بين الكتب
للأستاذ محمود محمد شاكر
((إن لغة العرب كانت لها السيادة في إفريقية وآسية، فزاحمتها لغات الغزاة حتى زحزحتها عن مكانها، أو أزالتها من الأسنة، ووضعت في ألسنة الإفريقيين والآسيويين ألسنة إنجليزية، أو هولندية، أو برتغالية وقد شهدنا بالأمس القريب اجتماع الإفريقيين وغيرهم في مصر فكان خطيب كل أمة يخطب بالإنجليزية أو الفرنسية، وآباء هذا الخطيب نفسه كانوا إلى عهد قريب يكتبون بالعربية، ويؤلفون بها ويقولون فيها شعرا، هذا على قلة التواصل كان بينهم وبين بلاد العرب لبعد المسافات، وغلبة الاستعمار، والذي حدث هو أن الاستعمار قد جعل حرب اللغة العربية أحد أسلحته، كما جعل التبشير سلاحا لمحو الإسلام من إفريقية، وهو يصرح بهذا اليوم غير موارب فيما يكتب عن إفريقيا)).
تقول المبشرة ((أنا مليجان)) إن المدارس أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم المسيحي، وهذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يوما ما قادة أوطانهم**!!
وتقول أيضا: ((في صفوف كلية البنات بالقاهرة بنات آباؤهن باشوات وبكوات وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي وليس ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة)).
ويقول زويمر في وصاياه للمبشرين:
((ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين، وتحرير النساء)).
وفي الصحافة يقول المبشر ((ولسن كاش)):
إن الصحافة لا توجه الرأي العام فقط، أو تهيئه لقبول ما ينشر عليه بل هي تخلق الرأي العام ((تأمل هذه العبارة جيدا)) وقد استغل المبشرون الصحافة المصرية على الأخص للتعبير عن أراء المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي آخر ((تأمل هذه أيضا)).
لقد ظهرت مقالات كثيرة في عداد من الصحف المصرية، إما مأجورة في أكثر الأحيان أو بلا أجرة في أحوال نادرة.
ويعقب مؤلف ((أباطيل وأسمار)) على هذه التقارير بقوله:
((فمن الغفلة التي تطمس القلب والعين والعقل، أن يعرف ذلك إنسان له بقية من نخوة أو كرامة، أو عقل، ثم لا يعيد النظر في كل من أمور الأمة العربية والإسلامية، ليرىأثر إصبع التبشير العامل على تحطيم النفس العربية المسلمة، في كل ناحية من نواحي الحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية، وليبصر عيانا صدوع التحطيم والهدم ظاهرة في حياتنا، وليدرك أن العدو الذي يريدنا أن نعتنق مبادئ الحضارة الغربية، وأن يفشي طريقة العيش الغربية، إنما يريد أن يقوض بناء كاملا تمّ كماله في قرون متطاولة، وبقي يقارع الخطوب والأحداث والنكبات دهورا، محتفظا بقوته وكيانه ولم يجترئ عليه العالم الأوروبي المسيحي، إلا بعد طول تردد في القرن التاسع عشر كما قال ((توينبي)).
من كتاب أباطيل وأسمار
للأستاذ محمود محمد شاكر
منقووول