المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
- أمَّا بعد –
فعباد الله قال تعالى في كتابه العزيز (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ) سورة النساء
وقال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) سورة محمد
فتعالوا لنتدبر القرآن بل لنتدبر سورة من كتاب ربنا الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فهذه السورة التي نعيش في رحابها ونتدبر آياتها هي { سورة الفلق }

هذه السورة : مكية

وعدد آياتها : خمس 5

ترتيبها بالمصحف : الثالثة عشرة بعد المائة
سبب نزولها : أخرج البيهقي في دلائل النبوة من طريق ابن عباس ، قال : مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا شديدا فأتاه ملكان فقعدا أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما ترى ؟ قال : طب (1) ، قال : وما طبه ؟ قال : سحر ، قال : وما سحره ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي ، قال : أين هو ؟ قال : في بئر آل فلان تحت صخرة في ركية فأتوا الركي (2) فانزحوا ماءها وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكربة فاحرقوها . فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر في نفر فأتوا الركي فإذا ماؤها مثل ماء الحناء فنزحوا الماء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الكربة فأحرقوها فإذا فيها وتر (3) فيه إحدى عشرة عقدة فأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة : ( قل أعوذ برب الفلق (4) ) ، ( وقل أعوذ برب الناس ) .
______________
(1) طُب : سُحِرَ
(2) الرَّكي : اسم جنس للرَّكِيَّة وهي البئر
(3) الوتر : الخيط أو الحبل
(4) سورة : الفلق آية رقم : 1
____________




فضل هذه السورة :
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما ( قل هو الله أحد )
و ( قل أعوذ برب الفلق )
و ( قل أعوذ برب الناس )
ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات "( متفق عليه )
وعن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ( قل أعوذ برب الفلق )
و ( قل أعوذ برب الناس ) (رواه مسلم)
وعن عقبة بن عامر قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عقبة قل فقلت ماذا أقول يا رسول الله فسكت عني ثم قال يا عقبة قل قلت ماذا أقول يا رسول الله فسكت عني فقلت اللهم اردده علي فقال يا عقبة قل قلت ماذا أقول يا رسول الله فقال قل أعوذ برب الفلق فقرأتها حتى أتيت على آخرها ثم قال قل قلت ماذا أقول يا رسول الله قال قل أعوذ برب الناس فقرأتها حتى أتيت على آخرها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ما سأل سائل بمثلهما ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما . ( سنن النسائي ) تحقيق الألباني :
حسن صحيح ، صحيح أبي داود

عن عقبة بن عامر قال بينا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال ألا تركب يا عقبة فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا تركب يا عقبة فأشفقت أن يكون معصية فنزل وركبت هنيهة ونزلت وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس فأقرأني قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس فأقيمت الصلاة فتقدم فقرأ بهما ثم مر بي فقال كيف رأيت يا عقبة بن عامر اقرأ بهما كلما نمت وقمت .
( سنن النسائي ) تحقيق الألباني : حسن الإسناد
وهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة في فضل هذه السورة ولكن نكتفي بهذا القدر

وأليكم بعض الأحاديث الضعيفة والواردة في هذه السورة والتي ضعف هذه الأحاديث العلامة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى لكي ينتبه الناس

( من قرأ بعد صلاة الجمعة (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) سبع مرات ؛ أجاره الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى ) .قال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة قلت : وهذا إسناد ضعيف
أتحب يا جبير ! إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة و أكثرهم زادا ؟ اقرأ هذه السور الخمس : { قل يا أيها الكافرون } و { إذا جاء نصر الله و الفتح } و { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } و افتح كل سورة بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } و اختم بـ { بسم الله الرحمن الرحيم }
قال الشيخ الألباني : ( ضعيف )

من قرأ إذا سلم الإمام يوم الجمعة قبل أن يثني رجليه : فاتحة الكتاب و { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } سبعا سبعا غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر
قال الشيخ الألباني : ( موضوع )

والكثير من هذه الأحاديث الضعيفة فحرص يا عبد الله على التحقق من الحديث قبل نقله أو قبل قراءته
ملاحظة مهمة جداً ::: لم أضع الأحاديث الضعيفة لكي يؤخذ بها .. وإنما وضعتها لكي يعلم الناس أنها ضعيفة !!!





نص السورة :
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}

تفسيرها :
قال البخاري في صحيحه (كتاب التفسير)
سورة {قل أعوذ برب الفلق}
وقال مجاهد {الفلق} الصبح و {غاسق} الليل {إذا وقب} غروب الشمس يقال أبين من فرق وفلق الصبح وقب إذا دخل في كل شيء وأظلم

قال السمعاني
قوله تعالى قل أعوذ برب الفلق فيه أقوال أحدها - وهو الأظهر - أن الفلق هو الصبح قال الله تعالى فالق الإصباح والقول الثاني أنه جميع الخلق والقول الثالث أنه بيت في النار إذا فتح بابه صاح أهل جهنم من شدة حره قاله كعب الحبر والقول الرابع جب في جهنم قاله مجاهد

وقال النيسابوري في (الكشف والبيان)
قل أعوذ بربِّ الفلق قال ابن عباس : هو سجن في جهنم
وقال أبو عبد الرحمن ألحبلي : الفلق هي جهنم ، وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد ابن جبير ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد : الفلق : الصبح ، وإليه ذهب ابن عباس ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى : ( فالق الإصباح ) .
الضحّاك والوالبي عن ابن عباس : معنى الفلق : الخلق . وهب : هو باب في جهنم الكلبي : هو واد في جهنم ، وقال عبد الله بن عمرو : شجرة في النار ، وقيل : الفلق الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق ، وقيل : هو الرحم تنفلق عن الحيوان ، وقيل : الحبَّ والنوى تنفلق عن التراب ، دليله قوله سبحانه وتعالى : ( فالق الحبِّ والنوى ) والأصل فيه الشق .

وقال عز الدين بن عبد السلام في (تفسير ابن عبد السلام)
{ الْفَلَقِ } اسم لجهنم أو لسجن فيها « ع » أو الخلق كلهم أو فلق الصبح أو الجبال والصخور تنفلق بالمياه أو كل ما انفلق عن كل ما خلق من صبح وحيوان وصخور [ وجبال ] وحب ونوى وكل شيء من نبات وغيره وأصل الفلق الشق الواسع قيل للصبح فلق لانفلاق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين .


وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن)
قوله تعالى : {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} قيل : هو إبليس وذريته. وقيل جهنم. وقيل : هوعام ؛ أي من شر كل ذي شر خلقه الله عز وجل.

وقال الطبري في (جامع البيان في تأويل القرآن)
وقال جلّ ثناؤه مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ) لأنه أمر نبيه أن يستعيذ(من شرّ كل شيء)، إذ كان كلّ ما سواه، فهو ما خَلَق.

وقال السعدي
{ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عم، فقال: { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.

قال الشوكاني في (فتح القدير)
{ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق الليل . والغسق الظلمة . يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم . قال الفراء : يقال غسق الليل ، وأغسق إذا أظلم ، ومنه قول قيس بن الرقيات :
إن هذا الليل قد غسقا ... واشتكيت الهمّ والأرقا
وقال الزجاج : قيل لليل غاسق؛ لأنه أبرد من النهار ، والغاسق البارد ، والغسق البرد ، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها ، والهوامّ من أماكنها ، وينبعث أهل الشرّ على العبث والفساد ، كذا قال ، وهو : قول بارد ، فإن أهل اللغة على خلافه ، وكذا جمهور المفسرين ووقوبه : دخول ظلامه ، ومنه قول الشاعر :
وقب العذاب عليهم فكأنهم ... لحقتهم نار السموم فأخمدوا
أي : دخل العذاب عليهم . ويقال وقبت الشمس : إذا غابت . وقيل : الغاسق الثريا . وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك ، وبه قال ابن زيد . وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق . وقال الزهري : هو الشمس إذا غربت ، وكأنه لاحظ معنى الوقوب ، ولم يلاحظ معنى الغسوق . وقيل : هو القمر إذا خسف . وقيل : إذا غاب . وبهذا قال قتادة ، وغيره . واستدلوا بحديث أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن عائشة قالت : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال : « يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب » قال الترمذي : بعد إخراجه حسن صحيح ، وهذا لا ينافي قول الجمهور؛ لأن القمر آية الليل ، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه ، وهكذا يقال في جواب من قال : إنه الثريا . قال ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر . وقيل الغاسق : الحية إذا لدغت . وقيل الغاسق : كل هاجم يضرّ كائناً ما كان ، من قولهم غسقت القرحة : إذا جرى صديدها . وقيل : الغاسق هو السائل ، وقد عرّفناك أن الراجح في تفسير هذه الآية هو ما قاله أهل القول الأوّل ، ووجه تخصيصه أن الشرّ فيه أكثر ، والتحرز من الشرور فيه أصعب ، ومنه قولهم : الليل أخفى للويل .

وقد ذكر الشيخ محمد علي الصابوني في (صفوة التفسير)
[ ومن شر النفاثات في العقد ] أي ومن شر السواحر اللواتي يعقدن عقدا في خيوط ، وينفثن - أي ينفخن - فيها ليضروا عباد الله بسحرهن ، ويفرقوا بين الرجل وزوجه [ وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ] قال في البحر : وسبب نزول المعوذتين قصة " لبيد بن الأعصم " الذي سحر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)

وقال علاء الدين علي بن محمد البغدادي الشهير بالخازن في (لباب التأويل في معاني التنزيل)
ومن شر النفاثات في العقد ( يعني السواحر اللاتي يتفثن يفي عقد الخيط حين يرقين علها وقيل المراد بالنفاثات بنات لبيد بن الأعصم اللاتي سحرن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والتفت النفخ مع ريق قليل وقيل إنه النفخ فقط.
واختلفوا في جواز النفث في الرقى والتعاويذ الشرعية المستحبة فجوزه الجمهور عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم ويدل عليه حديث عائشة ' كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا مرض أحد من أ له نفث عليه بالمعوذات ' الحديث وأنكر جماعة التفل والنفث في الرقى وأجازوا النفخ بلا ريق قال عكرمة لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد وقيل النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان سحرا مضرا بالأرواح والأبدان وإذا كان النفث لأصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لايكون مذموما ولا يكون مكروها بل هو مندوب إليه"""
وأما الحديث الذي يقصده البغدادي الخازن هو حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم في صحيحه "كان إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات".

وقد ذكر ابن عادل الدمشقى الحنبلى في (تفسير اللباب لابن عادل)
قوله : {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} , الحسدُ : هو تمني زوال نعمة المحسود , وإن لم يصر للحاسد مثلها , والمنافسة : هي تمنّي مثلها وإن لم تزل من المحسود , وهي الغبطة , فالحسد : شر مذموم , والمنافسة مباحة.

وقال ابن عبد السلام في (تفسير ابن عبد السلام)
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ } من شر نفسه وعينه أن يصيب بها أو لأن حسده يحلمه على الأذى و [ الحسد ] : تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد والمنافسة تمني مثلها فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد .



أعداد
أخوكم خادم السنة أبو عبد الله الأثري