السلام عليكم و رحمة الله بركته

قال فَضَيلةِ الشَّيْخِ فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَك


تنبيه
: لم أبيّن التفسير في بعض المواضع ؛ لأنه يظهر للعالم من سياق الآيات وكلام العرب الموجودين ، خصوصًا من نشأ في بلادهم ، وتجول فيها ، فإنه يكاد يفسر القرآن ولو لم يسمع الآثار﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ . وقد كنت في صغري أهاب سؤال العلماء في بعض ما يشكل عليّ من القرآن ، فأسمع الكلمة من بعض الأعراب ، فتزيل عني ما أشكل ، فكنت أسمع قول الله تعالى : ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ فجاءني أعرابي وأنا مع الغلمان ، فقال لي : أين عمك ؟ قلت له : ما هو في البيت . فقال لي : إذا جاء فقل له يقول حمود القحطاني : إذا ما جاء بين العشاوين جيت . فعرفت معنى الآية .
وسمعت أعرابيًا يقول : ( طلعت عليّا الخيل تتبع الربْع تترا ) . فعرفت معنى قول الله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾ ، أي : يتبع بعضهم بعضًا .
وقد نشأت - ولله الحمد - في أصل العرب ، وسرت في بلادهم بنجد ، والحجاز ، وتهامة ، واليمن ، والبحرين ، وسمعت كلام البادية والحاضرة ، وكان بعضهم - وهو أبي - إذا سمع القرآن عرف معناه بمجرد التلاوة .
وسمع أعرابي رجلاً يقرأ : ﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ فقال الأعرابي : الخيل الخيل .
وسمعت أعرابية رجلاً يقرأ هذه الآية : ﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾ فقالت : ويش الصلاة الوسطى ؟ قال : صلاة العصر . فقالت : على شان وقتها ضيّق .
وتجادل رجلان فيما يفعله الجهال عند القبور من دعاء الموتى ، وطلب الحاجات منهم ، فقال أحدهما : هذا شرك ؛ لأن الله تعالى يقول : ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ، فقال الآخر : ما يجوز لمثلي ومثلك أن يفسر القرآن . فسكت الرجل ، وكان حليمًا وهو في بيت الآخر ، فخرجت عليهم جارية جميلة فقال : يا فلان من هذه ؟ قال : بنتي . فقال : لو تزوجتها . فضحك به وقال : أتزوج بنتي ! فقال الرجل : هل في ذلك بأس . فقال : ما تسمع قول الله تعالى : ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ﴾ فقال : إنك تقول ما يجوز لمثلي ومثلك أن يفسر القرآن .

والمقصود :
أن من كان لسانه عربيًا ، وفطرته مستقيمة ، يعرف معنى القرآن بمجرد سماعه وكثيرًا ما يسألني الأعراب ، وغيرهم عن مسائل غامضة في الأيتام ، فأتلوا عليهم قول الله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ ، فيعرفون الجواب بمجرد التلاوة ، ويقنعون ، فإذا انضم إلى العربية والفطرة السليمة معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك نورًا على نور ، والله الهادي والموافق للصواب .

مقدمة توفيق الرحمن فى دروس القرآن


فَضَيلةِ الشَّيْخِ العَلاَّمةِ


فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَك