الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... وبعد
فإنّ أساليب الدعوة عند بعض رموز الشيعة الإمامية تتشكل بحسب الحال والزمان يوم أن يعلموا أنّه لا طاقة لهم بالمواجهة الصريحة لأهل السنة، فيلجأون إلى طرق المكر والخديعة من منطلق الأصل الذي بنوا عليه دينهم ألا وهو: التقيّة، التي يتظاهر فيها الشيعي بعكس الحقيقة، فيستبيح خداع غيره، وينكر ظاهراً ما يعتقده باطناً.
فتأتي ممارسة التقيّة من أجل التعايش في بيئة يظن دعاتها أنّ حريّاتهم قد صودرت ولذلك فالنجاة تكون – بحسب هؤلاء - بالصمت والسكوت والتظاهر بما يوافق هوى السلطة وأفكارها، بمعنى: المصانعة مع المخالفين حتى يضمن سرية مُخططاته وكتمان بواطنه.
وفي هذا البحث المتواضع فقد أجريت دراستي على أبرز الناشطين المعاصرين من الشيعة الإمامية: حسن بن موسى الصفّار، تحت عنوان: دعوة الصفار بين التقيّة والتعايش السلمي... ويمكن اختصار الدراسة في بيان: معالم دعوة الصفار (الوجه والوجه الآخر).
الوجه الأول من دعوة الصفار:
وجد الصفار عبر التاريخ القديم والمعاصر أنّ محاولة التقريب بين الأديان والمذاهب محاولة باءت بالفشل الذريع؛ وما ذلك إلا لجملة من الأسباب، من أهمها: تشبث كل دين أو كل مذهب بأصوله وجذوره، والتي لا يمكن أن يتخلى عنها حيناً من الدهر إلا في حالة الكفر بالقديم واعتناق الجديد، حيث أنّ كل فرقة تدعي القطعيّة بالحق المطلق فيما تعتقد، من هذا المنطلق رأى الصفّار أنّ الطريق السليم لمعالجة مثل هذا الموضوع أنّ يكرس المرء جهده في بعث دعوة التعايش والتسامح والقبول بالآخر على ما هو عليه من اعتقاد، وإيمان، وأصول دون أن يفرض أحدهما على الآخر ما يرتئيه، أو يجبره قسراً عليه، وعلى أن يكون هذا التعايش وفق الأسس العامة التي صاغها الغرب من قبل، والتي يراعى من خلالها الحفاظ على النظام، والوحدة الوطنية وما تكتنف في مضامينها من مذاهب شتى، ومشارب متنوعة، وانتماءت متعددة.
وبهذا المسلك يأتي الخلاص من جحيم الطائفية المشئوم، والعنصرية المقيتة، مع التأكيد على أن تكون العلاقة مبنية على أسس التعايش السلمي، والعدالة، والحقوق المتساوية، والفرص المتكافئة، والمجتمع المتوادّ المتحابّ، معلّلاً دعوته بعمق الانتماء لهذا الوطن من الطرفين: سلفية أو شيعة، فإن الاندماج الوطني قضية ملحة يجب تحقيقها لهذا الوطن وأما تغيير القناعات والمعتقدات فقد ثبت فشلها مع ما كان في صف السلفيين من سلطة وسيطرة.
وهذا الذي يوحي به جمع من مؤلفاته على رأسها:
التعددية والحرية في الإسلام.
التنوع والتعايش.
التسامح وثقافة الاختلاف.
رؤية حول السجال المذهبي.
السلم الاجتماعي.. مقوماته وحمايته.
الحوار والانفتاح على الآخر.
نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة.
وفي المعنى السابق يقول الصفّار:
(مهما كانت إشكاليات السلفيين على الشيعة، وإشكاليات الشيعة على السلفيين، فإنّ الجميع يعيشون في وطن واحد، لا يستطيع أحد الطرفين إبادة الآخر ولا أظن أنه يفكر في ذلك وهم جميعاً أهل لهذه الأرض وأبناء لترابها، ولا يحق لأحدهما المزايدة على الآخر في الأصالة وعمق الانتماء.أما المراهنة على تغيير المعتقدات والقناعات بالترغيب والترهيب فقد ثبت فشلها، حيث كان التيار السلفي في أوج القوة والنفوذ، وتوفرت له الإمكانات المادية الضخمة، خاصة أثناء الطفرة الاقتصادية، وواتته الظروف الدولية والإقليمية أيام الحرب الباردة والمواجهة بين الشرق والغرب أثناء الجهاد الأفغاني، بينما كان الشيعة في موقع المحاصرة والاستهداف. فهل استطاع السلفيون، مع كل نفوذهم وتأثيرهم على مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، ومختلف الأجهزة والمؤسسات، أن يحدثوا تحولاً أو تغييراً في معتقدات وتوجهات الوسط الشيعي؟بل على العكس من ذلك، زادت حالة التحدي ونمت بعض التوجهات المتشددة عند الشيعة، كرد فعل على الوضع السائد. إن بقاء حال التشنج والقطيعة ما عادت تتحمله ظروف البلاد، وقد صرح بذلك كبار المسؤولين في القيادة السياسية، وفي طليعتهم سمو ولي العهد، الذي بادر بالدعوة إلى حوار وطني بين مختلف المذاهب والأطياف.. وجاءت توصيات اللقاء الأول والثاني، لتؤكد هذه الحقيقة، وتدعو الجميع إلى الانصهار في بوتقة الوطن، مع الإقرار بالتنوع المذهبي والفكري.فالتعاي هو الخيار المنطقي والصحيح، ولا بديل له إلا التفريط بمصلحة الوطن وتمزيق وحدة الأمة، ومساعدة الأعداء على نيل أطماعهم ومآربهم.فالتعاي لا يتحقق إلا بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص، دون تمييز أو تصنيف،وبالاحترا م المتبادل، والتوقف عن التعبئة والتحريض من كل جهة تجاه الأخرى)([نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة، حسن موسى الصفار، دار الواحة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1425ه 2002م ص 49-53.]).
ولا يقف الصفّار عند المفترض الذي يكون، بل يمنهج دعوته لتحقيق أهدافه بطرق شتى، منها: الدعوة إلى نقد التراث، ونبذ الجمود، وتفعيل ثقافة الحوار.
وفي هذا يقول: (إن تراثنا الإسلامي بكل مذاهبه، يحتاج إلى غربلة عما تراكم عليه من عصور التخلف، كل المذاهب تعاني من هذه المشكلة، ولكن الجرأة على نقد التراث، وعلى نقد السائد والمألوف لا يتحلى بها أي أحد، وإنما تحتاج إلى أشخاص لديهم الإخلاص الكافي، ولديهم الشجاعة الكافية لكي يعلنوا الحقائق، ولا يتأثروا برأي الشارع أو الرأي السائد المشهور المخالف للحق والصواب) ([3])
ومن جهة أخرى يرى الصفار أنّ في بعض المناهج التعليمية السعودية نوعاً من التحريض والشحن والتعبئة ضد الآخر، والحل بحسبه وفي رأيه أن يركز التعليم على المشتركات العامة، إذ هي الأسلوب الأجدى لتجاوز الملفات المتعثرة ردْحاً من الزمن بين الفريقين.
وعلى ضوء ذلك التحريض والشحن يلقي باللوم والمسئولية على الآخرين من غير الشيعة فيما يجدونه من الحدة والشدة في بعض المواقف مبرراً تقريره بردة الفعل الطبيعية، وأنّ جذور الانفصال تكمن في عدم حريّة الرأي الآخر، وقمع معتنقيه على حد زعمه.
ويرفض الصفار تهمة عدم الولاء للوطن من قبل الشيعة، مستدلاً على ذلك بالعراك الحاصل بين السلفيين والحداثيين، وأن هذا الحراك والتناحر كان على أرض خارجة عن المجتمع الشيعي، فلِمَ يرمى الشيعة بعدم الولاء دون غيرهم؟.
وفي البرهنة على شدة ولائه لوطنه أثر حواره مع صحيفة الحياة، إذ قيل له فيه: من كنت تمثل في الحوار الوطني؟ يرى البعض أنك كنت تمثل الخط المعتدل للطائفة الشيعية في السعودية؟. فقال: (أنا أمثل الرغبة الموجودة على مستوى الوطن، لنشر ثقافة وفكر الاعتدال والوحدة والتقارب... في رأيي ينبغي تجاوز التصنيفات المذهبية، أنا لا أعتبر أنني كنت أمثل طائفة معينة أو مذهباً. وحتى المؤتمر لم يكن المقصود منه تمثيل مذهبي، وإنما هو مؤتمر لطاقات من أبناء الوطن آلمها هذا الجفاء والتباعد، والتقت لوضع منهج لتجاوز هذه الحالة.. كنت أمثل في المؤتمر هذه الرغبة وهذه الإرادة، من دون أن أعطي نفسي الحق بإدعاء تمثيل شريحة معينة، ولكنني أصنف نفسي ضمن هذا الاتجاه المعتدل والذي أرى أنه اتجاه الغالبية في المملكة ومن كل الطوائف)([4]).
هكذا يبرز الصفار أسبقية الولاء للوطن على المذهب([5])، وأن تصليب الوحدة الوطنية وسد الثغرات ضد العدو الخارجي الأمريكي مطلب، إذ يلعب العدو على وتر الصراعات الطائفية.
وفي هذا المعنى الذي ينفي الخيانة عن الشيعة قديماً وحديثاً يورد هذا النص الذي يقول فيه: (هل تعلم أن اتهام ابن العلقمي بالخيانة الذي يرسله البعض إرسال المسلمات وكحقيقة ثابتة، هذا الاتهام غير ثابت على مستوى البحث العلمي التاريخي، وقد ناقشه مؤرخوالشيعةكالس يد حسن الأمين في كتابه عن الغزو المغولي، ورده بأدلة واضحة. ودعك عن السيد حسن الأمين الشيعي فان باحثاً سعودياً سنياً هو الدكتور سعد بن محمد حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود في الرياض، قد ناقش هذا الاتهام بموضوعية وإنصاف، ضمن كتابه (سقوط الدولة العباسية) وطبع في الرياض سنة 1401هـ وتبنته الجامعات السعودية كمرجع معتمد وأعيد طبعه سنة 1403هـ وقد توصل الدكتور الباحث إلى ان اتهام ابن العلقمي بالخيانة لا يقوم على دليل بل هناك أكثر من إحدى عشرة حقيقة تاريخية واجتماعية تدحضه، وان مصدر الاتهام كان خصومة مذهبية وتعصب طائفي)([6])
والحاصل أنّ الصفار يردد كثيراً تلك العبارات التي تدعو إلى: التعددية، والحرية والتنوع، والتعايش، والتسامح، وثقافة الاختلاف، والانفتاح على الآخر، وأنّ النجاة لهذه الأمة من المأزق الذي تعيش فيه هو أن تتمثل عدل الإسلام وإحسانه واحترامه لحقوق الآخرين كل ذلك من أجل التقارب. ولك أن تقيس مدى تأثير دعوة الصفّار على الإعلامي الدكتور عبد العزيز قاسم إذ يقول: (أنا متفائل بمستقبل التقارب المذهبي... ومكاشفات الصفار أحدثت صدمة بين السلفيين) ([7]).
فأيّ تقارب يدعو إليه الصفّار؟. وهل يمكن أن يتحقق التقارب بين السنة والشيعة في أي وطن كان؟. وما المقدم الوطن أم المذهب؟ أم كما يبدو على غلاف الكتاب ، فالعنوان قدم المذهب على الوطن؟. وهل ما يدعو إليه بمختلف الوسائل دعوة صادقة، أم تقيّة متجذرة؟.
في الوجه الآخر لدعوة الصفار يظهر لك ملامح دعوته في صورتها الحقيقية ...
للحديث بقية...




(1) انظر: المذهب أو الوطن.. لمن ولاء شيعة السعودية؟،إسلام أون لاين - « عبد الفتاح مغاوري » - 21 / 3 / 2007م.وانظر:[/ المذهب - أو – والوطن، شبكة راصد الإخبارية - « كفاح عبدالله النهاش » - 12 / 8 / 2007م . صدرت طبعة الكتاب: المذهب والوطن الأولى باللغة العربية عام 1427هـ، 2006م، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، والطبعة الثانية 1429هـ، 2008م، أطياف للنشر والتوزيع، القطيف - السعودية.
(2) نحوعلاقة أفضل بين السلفيين والشيعة، حسن موسى الصفار، دار الواحة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1425ه 2002م ص 49-53.
(3) السلم الاجتماعي مقدماته وحمايته، حسن موسى الصفار، دار الساقي بيروت الطبعة الأولى 2002م ص 84-85
(4) صحيفة الحياة 30/9/2003م، وانظر: عبدالله عمر خياط[/] - « جريدة عكاظ[/] » - 4 / 1 / 2009م.
(5) يؤكد هذا مقال: د. محمد حلمي عبد الوهاب: مجلة "رواق عربي" العدد 48 ، 18 / 11 / 2008م . نشرت جريدة الوطن مقالاً لحمود أبو طالب بعنوان: الصفار مواطناً، وذلك في العدد (1493) الصادر الأحد 17 شهر رمضان 1425هـ (31 أكتوبر 2004م).
(6) الحلقة الثانية في ملحق الرسالة بتاريخ 24/8/1425هـ..
(7) شبكة راصد الإخبارية[/ - 23 / 2 / 2008م.