عبر وحكم من
رحلة الإسراء والمعراج
الحمد لله؛ إن رحلة الإسراء والمعراج رحلة عجيبة غريبة، أخبرنا نبينا عما رآه فيها من الآيات والوقائع، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم: 18) عندما شاء الله وأراد مقابلة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ بعث وفدًا رفيع الشأن، عاليَ القدر، وهو رئيس الملائكة؛ جبريل عليه السلام، ولتهيئته تهيئةً تليقُ بالمقام الإلهي، وكما يقوم الناس عند ملاقاة الملوك؛ بالاغتسال والتنظُّف؛ ليكون المظهر على أحسن الأحوال؛ كانت تهيئةُ الرَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لملاقاة ملك الملوك سبحانه، قال عليه الصلاة والسلام: « فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي"، صحيح البخاري (349)، فأُكرِم بمركوب يليق بالمقام، فخرج من مكة راكبا البراق، هو وجبريل عليه السلام، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «.. أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ؛ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، مسلم (162)، «.. فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ أَنَا وَجِبْرِيلُ»؛ رمز له السيوطي (حم, ع, حب, ك, الضياء) عن حذيفة. الصحيحة (874). «.. حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ،.. فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ». مسلم (162)، «فَفُتِحَتْ لَنَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ». الصحيحة (874). وأتي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ"، قال: "فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ، أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ" (خ (3887)، ومرَّ ".. عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ". مسلم (2375)
وأتي بالمعراج، فصعد مع جبريل عليه السلام إلى السماوات العلا، قال: "فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: (افْتَحْ)، قَالَ: (مَنْ هَذَا؟) قَالَ: (هَذَا جِبْرِيلُ)، قَالَ: (هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟) قَالَ: (نَعَمْ! مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: (أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟) قَالَ: (نَعَمْ!) فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: (مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالابْنِ الصَّالِحِ)، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: (مَنْ هَذَا؟) قَالَ: (هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ)، =أي أرواحهم= فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى" البخاري (349)، ومسلم (163).
آدَمُ أَبُو النَّاسِ، الذي خَلَقَه اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَه جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَه مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَه أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، انظر صحيح البخاري (7440) مسلم (2652). يراقب أحوال بنيه الطائعين فتسرُّه طاعتهم، ويرى أحوال بنيه العصاة فيسوؤه فعلهم، تذكيرا لهذه الأمة حتى تتمسك بدينها، وتطيع نبيها، وتقلع عن المعاصي والذنوب، حتى تفوز بالرضى والجنان، وتنجوَ من الغضب والنيران.
وعند الوصول إلى السماء الثانية قال: "فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ"، مسلم (162)، رأى "عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ.." خ (3239) ومسلم (165). ".. كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ» -يَعْنِي حَمَّامًا-. مسلم (168). "عيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ". البخاري (3435). ويحيى بن زكريا الذي قُتِل في فتوى لم يحللْ فيها الحرام، وعيسى بن مريم الذي حاولوا صلبه بدسٍّ ومكر من اليهود، فنجاه الله منهم ورفعه الله إليه فهو في السماء الثانية، وسينزل آخر الزمان، أقسم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ». البخاري (2222). فنحن ننتظره، وإنه نازل لا محالة.
وفي السماء الثالثة قال: "فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ"، مسلم (162). يوسف الذي لاقى ما لاقي من كيد إخوته بني إسرائيل عليه السلام وحسدهم، فحاولوا قتله، ثم عدلوا عن ذلك فألقوه في البئر، لنتخذ العبرة بتجنب الحسد المذموم، الذي يفرق ولا يجمع.
وفي السماء الرابعة قال: "فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ؛ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}" (مريم: 57)، مسلم (162). فيجب على المسلم أن ينظر ويبحث عن معالى الأمور، ويتعالى عن سفسافها.
واستفتح جبريل السماء الخامسة قال صلى الله عليه وسلم: "فَفُتِحَ لَنَا؛ فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ"، مسلم (162).
هارون ذاك الرجل الهادئ الذي لا يريد إثارة الفتن، ولا التفريق بين الأمة، ويؤثر الرفق واللين في الدعوة، ويتجنب العنف والشدة؛ أثناء عبادة بني إسرائيل العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه، فلما عاد عاتب أخاه بشدة غضبا لله تعالى؛ {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (طه: 92 – 94). لنتخذ العبرة في الصبر على ما ابتلانا الله به من اليهود بني صهيون.
هارون الذي ذُكرت لحيته في القرآن الكريم، لنقتدي بالأنبياء عليهم السلام في إطلاق اللحى، وحتى لا نتشبه بالنساء.
وموسى عليه السلام في السادسة رآه "رَجُلاً آدَمَ طُوَالاً جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ" خ (3239) ومسلم (165). الذي خَبُرَ أمته المعانِدة، قَتَلَةَ الأنبياء والعلماء، فنفع الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، في تخفيف الصلوات من خمسين صلاة في اليوم والليلة إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، "ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ". مسلم (162). فوجدهم معاندين عصاة يحرفون الكلم عن مواضعه، فلنحذر أن نكون مثلهم؛ نقتل أنفسنا، ونحرف كلام ربنا. ولنتمسك بصلاتنا ولنحافظ عليها في أوقاتها بأركانها وشروطها وواجباتها وسننها ومستحباتها.
وفي السماء السابعة قال: «وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ» صحيح مسلم (168)، رأى إبراهيم عليه السلام: "مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ،" مسلم (162). وما ذاك إلا ليربطَ المسجد الأقصى بالمسجد الحرام، ويربطَ المسلمَ بقبلته الأولى وقبلته الآخرة، ويربطَ صلاتَه بحجِّه وعمرته، وكما كان كليمُ الله موسى بنُ عمران سببًا في تحفيف الصلوات من خمسين إلى خمس في اليوم والليلة؛ أوصى خليلُ الرحمن إبراهيم عليه السلام محمدا صلى الله عليه وسلم قائلا: "... يَا مُحَمَّدُ! أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ، وَأَخْبِرْهُمْ؛ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ". سنن الترمذي ت شاكر (3462)، الصحيحة (105). سبحان الله!! الأنبياء عليهم السلام يوصون بهذه الأمة كل خير.
فلما علا وارتفع، وترقى في سيره قال: "ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ"، قَالَ: "فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ؛ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا" مسلم (162).
إنه «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، =أي أصلها وجذرها في السادسة=، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا»، قَالَ: " {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}"(النجم: 16)، قَالَ: «فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ»، قَالَ: "فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ". مسلم (173).
وفي رواية: "..حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ؟ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ" البخاري (349).
وفي رواية: "..ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بِي السِّدْرَةَ المُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، =أي قباب من اللؤلؤ= وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ". صحيح البخاري (3342)
ولَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: "أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ" البخاري (4964). الذي منحه الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاكيا سيره في مراقي الفلاح: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ» البخاري (349) الأقلام التي بأيدي الملائكة التي تكتب مقادير الخلق بإذن الحق، فماذا كتبوا عنا؟ وماذا كتبوا لنا؟
ورأى النار نسأل الله السلامة، يحطم بعضها بعضا ورأى "مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ،.." البخاري (3239)، ومسلم (165).
ومرَّ "... بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ"، فَقال: "مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟! قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ". سنن أبي داود (4878)، انظر الصحيحة (533). فإياكم والغيبة والتجسس وأكل لحوم الناس.
أما خطباء الفتن، ومثيرو الشغب بخطاباتهم الرنانة، وشعاراتهم البراقة؛ فما له؟ نعم! رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".. رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهمْ =وفي رواية: ألسنتهم= بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ"، قال: "مَنْ هَؤُلاءِ يَا جَبْرَائِيلُ؟ قَالَ: خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ؛ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ". أخرجه أحمد (3/120 و180 و231 و239)، الصحيحة (291)
والملائكة عليهم السلام ماذا توصي بنا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، بِمَلإٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ؛ إِلا كُلُّهُمْ يَقُولُ لِي: عَلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ بِالْحِجَامَةِ" ابن ماجه (3477)
وفي رواية: "خَيْرُ يَوْمٍ تَحْتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ". وَقَالَ: "وَمَا مَرَرْتُ بِمَلإٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، إِلاَّ قَالُوا: عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ يَا مُحَمَّدُ". مسند أحمد ط الرسالة (5/ 340) (3316)، الصحيحة (1847).
والملائكة من أشدِّ الخلق خشيةً وخوفا ومهابة وإجلالا لربهم جلَّ جلاله، وتعالت عظمته، وتقدست أسماؤه، وعلت صفاته، فقد مرَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «... بِالْمَلإ الأَعْلَى، وَجِبْرِيلُ كَالْحِلْسِ الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». المعجم الأوسط (5/ 64) (4679) عن جابر، الصحيحة (2289)، السنة (821). وكلما كان العبد بالله أعلم؛ كان لله أخشى وأتقى، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (فاطر: 28) وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ؛ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر: 21 – 24)
والله سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهدي الأنبياء قبله، {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } (الأنعام: 90) وأمره بالصبر مقتديا بالرسل الخمسة أولي العزم فقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } (الأحقاف: 35)
وأولوا العزم هم المذكورون في هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7)
كتب وخطب أبو المنذر فؤاد بن يوسف
الزعفران غزة فلسطين
29 رجب 1432 هلالية
1/ 7/ 2011 شمسية
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@hotmail.com
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com