل المدراس ولا الجامعات، إنما إن حصل فتكون دراسةً بيتـية، ولا همّ لنا في كراتين الشهادات، فلما علم بدأ يشدّ على أيدينا، ويقول : واصلوا الطريق، لقد مكثت عشر سنوات في الجامعة، لم أستفدْ منها شيئًا، وأنتم أعلم مني، ولا أقولها تواضعا، بل هذه الجامعات ما أسمنت ولا أغنت من جوع، فإن كان لا بدّ حاصلًا؛ فلكي تعينكَم في نشر الدعوةِ والعلم، ولو علمتم بحال (35) طالبًا عندي، ما يحسن الفاتحة إلا خمسٌ أو أربع، فواصلوا الطريق، ولا تهتموا لكلام الناس، والله سيرعى كل من فرّغ وقته لله، ولطلب العلم، وللدعوة، وليست الحياة محصورةً على الجامعات.
    ـــــ
    (1) وكان الشيخ - حفظه الله - في شرحه لبعض المسائل المشهورة في الطهارة، يعرّض بالحنابلة، وأخطاءهم الظاهر، وستأتي في مقال مستقل.
    (2) سنكمل - إن شاء الله - شرح متن أبي شجاع مع الشيخ، في غرف صوتية خاصة له - إن شاء الله - .
    (3) جلستُ مع طالبِ علم من طلاب المحدث / خالد الهويسين، فحدثني بعدة أشياء عن شدته، أذكرها فيما بعد.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    340

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    ما شاء الله .. واصل أخي الكريم فنحن متابعون لك.

    أدعوا لنا إخوتي بالشفاء و الثبات في سجودكم عسى الله أن يشفينا و يثبتنا.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    بوركت أخي إبراهيم.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    الحلقة الخامسة ( حيلةٌ لسرقةِ متن أبي شجاع )
    قلتُ لكم حديثًا : تمّ إلغاءُ الدرسِ الأول؛ لأنَّ المتن لم يكنْ حاضرًا، وكادَ الأمرُ يكونُ في اليوم الثاني، لكن وهَلَ ببالِ أخي / أبي همام، أن نصعد إلى " مكتبة المسجد النبوي "، ونأخذ الكتابَ خِلسة، فقد عُرفنا بالبُنودِ ( الحيل ).
    لكن عرضتْ مشكلتانِ = أولاهما كيف سنخبّئ المتن؟ ثانيهما ماذا لو كشفونا ؟
    فطلعتُ أنا وأبو همّام، وأخذ كلٌّ بيدِه مجلدًا كبيرًا؛ حتى يتسنّى وضعُ متنِ أبي شجاع داخلَه، وبالفعل أخذَ صاحبي الكتابَ ووضعهُ في مجلد، وجلسنا على الأرضِ كأنّا نريدُ القراءةَ، وما ذلك إلا لتُعْمى عنّا الكاميرا، وحين ذلك أطفؤوا الأنوارَ فقد حضرَ وقتُ العصر، فمشيتُ بجانبِ أبي همامٍ؛ لأغطي الملامحَ التي عليه، ولأظهرَ أنْ لا أمرَ يربكنُا؛ إذ كان على البوابةِ ثلاثة من المسؤولين، وشرطي، فحاصتْ قلوبُنا حيصةً، واصفرّتُ وجوهنا، فلما تعدّيناهم، وقارنَّا البابِ = إذ به يرنّ.
    فقلتُ في نفسي " كُشِفَ أمرُنا، وحمدًا أني لم أحملِ الكتابَ، فقد وقعَ به صاحبي "، العجبُ أنّه لم يدركْنا أحدٌ، ولله الحمدِ.
    لكن بقيتُ نفوسنا مرتبكةً بعض الشيء، إذِ الكاميرا قد صوّرتنا في الذهابِ والإياب، وقد يدركونا أثناء النزول، فكان الدرج الكهربائي يصعدُ ولا ينزل، فمن هيبةِ الموقف نزلتُ سِراعا،ولمْ أنظر إلى الخلف حتى خرجتُ من البابِ الرئيسي، ولم أدرِ عن صديقي شيئًا.
    وبعد دقيقتين أقبل، فإذا من حيصِه لم يستطعِ النزول، فسبحانَ من أعمى الأبصار، عمن جلا به الإبصار.
    ــــــ
    للعلم/ أخْذُنا للمتنِ خِفيةً، كان لدرسٍ واحدٍ، من ثَـمّ نرجعُه،ولكن خفنا من إبصارهم لنا في الإياب،فوضعناهُ عند العمّال ليدَعوهُ في المكتبة , ولنخرجَ سالمين غانمين.
    والتعيبر بالسرقة من باب المشاكلة , وإلاَّ فهذه ضرورة شرعية نُعذر بها إن شاء الله ,إذْ لم نخرجْ عن الحرم به.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    الحلقة السادسة = مع الشيخ الأصولي : خالد باحميد

    أكملُ فأقول = إنّ من أفضلِ ما يكمَّلُ به عقلُ التلميذ، ومن أجدرِ ما يبعدُ به عن داءِ التقليد، تَعدادُ أشياخه، وأساتذته، يكمُن هذا في ترجيحاتِ الطالبِ المستقلبيّة، وفي أفكارهِ المنهجيّة، وفي خبرتِه التعليميّة، وفي انتخابِ المنهج الأنجع في أسلوبِ التدريس، والتعاملِ مع الطّلبة، وقوّة الخبرة.
    فكانَ من هؤلاءِ النبلاءِ الفضلاءِ = الشيخ / خالد باحميد الأنصاري، فقد التقيـنا به في الحرم، وأول ما حاذيناهُ تكلمَ أميرُنا فقال = هؤلاءِ جاءوا طالبينَ العلمَ، فهلّا نصيحةً تُسديها، ينفع بها باريها، فابتهج الشيخ قائلًا = أنصحُكمُ بالإخلاصِ فإنه عزيزٌ، وكثرةِ الدعاء للعزيز، والتدرّج في المنهجية فهي عزيزةٌ، والشغفِ فيما أنتم مقبلُون عليه، فإن أقبلتَ على كتبِ أهلِ العلم = فليكنّ أول ما يُنادى بـه " المختصرات " في الفنونِ المهمّة، حتى تكون لك مفتاحًا إلى ما تصبو إليه من المرحلتين الآتيتين، فإنْ أنهيتَ هذه المرحلة فقد خلُصتَ من الوسائل، ثم ابدأ بالكتابِ تفسيرًا، وبالسنّةِ تفقّهًا، بفهمِ سلف الأمة، وبعد ذينِك تفقّه نوازلَ الأمّةِ، وادرسْها، وعارضها على ما سبقَ لك من المراحل.
    ثم سألنَا الشيخُ سؤالًا = ما المرادُ بـ " السلف " في قولنا " فهمُ سلفِ الأمة " ؟! فمن قائلٍ هم الصحابة، ومن قائلٍ هم الصحابة وتابعوهم، ومن قائلٍ هم القرون المفضّلة،! فقال = ها قد اختلفَ السلفيّة في المقصود بـ " السلف "، فيسهُل اختلافهم في مسائل محدَثة الاشتهار، معْ أنّ مذهبَ السلفِ موحّد، كمسألة " الإيمان "، فتفرّقوا أصنافًا وشعابًا، وبدأ هذا يضلّلُ هذا، وهذا يبدّعُ هذا، ولسانُ حالِ الشيخ :

    وكلٌّ يدّعـي وصلًـا بليلـى ** وليـلى لا تقرُّ لهم بذاكـ!

    ثم إن عرّفنا بالمقصودِ من " السلف " فما حكمُ تبنّي الأحكام المخالفة لهم، ولم يثبتْ خلافُهم فيها، والأمثلة كثيرة، فهل – حقًّا – طبّقنا قاعدةَ عدم الخروجِ عن فهم سلف الأمة، وأيّ فهمٍ تعنُون؟ رأينا فتوى هيئة كبارِ العلماء في طهارةِ الدّم، وكل من قالَ بطهارتِه عيالٌ على الشوكاني، وثبتَ قول أحمد وغيره الإجماعَ على النجاسة، فهل طبّقناها حقيقةً، ومن أتى بالأدلة المعروفةِ بمن ارتأى مذهب الطهارةِ، فمردودٌ كلُّه.
    ومن قالَ بتساهلِ الإمامين ابن المنذر، وابنِ عبد البرّ في نقْلِ الإجماع، لقد ازدرى بنقلةِ علم الأمة، وحطّ من قيمتهم، ولو قالَ " هذا ما علموه من الإجماعِ لكان أهونَ عليه " فإذًا " إجماعُ السلفِ وخلافُ السلفِ حجةٌ " .
    لم نمكث عنده أكثر من نصف ساعة، لكنها كانتْ مفيدةً، وقد يوردُ بعضكم استشكالاتٍ لن يرتضيها فيما قالهُ الشيخ، لكن حسبُكم أنَّ هناكَ من يعدُّ لنا أخطاءَ السلـفيّين العلميّة، فإن كان ما قالهُ حقًّا = أخذنا بنصحيته، وإن باطلًا = فهي تذكرةٌ محبّ، لا مبغض!.
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    845

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    أخي الفاضل ، والعزيز الغالي البرقاوي - حفظه الله - :
    ما شاء الله ، أقول -كما قال الإخوة من قبلي - : واصل وصلك الله بطاعته .
    واجعَل لوجهكَ مُقلَتَينِ كِلاَهُما مِن خَشيةِ الرَّحمنِ بَاكِيَتَانِ
    لَو شَاءَ رَبُّكَ كُنتَ أيضاً مِثلَهُم فَالقَلبُ بَينَ أصابِعِ الرَّحمَنِ


  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    اللهم باركـ لنا في شـامنا
    المشاركات
    792

    افتراضي رد: رحـلةٌ إلى الحرمَيْن ( مواقـفٌ وعبرْ، ونصائـحٌ ودررْ)

    بارك الله فيكم شيخنا العزيز، يشرفني تواجدكم هنا.
    سأواصل - بإذن الله - .
    يا رب !!
    اجْعلني من الرَّاسخين في العلم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •