السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلست فى احد الايام اسمع لاحد الاخوه وهو يعظ الناس فقرا هذه الابيات
وهى تنسب فى قول للامام الشافعى وقول اخر لشاعر يدعى الحطيئه وقد انشدها احد شيوخنا
إذا كنت في نعمة فارعها
فان المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع النقم
فجذب انتباهى اخر مقطع منها فقلت بينى وبين نفسى هل الاله فعلا سريع النقم وقد تعلمنا ان الصفات توقيفيه اى لا لايجوز اثبات صفة الا بنص من القران والسنه فبدات البحث هل وردت هذه الصفه فلم اجد لها اثرا فهذا شيخنا ابن القيم فى كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء » فصل المعاصي تزيل النعم قد اثنى على قول مقارب لهذا القول بقوله
وقد أحسن القائل :
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم [ ص: 75 ] وحطها بطاعة رب العبا
د فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطع
ت فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى
لتبصر آثار من قد ظلم فتلك مساكنهم بعدهم
شهود عليهم ولا تتهم وما كان شيء عليهم أض
ر من الظلم وهو الذي قد قصم فكم تركوا من جنان ومن
قصور وأخرى عليهم أطم صلوا بالجحيم وفات النعي
م وكان الذي نالهم كالحلم
فكدت ان انهى البحث عند مطالعتى هذا الثناء ولكن النفس اثرت الاستمرار فبداية ما هى النقم
النقم جمع نقمه ونقمت الأمر ونقمته إذا كرهته وانتقم الله منه أي عاقبه والاسم منه النقمة والجمع نقمات ونقم مثل كلمة وكلمات وكلم وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت نقمة والجمع نقم مثل نعمة ونعم وقد نقم منه ينقم ونقم نقما وانتقم ونقم الشيء ونقمه وفي الحديث أنه ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك محارم الله أي ما عاقب أحدا على مكروه أتاه من قبله ومعنى نقمت بالغت في كراهة الشيء وأنشد ابن قيس الرقيات ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا قال أبو إسحق يقال نقمت على الرجل أنقم ونقمت عليه أنقم قال والأجود نقمت أنقم وهو الأكثر في القراءة ويقال نقم فلان وتره أي انتقم قال أبو سعيد معنى قول القائل في المثل مثلي مثل الأرقم إن يقتل ينقم وإن يترك يلقم قوله إن يقتل ينقم أي يثأر به قال والأرقم الذي يشبه الجان والناس يتقون قتله لشبهه بالجان والأرقم مع ذلك من أضعف الحيات وأقلها عضا قال ابن الأثير وفي حديث عمر رضي الله عنه فهو كالأرقم إن يقتل ينقم أي إن قتله كان له من ينتقم منه قال والأرقم الحية كانوا في الجاهلية يزعمون أن الجن تطلب بثأر الجان وهي الحية الدقيقة فربما مات قاتله وربما أصابه خبل وإنه لميمون النقيمة إذا كان مظفرا بما يحاول
فهل النقمة المكافأة بالعقوبه فعلا ان كان هذا فلا شئ يؤخذ على هذا اللفظ سريع النقم فقد ورد لفظ سريع العقاب فى القران مرتين قال سبحانه : ( وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الاَْرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجات لِيَبْلُوَكُمْ فِى ما آتيكُمْ اِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ وَ اِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الأنعام/165 ).
و قال سبحانه : ( وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ اِلى يَوْمِ القِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ اِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الأعراف/167 ).
أمّا العقاب فعن الخليل أنّه قال : كلّ شيء يعقب شيئاً فهو عقيبه ، و لأجل ذلك يطلق على الليل و النهار العقيبان ، و إنّما سمّيت العقوبة عقوبة لأنّها تكون آخراً و ثلي الذنب و كأنّ الذنب يخلفه العقاب و يعقبه ، قال الراغب : العقب مؤخّر الرجل ، و العقوبة و المعاقبة تختصّ بالعذاب.
قال سبحانه : ( فَحَقَّ عقاب ـ شديد العقاب ـ وَ اِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) و التعقيب أن يأتي بشيء بعد آخر.
والعقاب قد يكون من الشخص المعاقب لحبه للشخص الذى يعاقبه بخلاف الانتقام فينتفى معه الحب قال تعالى( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) السجدة21(
وقوله : ( إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) ترهيب وترغيب ، أن حسابه وعقابه سريع ممن عصاه وخالف رسله ( وإنه لغفور رحيم ) لمن والاه واتبع رسله فيما جاءوا به من خير وطلب .
قال المفسرون ( يعني العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأقسامها وآفاتها…) إبن كثير( وانظر اخى بارك الله فيك لخاتمة الايتين هى هى نفس الخاتمه و كونه سبحانه « شديد العقاب » ليس بمعنى كونه كذلك دائماً و إنّما يختصّ ذلك بموارد يستوجب سرعة العقاب ، كطغيان العبد و عتوّه فيسرع إليه العقاب ويأخذه بأشدّه فالله ارحم من الوالدة بولدها فعقابه رحمه لما ينتظر الظالم من عاقبة فى الاخره فلعله بعد هذه العقوبة يرجع ويتوب واقرا قصة فرعون فان فيها العبره (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (٤٧) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُ مْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (٥٦) فبدا الله بالعقوبة اولا على الذنب .قال الله تعالى : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( آسفونا ) أسخطونا .
وقال الضحاك ، عنه : أغضبونا . وهكذا قال ابن عباس أيضا ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم من المفسرين .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد ما شاء ، وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك استدراج منه له " ثم تلا ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) .
وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجأة ، فقال : تخفيف على المؤمن ، وحسرة على الكافر . ثم قرأ : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) .
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : وجدت النقمة مع الغفلة ، يعني قوله : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) .
وقوله : ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) : قال أبو مجلز : ( سلفا ) لمثل من عمل بعملهم .
وقال هو ومجاهد : ( ومثلا ) أي عبرة لمن بعدهم .
و لأجل عدم كونه فعلاً له سبحانه على الدوام; ضمّ إليه في الآيتين الاسمين الآخرين و قال « إنّه لغفور رحيم » و لو كان فعلاً له سبحانه على نحو الاستمرار لما صحّ الجمع بين الاسمين ، يقول سبحانه : ( وَ يَسْتَعْجِلُونَ كَ بِالْعَذَابِ وَ لَوْلاَ أَجَلٌ مُسَمَّى لَجَاءَهُمُ العَذَابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُ مْ بَغْتَةً وَ هُمْ لاَيَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَ كَ بِالعَذَابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( العنكبوت/ وهذه بعض الايات الداله على عدم تعجيل العقوبه ومنها
قوله تعالى : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دآبة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض ، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة ; لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة ، ورب السماوات والأرض لا يفوته شيء أراده . وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله في آخر سورة " فاطر " : ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دآبة الآية ، وقوله : وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب الآية ، وأشار بقوله : ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ، إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل . وبين ذلك في غير هذا الموضع ; كقوله : ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وقوله : ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب
فمن كان عنده علم خلاف ذلك فليتحفنا به جزاه الله خيرا