كانت بدايات المذهب القدرى بعيدة جدا فى تاريخ الاسلام فقد ظهر
المذهب قبل انقضاء عهد الصحابة ، حتى دفع ذلك ابن عمر ان يطلق تحذيره ا
الشديد لمن تكلم فى القدر فقال: والذى نفس ابن عمر بيده لو كان لاحدهم
مثل احد ذهبا ثم أنفقه فى سبيل الله ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ، وطلب ابلاغهم
براءته منهم ، وساق فى اثبات القدر احاديث مشهورة ، كما حذر عبادة بن الصامت
رضى الله عنه أبنه من عدم الايمان بالقدر محذرا ان من ينفى الايمان بالقدر
لن يجد طعم الايمان ، ويبدو ان ظهور المسألة فى عهد الصحابة دفعتهم لبيان
المعتقد الصحيح فالمعروف فى العقائد الاسلامة أن الكلام فيها لم يأتى فى وقت
واحد بل أخذ صور متدرجة وكلما حدثت بدعة جاء الرد عليها مستخرجا من ادلة الكتاب
والسنة ، حتى تكون مانسميه اليوم كتب العقيدة ، فلم يكن فى عهد الصحابة كتاب للعقيدة
فقط كتاب الله المبثوثة فى ثناياه عقائد المسلمين وحديث الرسول
صلى الله عليه وسلم المحفوظ فى الصدور ، وبدعة القدرة ظهرت فى باكورة
المحدثات فى الدين والتحليل التاريخى والزمنى يثبت أن انكار القدر مذهب
فارسى مجوسى يرتبط بديانة الفرس الأقدمين التى تتوزع فيها الالوهية على
الهين احدهم للخير والاخر للشر ، ويبدو ان بعض المتخصصين فى عقائد
المجوس حاول جاهدا ان يفهم الاسلام وفق تصوراته القديمة ، فكثيرا ما تنشأ
الانحرافات عن محاولات للفهم ناتجة عن تصورات مسبقة ، أو تكييف حسب
نوع الثقافة القديمة ، ويتضح هذا فى المعتزلة حيث يمكن إرجاع بعض أرائهم
الى الديصانية وهى غنوصية ثنائية وترى ان اله النور جنس واحد والظلام كذلك
فسمعه وبصره وسائر حواسه شئ واحد وهذا ما قالت به المعتزلة عند تناولها
لقضية الصفات ، فهذا التناسخ بين المذاهب الدينية قديم معروف
وتشير المصادر الاسلامية ان أصل بدعة القدر يعود لنصرانى عراقى أسلم
ثم ارتد راجعا لنصرنيته كما حكى هذا الامام الاوزاعى وهذا النصرانى أخذ عنه
معبد الجهنى
شخصيات بدعة القدر
1معبد الجهنى : كان رأس القدرية المسلمين وهو على بدعته كان صاحب ديانة
وقد وثقه ابن معين وقال الدارقطنى : حديثه صالح ومذهبه ردئ ، وقد سافر
معبد الى المدينة النبوية وأجرى حوارت فاقتنع البعض بأرائه وحسب تعبير
ابوحاتم (افسد بها ناسا ) مما دفع الحسن البصرى أن يقول : أياكم ومعبد فإنه
ضال مضل ، وقد مات معبد مقتولا قيل صلبه عبد الملك بن مروان وقيل اخذه
الحجاج فعذبه ثم قتله وأرخو موته سنة 80 هجريا ويبدو ان معبد كان داعيا لبدعته
كما سبق مما أنتج اتباعا متعددين فى البصرة التى كانت بندر الاراء والنحل فى
هذا الوقت
2عمرو المقصوص
وكان أول من نادى بالقدر فى الشام وكانت فيه عبادة مثل معبد وكان على اتصال بمعاوية
الثانى ابن يزيد بن معاوية بن ابى سفيان وكان معاوية الثانى فيه تقوى وورع ومات بعد
اربعين يوما من خلافته فوثب بنوا امية على عمروا المقصوص
وقالوا انت أفسدته وعلمته ثم دفنوه حيا وهناك ندرة فى المصادر المتحدثة عن عمرو
المقصوص
3 غيلان بن مسلم الدمشقى المقتول
واشتهر غيلان بفصاحته وبلاغته وكان غيلان داعية لبدعته فى القدر وكان ذا تأثير
قوى فيمن حوله ، وكانت له مناقشات مع عمر بن عبد العزيز وكان غيلان الى جانب
ذلك مناهضا لسياسة بنى أمية وقيل أن الاوزاعى أفتى بقتله على بدعته فى القدر
فمثل به بنو امية قبل قتله فشكل موته مأساة مما جعل البعض يتعاطف معه وكان فى
غيلان بدع اخرى الى جانب القدر
4 المعتزلة
ثم أخذت المعتزلة الفكرة وروجت لها وجعلت هذه البدعة اصل من أصولها وسمته
(العدل)
..........
أصل شبهة القدر
ويعود أصل شبهة القدر الى الزعم بتنزيه البارى سبحانه عن نسبة الشر والكفر اليه فى افعال
العباد فزعموا ان العباد هم الفاعلين للشر والكفر وغفلوا انهم بذلك اخرجوا
قسما عريضا من افعال العباد وأراداتهم خارج إرادة الله وخلقه فلم يعد الله سبحانه
فاعلا لكل مافى الكون ، واصبح فى كون الله مالم يخلقه الله وهو باطل قطعا إذ الثابت
أن كل مافى الكون مخلوق لله ، ولم يفرقوا بين الارادة الدينيه والارادة الكونية القدرية ،
ولم يلتفتواالى علم السابق فى الموجودات حيث علم ما تستحق كل نفس وماتريد فخلق الله لها
ما أرادة وقدر عليها ما تستحقه وفق علمه الكاشف الازلى
وقد أحدثت هذه البدعة ردة فعل فظهر على النقيض المجبرة الأوائل ببدعة جديدة
وهى بدعة الجبر ، وتلاحقت ردود الافعال فى الوسط بين البدعتين فظهرت نظرية
الكسب للأشعرى ، اما منهج اهل السنة فى المسألة فخطوطه العريضة تتمثل فى التفريق بين
الارادة الدينية والارادة الكونية القدرية والاعتراف بعلم السابق فى الموجودات فكل نفس
لم يكتب عليها إلا ماتستحق وفق العلم الكاشف الأزلى
بقلم الباحث انور الزعيرى