بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعضاء و عضوات المجلس العلمي
أطلب مساعدتي في كتابة هذا المطلب
وهو بعنوان الزيغ بالشبهة من الصفات العقدية للمنافقين في أوقات الحروب
ففي هذا المطلب بالذات لم أستطع أن أكتب فيه إلا هذه المسودة :
المطلب الثالث :الزيغ بالشبه.
معنى الزيغ بالشبهة:
أولاً: معنى الزيغ:
معنى الزيغ لغة: ([1])
زيغ: الزاء والياء والغين أصل يدل على ميل الشيء. فالزيغ يعني الميل.
يقال: زاغ، يزيغ، زيغا. والتزيغ التمايل. وقوم زاغة أي زائغون. وزاغت الشمس وذلك إذا مالت وفاء الفىء. وقال الله عز وجل ثناؤه (فلمّا زاغُوا أزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)، قالَ الرّاغِبُ: لمّا فارَقُوا الاسْتِقَامَةَ عامَلَهُم بذلكَ.
ومِنْهُ قوْلُه تعالى: (في قُلُوبِهِم زيغ) ، وفي حديث أبي بكر، رضي الله عنه : "أخاف إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ، أي: أجور وأعدل عن الحق"، وقال الراغب: الزَّيْغُ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين وزال، ومال، وزاغ متقاربة، لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل" كقوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ( أي لا تملنا عن الهدى والقصد ولا تضلنا وقيل لا تزغ قلوبنا لا تتعبدنا بما يكون سببا لزيغ قلوبنا.
معنى الزيغ في الاصطلاح:
الزيغ اصطلاحاً هوالخروجعن الحق، إما بالشرك، وإما بالبدعة، وإما بالشبهة، وإما بالشكوك، وإمابالجرأة، والقول على الله بغير علم، هذا من أعظم أبواب الزيغ.([2])
ثانياً: تعريف الشبهات:
الشبهات في اللغة: ([3])
الشبهات أو الشبه، بضم الشين وفتح الباء بعدها، جمع شبهة، وتطلق الشبهة في اللغة على عدة معاني:
أولاً: تطلق على الالتباس، ومنه: شبه بضم الشين وتشديد الباء مكسورة عليه وله، ولبس بضم اللام وتشديد الباء مكسورة، والاشتباه: الالتباس، ومنه: "اشتبهت الأمور وتشابهت، التبست فلم تتميز".
الثاني: تطلق على الاختلاط، ومنه: اشتبه الأمر عليه إذا اختلط.
الثالث: تطلق على الشك، ومنه: اشتبهت المسألة عليه: أي شك في صحتها.
الرابع: تطلق على التساوي، ومنه: تشابهت الآيات إذ تساوت.
الخامس: المشكل، ومنه: المتشابهات: أي المشكلات.
وأصل هذه المعاني -والله أعلم- راجع إلى الشبه بمعنى المماثل، والشئ إذا شبه الشئ ومثاله، بحيث لايميز بينه وبينه، فيحصل بذلك اللبس، والاختلاط، والشك، والتساوي، فتكون هذه المعاني من لوازم الشبه.
ولذا تقول العرب: شبه عليه الأمر بفتح الشين وتشديد الباء مفتوحة:
أبهمه عليه حتى أشبه غيره، ومنه أيضاً شبهه عليه تشبيهاً، مثل لبسته عليه تلبيساً، وزناً ومعنى، والأول هو المعنى المناسب للشبهة الشرعية.
الشبهات في الإصطلاح:
الشبهة اصطلاحاً هي: " ما يشبه الشيء الثابت وليس بثابت في نفس الأمر".([4])
وعرف الشبهة الجرجاني بقوله: " ما لم يتيقن كونه
كونه حراما أو حلالا". ([1])
وينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه القول: "وأنه إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق. وأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين".([2])
الزيغ بالشبهة:
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾. (سورة آل عمران آية: 7 ).
عن عائشةtقالت: تلا رسول الله rهذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾؛ قالت: قال رسول اللَّه r: "فإذا رأيت الذين يتبعون ماتشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".([3])
قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ . . . ﴾ القرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، (سورة هود، آية:1) فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، (سورةالمائدة،ال ية:50)، وكله متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظا ومعنى، وأما الإحكام والتشابه المذكور في هذه الآية فإن القرآن كما ذكره الله (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ) أي: واضحات الدلالة، ليس فيها شبهة ولا إشكال (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمة وأكثره، ومنه آياته (أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى بعض الإفهام غير المراد منها، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة، ولكن الناس انقسموا إلى فرقتين (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) أي: يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه (ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ) لمن يدعونهم لقولهم، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع فيه، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصده اتباعه، وقوله (وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) للمفسرين في الوقوف على ' الله ' من قوله (وما يعلم تأويله إلا الله) قولان، جمهورهم يقفون عندها وبعضهم يعطف عليها (وَالرَّاسِخُون فِي الْعِلْمِ) وذلك كله محتمل، فإن التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على (إلا الله) لأن المتشابه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، ونحو حقائق صفات الله وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها إلا الله، ولا يجوز التعرض للوقوف عليها، لأنه تعرض لما لا يمكن معرفته، كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله (الرحمن على العرش [ استوى ] ) فقال السائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصفة معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة، وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا بكفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا، فأهل الزيغ يتبعون هذه الأمور المشتبهات تعرضا لما لا يعني، وتكلفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنه لا يعلمها إلا الله، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى الله فيسلمون ويسلمون، وإن أريد بالتأويل التفسير والكشف والإيضاح، كان الصواب عطف (الراسخوان) على ' الله ' فيكون الله قد أخبر أن تفسير المتشابه ورده إلى المحكم وإزالة ما فيه من الشبهة لا يعلمها إلا هو تعالى والراسخون في العلم يعملون أيضا، فيؤمنون بها ويدرونها للمحكم ويقولون (كل) من كل والمتشابه (من عند ربنا) وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض: وفيه تنبيه على الأصل الكبير، وهو إنهم إذا علموا أن جميعه من عند الله، وأشكل عليهم مجمل المتشابه، اعلموا يقينا أنه مردود إلى المحكم، وإن لم يفهموا وجه ذلك، ولما رغب تعالى في التسليم والإيمان بأحكامه وزجر عن اتباع المتشابه قال (وَمَا يَذَّكَّرُ) أي: يتعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلا (أُوْلُواْ الألْبَابِ) أي: أهل العقول الرزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التذكير إلى عقولهم، فيتذكرون ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وأما من عداهم فهم القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته، لا ينفعهم الزجر والتذكير لخلوهم من العقول النافعة.
ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) فمجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها، وقد أثنى الله تعالى على الراسخين في العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد: إحداها: العلم الذي هو الطريق الموصل إلى الله، المبين لأحكامه وشرائعه، الثانية: الرسوخ في العلم وهذا قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالما محققا، وعارفا مدققا، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة علما وحالا وعملا، الثالثة: أنه وصفهم بالإيمان بجميع كتابه ورد لمتشابهه إلى محكمه، بقوله: (َقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) الرابعة: أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلى به الزائغون المنحرفون، الخامسة: اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) السادسة: أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر، وتوسلوا إليه باسمه الوهاب، السابعة: أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم القيامة وخوفوهم منه، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل".([4])
([1])التعريفات، الجرجاني (1/165).
([2])شرح نهج البلاغة، المدائني (2/174) الخطبة 38.
([3])أخرجه البخاري، كتاب: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ،باب (منه آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)،(4/1655)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن، (4/2053). (رقم الحديث:2665). وفي سنن أبي داود، باب مجانبة أهل الأهواء (4/198) ،(رقم الحديث: 4598).
([4])تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، للشيخ السعدي (1/122).
([1])انظر: مقاييس اللغة (3/41)، و لسان العرب (8 /432)، و تاج العروس (22/497).
([2])قصد التأويل علامة على الزيغ (الشيخ ناصر العقل ذكر الشيخ ناصر العقل -حفظه الله- في شرح لمعة الإعتقاد.
([3])انظر: لسان العرب مادة (شبه) (13 /503)، و العين للفراهيدي (3/404). وكتاب منهج ابن تيمية في تقرير عقيدة التوحيد.
([4]) رد المحتار 3 \ 150 ، والموسوعة الكويتية ( 4 \ 290 ).
الزيغ، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5].
والزيغ :معناه الانحراف والميل، ولا شك أن سببه الشبهات والتشكيكات التي تجعل الحق عنده باطلاً والباطل حقاً، فيميل عن الحق إلى الباطل وذلك هو الزيغ.
أسباب الزيغ: العنوان هذا من عندي.
ولا شك أن سببه الشبهات والتشكيكات التي تجعل الحق عنده باطلاً والباطل حقاً، فيميل عن الحق إلى الباطل وذلك هو الزيغ.
وقد ذكر الله أيضاً أسبابه، فذكر من أسبابه أنهم زاغوا بأنفسهم فزادهم الله من ذلك: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5].
وذكر أيضاً من أسبابه تتبع المتشابهات، فقال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] إلى قوله عن الراسخين: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8]. إسلام ويب
قصد التأويل علامة على الزيغ (الشيخ ناصر العقل)
ذكر الشيخ ناصر العقل-حفظه الله- في شرح لمعة الاعتقاد مايلي:
وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ﴾ (سورةآل عمران،الآية: 7) فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أملوه وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ﴾ ).
شرح الشيخ على الفقرة السابقة من كتاب لمعة الاعتقاد :
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ الزيغ: هو الخروج عن الحق، إما بالشرك، وإما بالبدعة، وإما بالشبهة، وإما بالشكوك، وإما بالجرأة، والقول على الله بغير علم، هذا من أعظم أبواب الزيغ، فهؤلاء الذين ابتلاهم بهذه المناهج، يبتليهم الله -عز وجل- بتتبع المشكلات من النصوص التي تشكل عليهم أو حتى تشكل على الجميع، أيضًا يتعمدون إثارة الإشكالات والشبهات التي تجعل النصوص المحكمة تشتبه عليهم، فمن هنا سماهم مبتغين، ﴿ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ طبعًا قصد الفتنة، ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾، وأحيانًا يكون درجة من غير الابتغاء القصد، أحيانًا تكون بسبب التفريط والجهل، ابتغاء الفتنة أحيانًا يكون قصد بتبييت ونية، وأحيانًا يكون بسبب التفريط والجهل، فيفرط بأخذ منهج السلف لا يتفقه في الدين يجهل المنهج الحق فيكون هذا سبب؛ لأن يبتغي الفتنة وابتغاء التأويل، طبعًا عندنا نوعان:
ابتغاء الفتنة هذا غالبًا يكون من المنافقين وأصحاب الزيغ وأصحاب البدع والأهواء.
ابتغاء التأويل: أحيانًا يكون عن حسن نية، لكنه خطأ في المنهج، أصحاب التأويل قد يكون عن سوء نية، وهو الذي ينبني على منهج أهل الفتنة، أحيانًا يكون ابتغاء التأويل نوع من الاجتهاد الخاطئ، وهذا سيأتي له نماذج، لكنه -ومع ذلك- هو وقوعًا في ما نهى الله عنه قال: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ﴾
أي الكيفيات.
عندنا التأويل تأويلان: تأويل بمعنى إثبات الحقائق، إثبات ظواهر النصوص كما يليق بالله -عز وجل-، فهذا تفسير حقيقي، نوع من التأويل الجائز.
التأويل الممنوع الذي هو هنا لا يجوز إلا لله، الذي لا يمكن أن يكون من مقدور بشر هو تأويل الغيبيات البحتة كيفيات الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ﴾ قال: فجعل -أي الله عز وجل هنا- جعل ابتغاء التأويل يعني قصد التأويل علامة على الزيغ، لماذا قال: علامة على الزيغ؟ لأنه أحيانًا -وهذا نادر- يكون قصده التأويل عن اجتهاد خاطئ، لكن هذا لا يكون هو منهج الحق، وإن وقع من إمام مجتهد، وهذا نادر ولله الحمد -كما سيأتي- ومع ذلك قال: فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ؛ لأن الله نهى عن التأويل؛ ولأن أي عاقل كل عاقل سليم، كل إنسان على الفطرة يعرف أنه لا يمكنه أن يخوض بالغيب، وإلا لما كان غيب، لو كان الغيب تحت مدارك الناس لما سماه الله غيبًا، ولَمَا امتدح الله المؤمنين بالغيب، إذن ما ميزتهم؟ هنا قال- في اللمعة-:(وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم )
المصدر الأكاديمية الاسلامية:
http://www.islamacademy.net/Index.as...d=3531&lang=Ar
وقال الله تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾. (سورة الحج، الآية:53).
قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: "فتنة: يقول: اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق، وذلك الشك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم به".([1])
([1])جامع البيان، للطبري (17/191).
جزاكم الله خير الجزاء.