كلمة حقّ من متبرجة !!!
قال ربيع بنُ المدني : بينا أنا أقلّب صفحات جريدة المساء اليومية عندنا في المغرب السبت الماضي .. فإذا بي أعثر على مقالة قوية لإحدى الكاتبات في هذه الجريدة ، مع العلم أن هذه الكاتبة متبرّجة تبرجا سافرا ولا داعي لذكر اسمها ..فأعجبني موضوعها فأحببت أن أطلعكم عليه إخواني الأفاضل وأخواتي الفضليات زوار هذا الفضاء المبارك ، وغير ملتفت إلى تبرجها وحالها لأنني تعلّمت أن الحق قد ينطق به إبليسُ اللّعينُ . وقد تصرّفت بعض الشيء في هذا المقال فليُعلم .
قالت :
سنين طويلة ونحن لا نشاهد على قناة ...المغربية من البرامج الدينية سوى «ركن المفتي» يوم الجمعة مساء قبل الفيلم الكلاسيكي الطويل !!!، هكذا ارتبطت صورة رجل الدّين في رأسي الصغير بذاك الفقيه الجليل بجلبابه وطاقيته ولكنته المميزة [ ووجهه الحليق ]، وارتسمت في ذهني أسئلة مجترة وأجوبة جافة وأحيانا مضحكة ومواضيع لا تتعدى نواقض الوضوء والطلاق ...
بعد كل هاته السنين، أنعم الله على العباد بقنوات دينية تبثّ برامجها على مدار الساعة، وفُوجئت بحق حينما اكتشفت أن ديننا الإسلامي أعمق وأعظم وأقوى مما كان يردده فقيهُ ركن المفتي، وأبعد كل البعد مما حملته مقرراتنا الدراسية البئيسة..
برامج بمواضيع هامة وخطابة تخترق الآذان والأفئدة، ومحاضرات تهم الناس وتخص عباداتهم اليومية وعلاقتهم بالله والعباد، ومناهج علمية متطورة لفهم الدين والشريعة، ونقاشات عميقة تهم المسلمين وتصلح حالهم وتعينهم على فهم الدين وتوظيفه في حياتهم الخاصة والعملية .
قنوات تسعى إلى تصحيح صورة الإسلام في الداخل والخارج، يوجهها متخصصون فهموا وأدركوا قوة الخطاب الإعلامي وقوة الصورة في إيصال الخبر، فَسَخَّرُوا كل إمكانياتهم الفكرية والعلمية والمالية لخلق قنوات دينية متخصصة لتنوير العباد وإصلاح نظرتهم إلى الدين بفكر متنور وجهد كبير وأسلوب مميز، لذلك تشعر، بعد كل برنامج حواري أو محاضرة، بأنك تتعلم شيئا جديدا في أمور الدين والدنيا، وتجد متعةً في متابعة هذه الأعمال لأنها تدفعك إلى التفكير والتأمل. وطبعا، لا أتحدث عن قنوات الشّعوذة، ولا تلك المحسوبة على الدين، ولا تلك التي تروج الحقد والضغينة بين المسلمين وسب الصّحابة [ تقصدُ قنوات الرّوافض الأنجاس ]، أخص تلك التي تسعى إلى تقريب الدّين من قلوب العباد بفكر ووسطية، تلك التي تحاول إصلاح ما أفسده الكثير من الدعاة «التقليديين» والذين جعلوا الناس، وخصوصا الشباب، يعتقدون أن الدين هو جلباب أبيض يوم الجمعة وأنه لا يخص أمور الحياة. لقد أدرك بعض الفقهاء والدعاة المتنورين أنّنا في زمن آخر له ميزاته ووسائله وجيل جديد تتحكم فيه العولمة والأنترنيت والقنوات الفضائية، لذلك نجحوا في تبليغ رسالتهم من خلال وضعها في قالب عصري مُشَوِّق بمضمون قوي معاصر، جعل بدني يرتج وأنا أستمع إلى سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء، وشعرت لأول مرة بأن هاته القصص ليست روايات تاريخية بل أحداثا هامة ومواعظ لو أسقطناها على حالنا لصلح، ولو علمناها لأبنائنا لما كان حالهم كما هو عليه الآن.
هناك دعاة اجتهدوا في أساليبهم الخطابية حتى أصبحوا نجوما يتهافت عليهم الناس في الجلسات والمحاضرات. ورغم تحفظي بخصوص هاته النجومية، فإنني أجدهم مُقْنِعِينَ ومتمكّنين من أدواتهم كرجال دين وكإعلاميين ذاع صيتُهم وانتشر أثر كلماتهم بدواخل الناس.
وكم أتمنى أن تكون لدينا قناة دينية تنافسهم، ورجالُ دين ينورون الناس عوض أن يبتلوهم بفتاوى مثيرة للسّخرية، فغالبية المغاربة يتوجهون بأسئلتهم عبر البرامج المباشرة إلى فقهاء الخليج ومصر ويجدون صعوبة كبرى في التواصل معهم بسبب اللهجات المختلفة..
لماذا لا يجد هؤلاء ضالتهم في الداخل، ولماذا لا توجد برامج مباشرة على القناة السادسة، ثم لماذا يتوجه المغاربة إلى مشاهدة قنوات دينية فضائية ويتجاهلون قناتنا السادسة..؟ الأسلوب المتجاوز الذي تقدم به القناة السادسة برامجها، والنبرة الحالمة المتصنعة التي تشبه الاستعطاف التي تتحدث بها مذيعات وصحفيات إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم يكرسان لفكر تقليدي متجاوز يضع الدّين في زاوية وحياة الناس في أخرى، يجعلك تعتقد أن رجل الدين هو ذاك الذي يقول كلاما صعبا ويردد تفاسير لا تخصّك لأنك لا تفهمها، معانيها مجهولة ولغتها صعبة، كلها ألغاز.
الفرق بيننا وبينهم أنهم فهموا قوة الإعلام، فاختاروا الدكاترة والعلماء والصحفيين المتخصصين ورجال الدّين الذين يملكون اللسان الفصيح والأسلوب الخطابي القوي والحضور المميز كي يكونوا مقنعين، فاجتهدوا وتطرقوا لمواضيع اجتماعية وسياسية واقتصادية وربطوها بالدين، أما قناتنا وإذاعتنا الوطنيتان فقد كرستا أسلوب «ركن المفتي» قلبا وقالبا، غالبا ما لا تجد في مواضيعهما أي جديد، أما الأسلوب فيلزمه تغير جذري بداية بأولئك المذيعات اللواتي يرددن كلمات أكل عليها الدهر وشرب [وهنّ فوق ذلك متبرجات ].
لدينا علماء أجلاّء، ولدينا فقهاء كبار وصحفيون ومختصون، لدينا كل ما يلزم لتأسيس إعلام ديني قوي، فنحن فاس العتيقة وسوس العالمة ومراكش الجوهرة، لماذا نتعثر عند كل امتحان..؟
إحدى هاته القنوات الدينية العربية زارت المغرب وأجرت مسابقة في حفظ القرآن الكريم وأنجزت ربورطاجات بعدة مدن عن حفظة القرآن وعن شباب مذهلين مصابين بإعاقات يحفظون القرآن ويجيبون عن كل الأسئلة التي تطرحها اللجنة، حينما شاهدت كيف قدمت هاته البرامج وكيف تحدثوا هم عن الإسلام في المغرب بكيت، دموعا لما تضمنته البرامج، وأخرى لعجزنا واستخفافنا بالمشاهد وارتجالنا لكل شيء حتى برامج الدين....
جريدة المساء اليومية عدد 1294