.مفهوم التسامح
الشيخ: أبي أويس رشيد الإدريسي الحسني
عودنا علماء الإسلام حماة الدين، عند الحكم على مصطلح حمال لأوجه، أن نستفصل من مطلقه عما يريده به؟ فإن أراد حقا أيدناه، وإن أراد باطلا رددناه عليه، وبينا مغالطته وتلاعبه بالألفاظ لاسيما إذا كان مروِّج هذا المصطلح من غير المأمونين عن دين المسلمين!
حيث المشكلة التي نعاني منها ليست خطط أعدائنا فذلك أمر متوقع، وإنما المشكلة في وجود صفٍّ في الداخل من بني علمان يعمل بمثابة البوق الذي لادور له سوى ترديد كلام الغرب وأفكارهم ومطالبهم التي حقيقتها التخلي عن دين الإسلام أو تغييره وتحريفه- وهذا مطلب قديم طلبه المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:( إئت بقرءان غير هذا أو بدله) يونس 115 – وإذا لم يكن ذلك كله ممكنا في الوقت الراهن فيكون بالتدرج كما هو الواقع الملموس.
ومن هذه المصطلحات الفضفاضة التي تتضمن حقا وباطلا والتي روج لها بنو علمان لتمرير أفكارهم ومعتقداتهم الباطل مصطلح "التسامح" فرفعوا من شأنه مطالبين بنشر ثقافته بين الناس بدلا عما يسمونه "ثقافة العنف والكراهية"!
ولتحقيق الحق في خصوصه نقول: التسامح في لغة العرب التي نزل بها القرءان تعني السهولة المنافية للصعوبة، واليسر المنافي للضيق والشدة، وكذلك كان دين الإسلام دوما.
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الملل أفضل؟ فقال: (الحنيفية السمحة) حديث صحيح رواه أحمد في مسنده وغيره.
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-:" والسمحة : السهلة أي أنها مبنية على السهولة لقوله تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم) الحج 78 "اهـ فتح الباري، 1/94.
فالتسامح كلمة قريبة من نفوس المسلمين محببة إليهم لما تحمله من معان سامية جاءت نصوص شرعية كثيرة بالثناء على أهلها، كحديث:" رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا تقاضى" وحديث:" دخل رجل الجنة بسماحته"... إلى غيرهما من الأحاديث الصحيحة انظر"صحيح الترغيب والترهيب" للعلامة الألباني رحمه الله 2/326 وما بعدها.
لكن التسامح أو السماحة التي يوصف بها الإسلام لاتنافي التمسك بأحكامه والعض عليها بالنواجذ، بل تقتضيه وتدعو إليه.
فتحسين صورة الإسلام في أذهان الغربيين والناس أجمعين وإبراز محاسن الإسلام لا يكون إلا بالتمسك به، والتأدب بآدابه، والدعوة إليه، ولايكون أبدا بانتقاصه واجتزائه، والتخلي عن شيء منه إرضاء للكافرين، وموالاة لهم من دون المؤمنين كما هو حال العلمانيين.
قال الدكتور أحمد القاضي: "إن مفهوم التسامح الذي يتكئ عليه دعاة التقريب مفهوم فضفاض يتضمن حقاً وباطلاً، يحتم ضرورة الاستفصال عن المدلول المراد:
فإن أريد بالتسامح: العفو والصفح في المعاملة، بالتنازل عن بعض الحقوق الشخصية مالية أو معنوية، أو ما يحيله الشرع الإسلامي إلى اجتهاد ولاة أمور المسلمين في معاملة الحربيين من المنِّ أو الفداء، حسب ما تقتضيه السياسة الشرعية، أو منح الذميين والمعاهدين والمستأمنين في المجتمع الإسلامي حقوقاً مدنية، وإذناً في البقاء على دينهم وعباداتهم، من غير إكراهٍ لهم على اعتناق الإسلام، فهو حقٌ جاء به الإسلام، وحفل به تاريخه، وفاق به جميع الأنظمة القديمة والحديثة... فهو بهذا المدلول فضيلة خلقية، ومنهجٌ نبيل ... لا يثلم عقيدة، ولا يهدر كرامة، ولا يضيع حقاً.
وإن كان التسامح يعني المداهنة، وإعطاء الدنية في الدين، وتسوية المسلمين بالمجرمين، وإدانة سبيل السابقين الأولين من المؤمنين، وإباحة جناب المجتمع المسلم لجحافل المنصرين والملحدين لإشاعة الفاحشة الفكرية والخلقية في الذين آمنوا باسم "الحرية الدينية" و"التعددية الثقافية"، و"التنوع الحضاري"، وما شابهها من زخرف القول... فما هذا بتسامح، بل خنوع واستخذاء، ونزع للباس التقوى".اهـ
إننا نرفض التسامح المشبوه الذي يعني التدخل في شؤوننا، والدعوة لتغيير قيمنا وأخلاقنا، والسعي لتهجين مناهجنا، والعمل المتواصل لتركيعنا، لأن ذلك وإن سموه ثقافة التسامح فهو تسامح مغشوش يراد منه إذلالنا، بل استعمارنا من جديد، إنه تسامح بلا تسامح!!.
وندعو مقابل ذلك إلى التسامح الصحيح الذي حث عليه الإسلام والذي أعجب به كثير من المنصفين من الغربيين، وأشادوا به في كثير من مصنفاتهم، من مثل "سير أرلوند" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" ، و "جوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب".
ثم نقول: لتنكفئ الأقلام المأجورة التي تعرض الإسلام عرضا منفرا، وتحارب الإسلام ودعاته بزعم أنهم متعصبون، ولتعمل إن كانت صادقة على كشف أباطيل الغربيين الذين يدعوننا إلى التسامح وهم أعداؤه.
وليتق الله- في الوقت نفسه- أقوام من أفراخ الخوارج الذين أساؤوا للإسلام وشوهوا سماحته بأفعالهم وأفكارهم - الضالة المضلة- من حيث يظنون أنهم يصلحون وضعا.
( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الكهف103-104.
أبو أويس الإدريسي