من عناصر التماسك النصي الضمير

شكل الضمير تماسكًا دلاليًا في السورة الكريمة ، فقد ربط الآيات الكريمة ، فجاءت الآيات مترابطة متماسكة ، فنجد أنَّ الضمير عاملاً مهمًا في ربط الجملة السابقة بالجملة اللاحقة ، ويتضح ذلك في قوله تعالى : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) " .
يلاحظ أنَّ الضمير جاء مطابقًا للفعل في قوله تعالى : " تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) " ، فالفاعل مؤنث ، وهو الضمير المستتر العائد إلى ( وجوه ) ؛ لذلك جاء الفعل المضارع مبدوءًا بالتاء التأنيث ؛ للدلالة على أنَّ الفاعل مؤنث ، ويعد التطابق شرطًا من شروط الربط بين الجمل ، وفي هذه الحالة يسميه النصيون التطابق الإحالي " فيتفاعل نسق الضمائر مع نسق التطابق "[1] . فقد جعل الضمير الجملة الأولى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ) بنية مركزية ورئيسة في النص تحال عليها الجمل اللاحقة لها .
ومن مواطن الإحالة الداخلية قوله تعالى : " لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) ". فالضمير المتصل في ( لهم ) يعود إلى أصحاب الوجوه الذليلة ، فقد ربط الآية السابقة بالآية اللاحقة ، فيكون التقدير : ليس لأصحاب الوجوه الذليلة طعام إلاَّ من ضريع .
وقد ربط الضمير المستتر في قوله تعالى : " لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)" الآية السابعة بالآية السادسة ؛ إذ إنَّ الضمير المستتر يعود إلى الطعام ، فيكون تقدير الكلام : لا يسمن الطعام ولا يغني الطعام من جوع .

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)
ربط الضمير بين الآيات السابقة ، فيلاحظ أنَّ الضمير المتصل في (لسعيها ) عائد إلى الوجوه ، فربط الضمير الآية التاسعة بالآية الثامنة ، وربط الضمير المتصل في ( فيها ) الآيات : الحادية عشرة والثانية عشرة بالآية العاشرة .أمَّا الضمير المستتر في الفعل ( تسمع ) فربط الآية الحادية عشرة بالآية العاشرة ويلاحظ أنَّ الجملة الأولى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ) هي الجملة الرئيسة ؛ إذ إنَّ الجمل اللاحقة أحيلت عليها.
قال تعالى : " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) " .
جاء الضمير في الآيات السابقة مرة متصلاً ، مرة مستترًا ، ومرة منفصلاً وقد طابق الاسم العائد إليه ، وأدى إلى تماسك النص القرآني ، فربط الآيات بعضها ببعض ، ويتضح ذلك من خلال عودة الضمير المستتر في الفعل ( فذكر ) ، والضمير المنفصل ( أنت ) ، والضمير المتصل في الفعل الناقص ( ليس ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله تعالى : " إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) " .
جاء الضمير المتصل الغائب العائد إلى الكفرة أصحاب الوجوه الذليلة مستترًا في قوله ( تولى ، وكفر ) ، وجاء ضميرَا متصلاً بارزًا في قوله ( فيعذبه ، إيابهم ، حسابهم ) ، فأدى إلى تماسك النص القرآني . ويلحظ أنَّ الضمير المتصل في ( إلينا ، علينا ) جاء ضمير المتكلم العائد إلى الله – عز وجل - بصيغة الجمع ؛ للدلالة على العظمة .

[1] - نحو النص : 238 .