تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: علم الكلام وموقف الأئمة الأربعة منه وتراجع منظريه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    129

    افتراضي علم الكلام وموقف الأئمة الأربعة منه وتراجع منظريه

    علم الكلام لقب عرفي يصدق على كل من قرر العقيدة بغير طريقة المرسلين ، وهم فرق كثيرة ولكن لهم علامات مشتركة ، فكما تعرف السلفي بحبه للسلف وتعظيمه للنصوص وتقديمها على كل شيء فإنك تعرف المتكلم بتعظيم الفلاسفة (الحكماء) ، وتقديم العقل على النص ، وجهله بالأحاديث والآثار وغربة لغته عن لغة السلف فكلماته غير قرآنية ولاحديثيه بل هي من إرث الأمم الأولى ؛ كالجوهر والعرض والأبعاض والأعراض والأغراض وحلول الحوادث والخلاء والتحيز وغير ذلك مما تطفح به كتبهم !
    قال الإمام اللالكائي- رحمه الله - :
    "وروى نوح الجامع ،قال: قلت لأبي حنيفة رحمه الله ما تقول فيما أحدث الناس من كلام في الأعراض والأجسام؟
    فقال : مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف ،وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة"
    وفي الجزء الثالث من « أخبارِ القضاة » لوكيع بن خلف في ترجمة القاضي أبي يوسف يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ صاحبِ أبي حنيفة ما نصه : قال أبُو يوسف : العلم بالكلام جهل ، ومن طلب العلم به تزندقَ ، ومن طلب المال بالكيمياء أفتقَرَ ، ومن طلب الحديث بالغرائب كذَبَ " ا.هـ منه بلفظه .
    ويقول ابن خويز منداد من المالكية: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها. [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/96]

    وقد ذكر الذهبي - رحمه الله - في ترجمة الإمام الشافعي - رحمه الله - جملة نصوص تدل بوضوح على موقفه من علم الكلام ؛ فمن ذلك :-
    1- لو علم الناس مافي الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد !
    2- ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح !
    3- والله لأن يفتي العالم فيقال أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال : زنديق ! وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله !!
    4- وقال ياربيع اقبل مني ثلاثا : لاتخوضن في أصحاب رسول الله فإن خصمك النبي غدا ، ولاتشتغل بالكلام فإني قد اطلعت من أهل الكلام على أمر عظيم ! ولاتشتغل بالنجوم فإنه يجر إلى التعطيل !
    5- وسئل الشافعي عن شيء من علم الكلام فقال : سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله !
    6- وقال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ !
    7- وقال : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في العشائر ؛ ينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام !
    8- وقال : مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط وتشريدهم في البلاد ! قال الذهبي : لعل هذا متواتر عن الإمام !
    9- وقال المزني : كان الشافعي ينهى عن علم الكلام . وذكر أنه كان يطالع في علم الكلام قبل أن يقدم الشافعي فلما قدم سأله عن مسألة في علم الكلام فغلظ له القول حتى ترك الكلام وأقبل على الفقه !
    10- وقال الشافعي : لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر وكان فيها كتب الكلام لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم !
    11- وقال : ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله من ذلك !"

    وقال السيوطي في كتابه صون المنطق ص 15 أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال :
    " ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاليس "

    ونقل الذهبي - رحمه الله - : كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام ، وكان يقول : والله لأن يفتي العالم ، فيقال : أخطأ العالم خير له [ ص: 19 ] من أن يتكلم فيقال : زنديق ، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله .
    قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع ". سير أعلام النبلاء (10/ )
    و الإمام الشافعي - رحمه الله - عند تحذيره من الكلام يؤكد بشاعة الخطأ فيه لمايلزم من الخطأ في مسائله من التضليل أو التكفير بخلاف الخطأ في أمور الفقه فإنه لايبلغ ذلك.
    وتأمل تعليق الإمام الذهبي على تفريقه بين الخطأين بقوله :" قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع .
    قال أبو المظفر السمعاني في كتابه الانتصار لأصحاب الحديث "فلا ينبغي لأحد أن ينصر مذهبه في الفروع ثم يرغب عن طريقته في الأصول". نقله السيوطي في صون المنطق ص150
    ومن تتبع كلام الأئمة وجد لذلك نظائر كثيرة ولعل فيها عبرة لمن ينتسب إليهم في الفروع ثم يخالفهم في الأصول !!

    وقد نص الإمام أحمد على أن "من خاض في علم الكلام لايعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص" فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها .
    قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - "فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار ." رسالة أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
    فمن تلقى من السنة فهو من أهلها وإن أخطأ ومن تلقى من غيرها فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة.
    فعلم العقيدة عند أهل الحديث والأثر مستمد في مسائله وتقريرها من الوحيين الكتاب والسنة وبيان نهج أئمة الأمة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في تعاملهم مع مسائل الاعتقاد
    ومثاله أول أحاديث الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه بعد المقدمة فقد افتتح بكتاب الإيمان وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه في البراءة من القدرية مستشهدا بحديث جبريل عليه السلام في بيان مراتب الدين
    ومنهج علم العقيدة بهذا المعنى هو الأصل في تقرير مسائل العقيدة وأصول الإيمان.


    وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري(13/ باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) : عنالإمام القرطبي رحمه الله في المفهم : في شرح حديث أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء " كتاب الأحكام " وهو في أوائل " كتاب العلم " من صحيح مسلم ، هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة ، وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين ، كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف أمته ، إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية ، أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها ، وشكوك يذهب الإيمان معها ، وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم ، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها ، وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال ، لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال ، فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها ، وهل هي الذات أو غيرها؟ وفي الكلام : هل هو متحد أو منقسم ؟
    وعلى الثاني : هل ينقسم بالنوع أو الوصف؟ ، وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا؟ ، ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق؟ ، وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة؟ إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم ، بل نهوا عن الخوض فيها لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل ؛ لكون العقول لها حد تقف عنده ، ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ، ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها ، وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز ، وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ، ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه ، كما هو طريق السلف ، وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل ، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي ، وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين ، فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا .
    قال : وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك ، وببعضهم إلى الإلحاد وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات ، وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره ، وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها ، وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم ، حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال " ركبت البحر الأعظم ، وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت [ ص: 363 ] واعتقدت مذهب السلف " هذا كلامه أو معناه وعنه أنه قال عند موته " يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به ، إلى أن قال القرطبي : ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم : إحداهما قول بعضهم إن أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر ، وإليه أشار الإمام بقوله : ركبت البحر . ثانيتهما قول جماعة منهم إن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه ، حتى لقد أورد على بعضهم أن هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك ، فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار ، قال وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه ، فإن القائل بالمسألتين كافر شرعا ، لجعله الشك في الله واجبا ، ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة ، وإلا فلا يوجد في الشرعيات ضروري ، وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة ، والله يهدي من يشاء انتهى ".

    وقال الحافظ ابن حجر : "وقال أبو المظفر بن السمعاني تعقب بعض أهل الكلام قول من قال : إن السلف من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في أحكام الحوادث وقد قبل الفقهاء ذلك واستحسنوه فدونوه في كتبهم ، فكذلك علم الكلام ، ويمتاز علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين وأهل الأهواء ، وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ ويثبت اليقين لأهل الحق ، وقد علم الكل أن الكتاب لم تعلم حقيقته ، والنبي لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقل ، وأجاب : أما أولا فإن الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع ، وصح عن السلف أنهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب" .فتح الباري

    ومن العجيب أن أتباع هؤلاء الأئمة يحتجون بأقوال الأئمة المتبوعين الذين يحتج بكلامهم،، وربما قدمه البعض منهم عَلَى أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفروع، أو في المعاملات ونحو ذلك، فإذا جَاءَ إِلَى علم أصول الدين الذي هو أجل وأشرف من الفروع رمى بما قاله إمامه، وما ثبت عن السلف ، واتبع كلام علماء الكلام، ولذلك ظهرت ازدواجية ثلاثية فتجد أحدهم على عقيدة الأشعري ، وفقه مالك وطريقة نمير فنقول: إن كنتم صادقين أنكم تتبعون مالكاً والشَّافِعِيّ وأبا حنيفة فهذا كلامهم في أصول الدين وهو أعظم من الفروع، وهذا منهجهم في العقيدة عَلَى عقيدة السلف إلا فيما ندر من بعض المسائل


    رجوع الغزالي والرازي والجويني والشهرستاني عن علم الكلام:

    قال الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علو الدين "
    وينبغي أن يحرس سمعه من الجدل والكلام غاية الحراسة, فإن ما يشوشه الجدل أكثر مما يمهده , وما يفسده أكثر مما يصلحه, بل تقويته بالجدل تضاهي ضرب الشجرة بالمدقة من الحديد رجاء تقويتها بأن تكثر أجزاؤها وربما يفتتها ذلك ويفسدها وهو الأغلب .
    والمشاهدة تكفيك في هذا بيانا فناهيك بالعيان برهانا .
    فقس عقيدة أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ لا تحركه الدواهي والصواعق, وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مرسل في الهواء تفيئه الرياح مرة هكذا ومرة هكذا إلا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه تقليدا كما تلقف نفس الاعتقاد تقليدا ...
    ثم الصبي إذا وقع نشوه على هذه العقيدة إن اشتغل بكسب الدنيا لم ينفتح له غيرها ولكنه يسلم في الآخرة باعتقاد أهل الحق إذ لم يكلف الشرع أجلاف العرب أكثر من التصديق الجازم بظاهر هذه العقائد فأما البحث والتفتيش وتكلف نظم الأدلة فلم يكلفوه أصلا .

    فإن قلت تعلم الجدل والكلام مذموم كتعلم النجوم أو هومباح أو مندوب إليه ؟!

    فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف فمن قائل إنه بدعة أو حرام وأن العبد إن لقي الله عز وجل بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام ومن قائل إنه واجب وفرض إما على الكفاية أو على الأعيان وأنه أفضل الأعمال وأعلى القربات فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله تعالى .
    * وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان* وجميع أهل الحديث من السلف .
    قال ابن عبد الأعلى رحمه الله سمعت الشافعي رضي الله عنه يوم ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمي المعتزلة يقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من علم الكلام, ولقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أيضا قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام .
    [وساق أقوال باقي الأئمة]
    ثم قال: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا
    ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه.
    وقالوا: ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر .
    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون " أي المتعمقون في البحث والاستقصاء .
    واحتجوا أيضا بأن ذلك لو كان من الدين لكان ذلك أهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم طريقه ويثني عليه وعلى أربابه فقد علمهم الاستنجاء و حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الاستنجاء أخرجه مسلم من حديث سلمان الفارسي _وذكر بقية استدلالهم

    ثم قال:
    * أما مضرته, فإثارة الشبهات, وتحريك العقائد, وإزالتها عن الجزم والتصميم, فذلك مما يحصل في الابتداء , ورجوعها بالدليل مشكوك فيه, ويختلف فيه الأشخاص .
    فهذا ضرره في الاعتقاد الحق , وله ضرر آخر في تأكيد اعتقاد المبتدعة, وتثبيتها في صدورهم, بحيث تنبعث دواعيهم, ويشتد حرصهم على الإصرار عليه, ولكن هذا الضرر بواسطة التعب الذي يثور من الجدل, ولذلك ترى المبتدع العامي يمكن أن يزول اعتقاده باللطف في أسرع زمان, إلا إذا كان نشؤه في بلد يظهر فيها الجدل والتعصب, فإنه لو اجتمع عليه الأولون والآخرون لم يقدروا على نزع البدعة من صدره, بل الهوى والتعصب وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولي على قلبه, ويمنعه من إدراك الحق.

    * وأما منفعته, فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه, وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف, ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف.
    وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوى ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا, فاسمع هذا ممن خبر الكلام, ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين, وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب علم الكلام, وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود .
    ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف, وإيضاح لبعض الأمور, ولكن على الندور في أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكلام .)).ا.هـ[ الإحياء1/95]

    وكلامه نفيس جدا, ينبغي العناية به.
    ولذا قال ابن أبي العز:
    [ وكلام مثله في ذلك حجة بالغة، والسلف لم يكرهوه لمجرد كونه اصطلاحاً جديداً على معان صحيحة، كالاصطلاح على ألفاظ لعلوم صحيحة، ولا كرهوا أيضاً الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل، بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق، ومن ذلك : مخالفتها للكتاب والسنة وما فيه من علوم صحيحة، فقد وعّروا الطريق إلى تحصيلها وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى، وأحسن ما عندهم فهو في القرآن أصح تقريرا، وأحسن تفسيرا، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد كما قيل : لولا التنافس في الدنيا لما وضعت كتب التناظر لا المغني ولا العمد يحللون بزعـم منهم عقــدا وبالذي وضعوه زادت العقـد فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشبهة والشكوك، والفاضل الذكي يعلم أن الشبهة والشكوك زادت بذلك].
    شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي رحمه الله.
    والله أعلم

    وقال الفخر الرازي كما في وصيته المشهورة: ((لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن))، ثم قال: ((ديني متابعةُ الرسول محمد ، وكتابي القرآنُ العظيمُ وتعويلي في طلب الدين عليهما)). تاريخ الإسلام للذهبي، (18/242-243).
    وقال الرازي: ((لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات)): {الرحمن على العرش استوى} [ طه ،آية:5]، و{إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر،آية:10 ]، وأقرأ في النفي {ليس كمثله شيء} [الشورى،آية:11]، {ولا يحيطون به علما} [طه،آية:110]، ثم قال من جرب مِثْلَ تجربتي عرف مِثْلَ معرفتي)) أ هـ. سير أعلام النبلاء (21/500)، شرح الطحاوية ص228، مجموع الفتاوى، (4/72-73)، (5/562)، العقل والنقل (1/159-160)، البداية والنهاية (13/61 ، 62).

    وحكى أبو الفتح الطبري أنه دخل على أبي المعالي الجويني في مرضه فقال: اشهدوا عليَّ أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة وأَني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور".السير، (18/474).
    وأصرح منه ما قاله كما بالسير: ((قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى عَنْهُ أهل الإسلام، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى "كلمة الحق"، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني)) السير، (18/474)..
    فإذا كان رجوعه إلى كلمة الحق، فما الذي كان عليه قبل ذلك، وما الذي نهى أهل الإسلام عنه !!!
    وقال أبو الحسن القيرواني الأديب- وهو من تلاميذ الجويني- سمعت أبا المعالي يقول: ((يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفتُ أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به)).سير أعلام النبلاء، (18/474)، المنتظم لابن الجوزي، (9/19).
    وهذا أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبدالكريم الشهرستاني، ولد سنةوهو فقيه شافعي متكلم. وهو صاحب الملل والنحل.

    ألف كتـــاب [نهاية الإقدام في علم الكـــلام] وهو الذي ذم فيه علم الكلام وحذر منه وأوضح أن علم الكلام إنما يورث الحيرة وليس لدى أربابه يقين في عقيدتهم.
    وقد أثبت في أول كتابه المذكور بيتين في وصف حال أهل الكلام قائلاً:
    لعمري لقد طفت المعاهد كلها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
    فلم أر إلا واضعاً كف حـــائر *** على ذقن أو قارعا ســـــن نادم"

    إذا كانوا هؤلاء من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟ وإلى أي عقيدة رجعوا؟.

    يقوم البعض بترديد مقولة أن الرازي والجويني .. رجعوا إلى التفويض عوضاً عن التأويل
    فنقول إن كنتَ كأسلافك تزعم أن مذهب السلف هو إما التأويل وإما التفويض، فعليه مَنْ أَخَذَ بأحدِهما – على زَعْمِكَ- يكون على الحقِ، فلم كانت حيرةُ هؤلاء وتذبذبهم ؟!!
    فإن زعمت أنهم اختاروا التأويل أولاً ثم رجعوا إلى التفويض الذي هو مذهب السلف فهذا ينقض أصلك بأن كُلاً من التفويض والتأويل حق.
    وإن زعمت أنه ترجيح منهم لأحد الأمرين وأنه كان لابد من التأويل أولاً لأنه ، ثم لما حانت الوفاة عدل إلى ((التفويض)) لأنه هو السلامة، فهو اعتراف ضمني بمفهوم المخالفة أن المؤولَ ليس على السلامة، فكيف يكون التأويلُ هو مذهبُ السلف.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    أرض الكنانة السلفية
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: علم الكلام وموقف الأئمة الأربعة منه وتراجع منظريه

    جزاكم اللهُ خيرًا

    وما نُسبَ للرازي عليه رحمة الله وغفر اللهُ له :
    قال ابن تيمية في الدرء :
    نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
    وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذي ووبال
    ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

    وكم قد رأينا من رجال ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
    وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا والجبال جبال


    لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات { الرحمن على العرش استوى } { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } - واقرأ في النفي { ليس كمثله شيء } { ولا يحيطون به علما } { هل تعلم له سميا } ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ]
    -قال الدكتور محمد رشاد سالم محقق الكتاب فى الهامش
    [لم أجد هذا النص فيما بين يدى من كتب الرازى , سواءا المطبوع منها والمخطوط , ويذكر ابن تيمية أن الرازى كان يتمثل بهذا النص فى كتابه ( أقسام اللذات ) وهذا الكتاب مخطوط بالهند , ولم يذكره بروكلمان ضمن مؤلفات الرازى , وكثيرا ما يذكر ابن تيمية هذا النص فى كتبه , انظر مثلا مجموع فتاوى ابن تيمية , طبعة الرياض (4-71 ) ,الفرقان بين الحق والباطل ص97 , من مجموع الرسائل الكبرى ط صبيح , معارج القبول ص185 من المجموعة السابقة , ]
    ومعنى هذا أن مدار نقل هذا الشعر على كتاب أقسام اللذات , وكما يقول المحقق هو كتاب قيل أنه مخطوط فى الهند ولم يذكر فى قائمة كتب الرازى , أى يمكن أن يكون هناك شك فى نسبته الى الرازى

  3. #3

    افتراضي رد: علم الكلام وموقف الأئمة الأربعة منه وتراجع منظريه

    بارك الله فيك أحسنت فيما نصحت وأجدت فأفدت ..

    إلا أن هناك ملاحظة طفيفة حول ما ذكرت أن : من علامات أهل الكلام تعظيم الفلاسفة ..
    فهذه عبارة غير دقيقة فالمتكلم هو خصم الفلاسفة يعاديهم ويكفرهم إلا أنه يسير على خطاهم في التفكير والاستدلال ولذا فإن من وافقهم من أهل الإسلام وعظمهم يعد منهم كابن سينا والفارابي وابن رشد فهؤلاء نسبوا للفلسفة لا للكلام أما خصومهم كالغزالي والرازي والآمدي وبقية المعتزلة والأشاعرة فهم من أهل الكلام
    والله تعالى أعلم وأحكم
    لك شكري وتقديري جزاك الله خيراً

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    129

    افتراضي رد: علم الكلام وموقف الأئمة الأربعة منه وتراجع منظريه

    بارك الله فيكم
    أحسنت الملاحظة أبومحمد
    لك شكري وتقديري جزاك الله خيراً

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    المشاركات
    29

    افتراضي رد: علم الكلام وموقف الأئمة الأربعة منه وتراجع منظريه

    وقد أيد ذلك عدد من كبار أئمة التصوف في ذلك الوقت مثل "السري السقطي " وابن أخته إمام الطائفتين " أبو القاسم الجنيد"رحمه الله تعالى ، الذي كان يقول : ( أقل ما في الكلام [ علم الكلام ] سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب ، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان ) ، ورد في " سير أعلام النبلاء" للذهبي ، { ج 14 / ص : 68 } ...
    لا يعرف الحق بالرجال *** بل يعرف الرجال بالحق

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •