الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أما بعد:
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير ما تضمنته هذه الآية من هيمنة القرآن على ما سواه :
" فالسلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب ، ومعلوم أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة ، ومن أسماء الله " المهيمن " ويسمَّى الحاكم على الناس القائم بأمورهم " المهيمن " ...
وهكذ القرآن فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر ، وزاد ذلك بياناً وتفصيلاً وبيَّن الأدلة والبراهين على ذلك ، وقرَّر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين ، وقرَّر الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل كلهم ، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين ، وبيَّن عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها ، وبيَّن ما حُرف منها وبُدِّل ، وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة ، وبيَّن أيضاً ما كتموه مما أمر الله ببيانه وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن ، فصارت له " الهيمنة " على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة : فهو شاهد بصدقها ، وشاهد بكذب ما حُرف منها ، وهو حاكم بإقرار ما أقره الله ، ونسخ ما نسخه ، فهو شاهد في الخبريَّات ، حاكم في الأمْريَّات" انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 17 / 43 ، 44 ) .
وقال أيضاً رحمه الله : (( و المهيمن : الشاهد المؤتمن الحاكم ، يشهد بما فيها من الحق ، وينفي ما حرف فيها ويحكم بإقرار ما أقره الله من أحكامها ، وينسخ ما نسخه الله منها وهو مؤتمن في ذلك عليها وأخبر أنه أحسن الحديث وأحسن القصص ، وهذا يتضمن أنه كل من كان متمسكا بالتوراة قبل النسخ من غير تبديل شيء من أحكامها فإنه من أهل الإيمان والهدى وكذلك من كان متمسكا بالإنجيل من غير تبديل شيء من أحكامه قبل النسخ ، فهو من أهل الإيمان والهدى . وليس في ذلك مدح لمن تمسك بشرع مبدل ، فضلا عمن تمسك بشرع منسوخ ولم يؤمن بما أرسل الله إليه من الرسل وما أنزل إليه من الكتب بل قد بين كفر اليهود والنصارى بتبديل الكتاب الأول وبترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم في غير موضع )) الجواب الصحيح ج1 ص262 .
والله أعلم .