السلام عليكم ورحمة الله
فى البداية اطلب من إ خوانى الكرام عدم التعليق بما قد يؤدى لحذف أوإغلاق الموضوع وعدم إسقاط الكلام على أحد من العلماء أو طلبة العلم بعينه ومن أراد ذلك فليفعل فى موضوع مستقل فنحن بصدد تنويه على بعض القضايا الإعتقادية ولسنا بصدد إسقاط الكلام على أحد فى هذا الموضوع .
أولاً : الشرط البدعى الخبيث وهو الإستحلال القلبى فى التكفير فى المعاصى التى هى من الكفر الأكبر .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله أما بعد :
فمسألة إشتراط الإستحلال القلبى فى التكفير فى المعاصى التى هى من الكفر الأكبر من شروط المرجئة وهم يخالفون بذلك عقيدة أهل السنة إذ أن أهل السنة لم يشترطوا ذلك فى الأعمال المكفرة بذاتها وهذا الشرط البدعى الخبيث سبباً فى مصائب كثيرة فاناس يفعلون ما يفعلون من الكفر ويقال لم يكفر هذا ولا هذا لأنه لابد أن يستحل على قولم ولأنه لابد أن ينشرح بالكفر صدره ولاسبيل لنا لمعرفة ما فى قلبه لذلك لا يحكم بكفره على قولهم المزعوم وهذا هو دين المرجئة الدين الذى يفرح به الملوك لأنهم يعلمون أنهم مهما فعلوا لن تخرج فتوى من أمثال هؤلاء بتكفريهم وتحريض الناس على خلعهم وقد حكى غيرُ واحدٍ الإجماع على أنَّ الكفرَ يكون بالقولِ أو الفعلِ أو الإعتقادِ ، ومن هؤلاء :
العلاَّمة ابن حزم فقال في "الفِصَل" (3/245). ((بقي من أظهر الكفر : لا قارئاً ولا شاهداً ، ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمَّة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله ? بذلك ، وبنصِّ القرآن على من قال كلمة الكفر إِنَّه كافرٌ ))
والشيخ سليمان آل الشيخ قال في "الدلائل" (ص30) : ((أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر . فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا ؟** ))
والشيخ عبدالله أبابطين) قال كما في "مجموعة الرسائل والمسائل" (1/659) : ((والمرتدُّ هو الذي يكفر بعدَ إسلامه بكلامٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شكٍّ وهو قبل ذلك يتلفَّظ بالشَّهادتين ويصلي ويصوم ، فإذا أتى بشيءٍ مما ذكروه صار مرتدَّاً مع كونه يتكلَّم بالشَّهادتين ويصلي ويصوم ولا يمنعه تكلُّمه بالشَّهادتين وصلاته وصومه عن الحكم عليه بالرِّدَّة ، وهذا ظاهرٌ بالأدلَّة من الكتابِ والسُّنَّة والإجماع ))
والشيخ محمد بن ابراهيم) قال في شرحه لكشف الشبهات (ص102) : ((فهذا المذكور في هذا الباب إجماع منهم أنه يخرج من الملة ولو معه الشهادتان، لأجل اعتقادٍ واحد أو عملٍ واحد أو قولٍ واحد، يكفي بإجماع أهل العلم لا يختلفون فيه ))
ومن إجماعات أهل العلم على تكفير من آتى ببعض الكفرات دون إشتراط هذا الشرط البدعى الإرجائى يتضح لنا جلياً أن الكفر يكون بالإعتقاد وقد يكون بالعمل و قد يكون بالقول وإليك الإجماعات الموضحة لما مضى من الكلام .
فمثلاً إجماعهم على أن قتل كفر بغض النظر عن الإستحلال .
قال الإمام إسحاق بن راهويه المروزيّ . ت:238هـ
((وممَّا أجمعوا على تكفيره ، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد ، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى ، ومما جاء من عنده ، ثم قتل نبيَّاً، أو أعان على قتله ، وإن كان مُقِرَّاً ، ويقول : قتل الأنبياء محرَّمٌ ، فهو كافرٌ ، وكذلك من شتَمَ نبيَّاً ، أو ردَّ عليه قولَه من غير تقيَّةٍ ولا خوفٍ ).
الإجماع على أن من شتم النبى كفر .
فقد نقل القاضى عياض كما فى الشفا عن فقيه المغرب محمد بن سحنون المالكي.ت:265هـ
أنه قال : ((أجمع العلماء أَنَّ شاتمَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المتنقِّصَ له كافرٌ ، والوعيدُ جارٍ عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمَّة : القتل ، ومن شكَّ في كفرِه وعذابِه كفَر ))
شيخ الحنابلة الحسن بن علي البربهاري . ت:329هـ
(( ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يردَّ آيةً من كتاب الله عزَّ وجلَّ ، أو يردَّ شيئاً من آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو يصلّي لغير الله أو يذبح لغير الله ، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد
وجب عليك أن تخرِجَه من الإسلام...)
العلاَّمة أبو محمَّد عليُّ بن حزم (الظاهريّ) (2). ت:456هـ
قال في "الفِصَل" : (( وأمَّا قولهم (يعنى الجهمية والمرجئة ) إِنَّ شَتْمَ الله تعالى ليس كفراً وكذلك شَتْمَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو دعوى ، لأن الله تعالى قال : { يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} فنصَّ تعالى على أَنَّ من الكلام ما هو كفرٌ .
وقال أيضاً كما فى الفصل : والنّطق بشيءٍ من كلِّ ما قام البرهان أَنَّ النُّطق به كفرٌ كفرٌ ، والعمل بشيءٍ ممَّا قام البرهان بأَنَّه كفرٌ كفرٌ.
الجوَينيّ (الشافعيّ)ت:478هـ
قال الهيتميّ في "الزواجرعن اقتراف الكبائر" :
((نقل إمام الحرمين ( يقصد الجوينى عن الأصوليّين أَنَّ من نطق بكلمة الرِّدَّة، وزعم أَنَّه أضمر توريةً كَفَرَ ظاهراً وباطناً ، وأقرَّهم على ذلك ))
وفى "كشف الأسرار" شرح أصول البزدوي قال عليُّ بن محمَّد البزدَويّ (الحنفيّ). ت:482هـ
((فإنَّ الهَزْل بالرِّدَّة كفرٌ لا بما هَزَل به لكن بعَيْنِ الهَزْل ؛ لأَنَّ الهازلَ جادٌّ في نفس الهَزْل مختارٌ راضٍ والهَزْل بكلمة الكفرِ استخفاف بالدِّين الحقِّ فصار مُرتدَّاً بعينه لا بما هَزَل به إلاَّ أَنَّ أثرهما سواءٌ بخلاف المُكْرَه ; لأَنَّه غير معتقدٍ لِعَيْن ما أُكْرِه عليه ))
جلال الدِّين عبد الله بن نجم بن شاس (المالكيّ). ت:616هـ
((وظهور الرِّدَّة إمَّا أنْ يكون بالتَّصريح بالكفر ، أو بلفظٍ يقتضيه ، أو بفعلٍ يتضمَّنه )).
برهان الدِّين محمود بن أحمد بن مازه (الحنفيّ) . ت:616هـ
قال في "المحيط" : ((من أتى بلفظةِ الكفر مع علمِه أَنَّها لفظةُ الكفر عن اعتقاده فقد كفر، و لو لم يعتقد أو لم يعلم أَنَّها لفظة الكفر ولكن أتى بها عن اختيار فقد كفر عند عامَّة العلماء ولا يُعْذَر بالجهل…ومن كفر بلسانِه طائعاً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهو كافر ولا ينفعه ما في قلبه )).
عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسيّ (الحنبليّ). ت:620هـ
قال عن المرتدِّ : (( يفسد صومه ، وعليه قضاء ذلك اليوم ، إذا عاد إلى الإسلام . سواء أسلم في أثناء اليوم ، أو بعد انقضائه ، وسواء كانت رِدَّته باعتقاده ما يكفر به ، أو بشكِّه فيما يكفر بالشكِّ فيه ، أو بالنُّطق بكلمة الكفر ، مستهزئاً أو غير مستهزئٍ ، قال الله تعالى : { وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .
الإمام النووى قال فى شرح لصحيح مسلم عند الكلام عن حكم السِّحر : ( ومنه ما يكون كفراً ، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصيةً كبيرة ، فإِنْ كان فيه قولٌ أو فعلٌ يقتضي الكفر ، فهو كفرٌ وإلاَّ فلا ، وأما تعلُّمَه وتعليمَه فحرامٌ ، فإنْ كان فيه ما يقتضي الكفر كفِّر واسْتُتيبَ منه …))
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
قال في "درء الفتنة":
(( … وأنَّ الكفر يكونُ بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشكِّ وبالتَّرك ، وليس محصوراً بالتَّكذيب بالقلب كما تقوله المرجئة ، ولا يلزم من زوالِ بعض الإيمان زوالِ كلِّه كما تقوله الخوارج )).
وقال :
((للحكم بالرِّدَّة والكفر موجباتٌ وأسبابٌ هي نواقض الإيمان والإسلام ، من اعتقادٍ ، أو قولٍ ، أو فعلٍ ، أو شكٍّ ، أو ترك ، ممَّا قام على اعتباره ناقضاً الدليلُ الواضحُ ، والبرهانُ السَّاطع من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع )).
… وقال بعد أن ضرب أمثلةً لكفرِ الأقوال والأعمال :
((فكلُّ هؤلاء قد كفرَّهم الله ورسوله بعد إيمانهم بأقوالٍ وأعمالٍ صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبِهم ؛ لا كما تقول المرجئة المنحرفون، نعوذ بالله من ذلك )).
"الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة":
((التَّكفير بالقول :
اتَّفق العلماءُ على تكفير من صدر منه قولٌ مكفِّرٌ ، سواءً أقاله استهزاء ، أم عناداً ، أم اعتقاداً لقوله تعالى : { قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
(( التَّكفير بالعمل :
نصَّ الفقهاء على أفعالٍ لو فعلها المكلَّف فإنَّه يكفر بها ، وهي كل ما تعمَّده استهزاءً صريحاً بالدِّين أو جحوداً له ، كالسُّجود لصنمٍ أو شمسٍ أو قمرٍ ، فإنَّ هذه الأفعالُ تدلُّ على عدم التَّصديق(1) ، وكإلقاء المصحف في قاذورةٍ ، فإنَّه يكفر وإنْ كان مصدِّقاً ، لأنَّ ذلك في حكم التَّكذيب، ولأنَّه صريحٌ في الاستخفاف بكلام الله تعالى ، والاستخفافُ بالكلام استخفافٌ بالمتكلِّم ))
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن ضابط الاستحلال الذي يكفر به العبد فقال : ( الاستحلال هو أن يعتقد حلّ ما حرّمه الله أما الاستحلال الفعليّ فينظر : إن كان هذا الاستحلال مما يكفِّر فهو كافر مرتدّ ، فمثلاً : لو أنّ الإنسان تعامل بالرِّبا ، لا يعتقد أنّه حلال لكنّه يصرُّ عليه ، فإنه لا يكفر ؛ لأنّه لا يستحلّه ، ولكن لو قال : إنَّ الرِّبا حلال ويعني بذلك الرِّبا الذي حرَّمه الله ، فإنه يكفر ، لأنّه مكذِّب لله و رسوله صلى الله عليه وسلم الاستحلال إذن : استحلال فعليّ ، واستحلال عقديّ بقلبه ، فالاستحلال الفعليّ ينظر فيه للفعل نفسه ، هل يكفِّر أم لا ؟ و معلوم أن أكل الرِّبا لا يكفر به الإنسان ، لكنّه من كبائر الذُّنوب ، أما لو سجد لصنم فهذا يكفر لماذا ؟ لأن الفعل يكفِّر ؛ هذا هو الضابط لكن لابد من شرط آخر وهو ألا يكون هذا المستحلُّ معذوراً بجهله، فإن كان معذوراً بجهله فإنه لا يكفر ) لقاء الباب المفتوح سؤال رقم (1200) .
قلت ومما سبق وغيره مما لم أذكر يظهر جلياً أن الكفر يكون تارة بالإعتقاد وتارة بالعمل وتارة بالقول دون إشتراط الإستحلال هذا الشرط البدعى الإرجائى .
والحمد لله رب العالمين وأود التنبيه على إستفادتى من كتاب الإقتصاد فى أن الكفر يكون بالقول والعمل والإعتقاد .
ثانياً : من فعل الكفر مختاراً فقد شرح بالكفر صدراً
ومن شبه المرجئة الفهم الخطأ لقوله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا )
فظنوا أنه لا كفر إلا بإعتقاد وقد رد بن حزم عليهم قائلاً :
ولما قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا(2) } . خرج من ثبت إِكراهُه عن أَنْ يكون بإظهار الكفر كافراً إلى رخصةِ الله تعالى والثَّبات على الإيمان ، وبقي من أظهر الكفر : لا قارئاً ولا شاهداً ، ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمَّة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله ? بذلك ، وبنصِّ القرآن على من قال كلمة الكفر إِنَّه كافرٌ ، وليس قول الله عزَّ وجل { ولكِنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْرَاً } على ما ظنُّوه من اعتقاد الكفر فقط ، بل كلُّ من نطق بالكلام الذي يُحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً ؛ بمعنى أَنَّه شرح صدره لقبولِ الكفر المحرَّم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أَنْ يقولوه وسواءً اعتقدوه أو لم يعتقدوه ، لأَنَّ هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيرادِه وهو شرحُ الصدرِ به ، فبطل تمويههم بهذه الآية وبالله تعالى التوفيق )
ثالثاً : قصد الكفر ليس شرطاً فى التكفير بل هو شرط بدعى عنهم ولكن الشرط المعتبر هو قصد العمل المكفر
قرأت أن هناك من يشترط النية فى السجود للأصنام حتى يعد ذلك كفراً والذى أعلمه من عقيدة أهل السنة أنه وبالإجماع لا يسأل عن إعتقاد العبد فى أفعاله الكفرية فلا يقال مستحل أم غير مستحل ولا يقال نويت كذا أو لم تنو كذا أما السؤال عن النية والإعتقاد فهذا يعود للإرجاء لأنهم يعتقدون أن الأعمال الكفرية دالة على الكفر وليست كفراً فى ذاتها ولكن عند أهل السنة هى كفر بذاتها فالسجود لصنم بإجماع العلماء فعل مكفر بذاته ولا يسأل فاعله عن إعتقاده ولا نيته ومن المعروف لدى أهل السنة أن قصد الكفر ليس شرطاً فى التكفير بل هو شرط بدعى عنهم ولكن الشرط المعتبر هو قصد العمل المكفر كما سيأتى .
"فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع
الأمة قد اتفقت على أن من قال الكفر أو فعله كَفَرَ
القول قسمان : قسم باطني قلبي وهو التصديق وقسمٌ ظاهر وهو النطق بالشهادتين.
والعمل كذلك قسمان: قسم باطن وهو أعمال القلوب من اليقين
والمحبة والتوكل والرجاء والإخلاص والخوف ونحوها،
وقسمٌ ظاهر وهو عمل الجوارح من أداء الفرائض وترك النواهى والابتعاد عن النواقض.
فاختلال أحد طرفي القسمة هو بالضرورة اختلال للآخر، ونقض أحد أطراف القسمة هو بالضرورة نقض للبقية .
ولمّا كان نقض وزوال القسم الباطن من التصديق وأعمال القلوب لا اطلاع للخلق عليه ، كان نقض وزوال القسم الظاهر كافياً في الحكم بزوال الإيمان، لأنه لا يمكن بناءً على التلازم أن يزول أوينقض الإيمان الظاهري مع بقاء الإيمان الباطن
وهنا يقع خطأ وضلال المرجئة عندما تصوروا أن ينقض الإيمان الظاهر مع بقاء الإيمان الباطن
ولذلك لا يُكفرون بالمكفرات العملية إلا مشترطين لها الاستحلال أو النية
وإعتبار قصد الكفر فى الأعمال الكفرية للحكم بالكفر شرط بدعى إذ أن المعتبر عند أهل السنة هو قصد العمل المكفر وليس قصد الكفر فلو سجد رجل لصنم وإنتفت عنه شروط وموانع التكفير ثم قال لم أقصد أن أكون كافراً بسجودى هذا قلنا لها إنك بسجودك قد كفرت وقد وضح ذلك العلامة إبن تيمية فقال في "الصارم المسلول ص177"
"وبالجملة من قال أو فعل ما هوكفرٌ كَفَر بذلك وإن لم يقصد أن
يكون كافراً، إذ لا يقصد الكفر أحدٌ إلا ما شاء الله"
وقال أيضاً مجموع الفتاوى "7/220"
في قوله تعالى"لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" "فقد اخبر سبحانه وتعالى أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم:إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقادٍ له بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام"
وقد بين ذلك الإمام البخاري رحمه الله فقال في"كتاب الإيمان"
من الجامع الصحيح"باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو
لا يشعر"
وكيف يحبط عمله وهو لا يشعر؟! أن يفعل فعلاً ظاهراً أو يقع في
ناقضٍ عملي وليس في قلبه قصد الكفر أو الرضا به أونحو ذلك،
فيكفر ويحبط عمله وهو لا يشعر.
وقد وضح ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال:"وفيه أن من
المسلمين من يخرج من الدين من غير قصد الخروج منه،ومن غيرأن يختار ديناً على دين الإسلام"
وقال الشيخ العلامة حمد بن عتيق رحمه الله" قالوا: أي: علماء
السنةـ إن المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه إما نطقاً وإما فعلاً وإما
اعتقاداً، فقرروا أن من قال الكفر كفر وإن لم يعتقده ولم يعمل به
إذا لم يكن مكرهاً،وكذلك إذا فعل الكفر كفر وإن لم يعتقده ولا نطق
به ن وكذلك إذا شرح بالكفر صدره ..." ((الدفاع عن أهل السنة
والأتباع ص30"))
فالقصد قصدان قصد العمل المكفِّر وقصد الكفر وكلاهما كفر فمن قصد العمل المكفر كفر وإن لم يعتقد ومن قصد الكفر كفر وإن لم يعمل
اشترط البعض قصد الكفرللحكم بالتكفير، وأن الشخص مهما أتى من الأقوال والأفعال المكفّرة لايكفرمالم يقصدأن يكفر بهذا، وقد يبدو هذا الشرط صحيحا بادي الرأي لقوله صلى الله عليه وسلم (إنماالأعمال بالنيات وإنما لكل امريءٍ مانوى) الحديث متفق عليه
ولكن التفريق بين نوعين من النية أو القصد ــ مع أدلة أخرى ــ يبيّن أنه شرط باطل.
فالنوع الأول من القصد هو أن يتكلم الإنسان كلاماً مكفراً قاصداً له أي متعمداً غيرمخطيء،فهذا القصد معتبر ولابد من اشتراطه لمؤاخذة صاحبه بكلامه، والنظر في قرائن الحال المصاحبة للكلام له أثر هام في تمييز العامد من المخطيء كما في حديث الرجل الذي أضلّ راحلته ...
والنوع الثاني من القصد هو أن يقصد الإنسان الكفر بكلامه المكفر الذي تعمّده،فهذا القصد غيرمعتبر وليس شرطاً للحكم بالكفر على صاحبه
وقدنبّه على هذا شيخ المفسِّرين الطبري في تفسيره لقوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) الكهف 103 ــ 105.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيرها
(وهذا من أدلّ الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذِكْره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآيةأن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهمذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لايكفر بالله أحدٌ إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهمالذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه مثابين مأجورين عليه،ولكن القول بخلاف ماقالوا، فأخبر جَلَّ ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة وأن أعمالهم حابطة) (جامع البيان) 16/43 ــ 35.
وأضيف إلى ماذكره من آيات:
قوله تعالى (وقالت اليهـود والنصـارى نحـن أبنـاءُالله وأحباؤه) المائدة 18، وقوله تعالى (وقالوا لن يدخلالجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) البقرة 111
فاعتقاد الكافر بأنه محسنٌ وأنه مُهتد ٍ أو أنه من أهلالجنة لايمنع من تكفيرهإذا ثبت كفره بالدليل،
وأضيفإلى ذلك:
أن اعتقاده بأنه مُحسنٌ هو في ذاته عقوبة قدريةلهمن الله ليستمر على ضلاله وغوايته كما قال تعالى
(وقيّضنالهم قُرناء فزينوا لهم مابين أيديهم وماخلفهم، وحق عليهم القول في أمم قد خلت منقبلهم من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين) فصلت 25
وقال تعالى (ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهمعن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) الزخرف 36 ــ 37.
فكيف تُعتبر هذه العقوبة القدرية مانعا من الحكم الشرعى عليهم بالكفر؟.
والخلاصــة:
أن القصـد المعتبر في التكفيرهو قصد العمل المكفر أي تعمّده، لاقصد الكفر به .
وقد بيَّن ابن تيمية هذا الفرق بأوجز عبارة فقال رحمه الله :
(وبالجملة فمن قال أو فعل ماهو كُفْر كَفَرَبذلك،وإن لم يقصد أن يكون كافراً،إذ لايقصد الكفر أحدٌ إلا ماشاء الله) (الصارم المسلول) صـ 177 ــ 178.
قال فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك :
من أظهر شيئاً مما تقدم من أنواع الردة جاداً أو هازلاً أو مداهناً أو معانداً في خصومة - أي غير مكره - كَفَرَ بذلك لقوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. الآية ) النحل : 106 .
و من ذلك : إظهار السجود للصنم مجاملة للمشركين ، وطلباً للمنزلة لديهم ، والنيل من دنياهم ، مع دعوى أنه يقصد بذلك السجود لله أو لا يقصد السجود للصنم ، فإنه بذلك مظهرٌ لكفر من غير إكراه ، فيدخل في عموم قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان .. الآية ) النحل : 106 أ.هـ (جواب في الإيمان و نواقضه ص9 بترقيم الشاملة )
قال فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي
حفظه الله :
وكذلك أيضا يكون الكفر بالفعل كما لو سجد للصنم كفر بهذا السجود، أو داس مصحفا بقدميه، أو لطخه بالنجاسة يكفر بهذا العمل، يكفر بهذا العمل ولو لم يجحد ولو لم يعتقد بقلبه بهذا العمل بهذا السجود للصنم، كذلك يكون كافرا أ.هـ (شرح العقيدة الطحاوية ص 234 بترقيم الشاملة )