أحب هؤلاء..
أحب من الناس العامل
أحب الذي يشتغل بفكره فيبتدع من الترب ومن خياله صورا حية ، جميلة ، جديدة نافعة
أحب ذاك الذي يجد في حديقة ورثها عن أبيه شجرة تفاح واحدة فيغرس إلى جانبها شجرة ثانية، وذاك الذي يشتري شجرة تثمر قنطارا من العنب ، فيعطف عليها ويذلل لها أديم الأرض لتعطي قنطارين
أحب الرجل الذي يتناول الأخشاب الجافة المهملة ، فيصنع منها مهدا للأطفال
وأحب الذي يقيم من الصخور المنازل والمدارس والمساجد
أحب من الناس العامل
أحب ذاك الذي يحول الطين إلى آنية للزيت أو العطر
أحب الذي ينسج من القطن قميصا ، ومن الصوف جبة ، ومن الحرير فستانا
أحب الحداد الذي ما أنزل مطرقته على سندانه إلا وأنزل معها قطرة من عرقه
أحب الخياط الذي ما غرز إبرة في الثوب إلا وترك معها شيئا من نور عينيه
أحب النجار الذي لا يدق مسمارا إلا وبذل معه جزءا من جهده
وفي قلبي حب عميق للراعي الذي يسوق قطيعه كل صباح إلى المروج الخضراء ، ويورده المناهل الصافية ، ويناجيه بشبابته طوال النهار ، وعندما يأتي المساء يعود به إلى الحظيرة ، حيث الراحة والطمأنينة.
أحب جميع هؤلاء
أحب أصابعهم المغموسة بعناصر الأرض
أحب وجوههم بما عليها من سيماء الصبر والتجلد
أحب جباههم المزينة بجواهر الاجتهاد.
أحب هؤلاء
أحب من الناس العامل
أحبه لأنه يجدد أيامنا وليالينا
أحبه لأنه يطعمنا ويؤثرنا على نفسه
أحبه لأنه يغزل ويحوك لنلبس الأثواب الجديدة، وزوجته وأولاده في ملابسهم القديمة
أحبه لأنه يبني المنازل الفخمة ، ويسكن منازل متواضعة
أحب ابتسامته الطيبة
أحب نظرة الاستقلال والحرية في عينيه
أحب من الناس العامل
أحبه لأنه لوداعته يحسب نفسه خادما وهو السيد
أحبه لأنه لتواضعه يظن نفسه فرعا وهو الأصل
أحبه لأنه خجول ، فإذا أعطيته أجره شكرك قبل أن تشكره ، وإذا مدحته على عمله
رأيت الابتهاج في عينيه
أحب من الناس العامل
أحب هذا الذي يحني ظهره لتستقيم ظهورنا ، ويلوي عنقه لترتفع وجوهنا نحو الأعالي
أحب من الناس العامل
ماذا عساي أن أقول في الذين يجلسون إلى مائدة الوجود ، ولا يصنعون عليها رغيفا من خبز جهادهم ، أو كأسا من ذوب اجتهادهم؟
ماذا أقول في الذين يحصدون من حيث لا يزرعون؟
ماذا عساي أقول فيمن يكره العمل؟
ماذا أقول فيمن يأبى العمل؟
وماذا عساي أقول فيمن يحتقر العمل؟
لا أستطيع أن أقول في هؤلاء أكثر أو أقل مما أقوله في النبات والحشرات الطفيلية ، التي تستمد حياتها من عصير النبت العامل ، ودماء الحيوان الساعي
لا .... لا أستطيع أن أقل في هؤلاء أكثر أو أقل مما أقوله في لص
يسرق جهد العاملين وأرزاقهم.