الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اما بعد :
فإنه ولما كثر عباد الله الصالحون، العلماء الربانيون، المربون المتقون، في زمن الإمام الفاضل: شمس الدين الذهبي، صاحب "سيرأعلام النبلاء"، كان لزاما عليه أن يجمع سيرهم في مؤلف خاص لينال بذلك القربى و الزلفى عند الله عز وجل، بذكرهِ لسيرهم الطيبة العطرة، التي يفوح منها عطر الصدق والإخلاص، و ليضيء الدرب للأجيال من بعدهم: أنَّ هؤلاء هم سلفكم وهذه هي طريقهم وطريقتهم، فاتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.
ولما كثر أهل النفاق والرياء، وكثر السفهاء والأدعياء، وعمت بهم البلوى في هذا الزمان،كان لزاما علينا أن نتقرب إلى الله تعالى بفضحهم وهتك سريرتهم و بيان سيرتهم النتنة، وإرشاد الأنام من أهل أمة الإسلام، إلى مؤامرة هؤلاء السفهاء اللئام، الذين يكيدون للإسلام، والذين يفسدون ولا يصلحون، ويخربون ولا يعمرون، و لنقول لمن بعدنا من أبناء أمة الإسلام، أن هؤلاء هم سلفكم فاحذروهم واحذروا سبيلهم ونهجهم وطريقهم وطريقتهم، وإلا فالعاقبة وخيمة والثمن باهض.
هم سفهاء، ولا عجب.
نعم سفهاء، وهل السَّفه يأتي إلا من أمثال هؤلاء، وهل السَّفه إلا نقص في العقل قبل أن يكون نقصا في الدين.
هم أقوام سفهاء لو شُلَّت أيمانهم ما اتعظت شمائلهم.
أقوام سفهاء، لأن الأصل فيهم الإفساد، الإفساد وفقط، ففيهم الحس الإفسادي قد عشعش واستوطن .
هم سفهاء، جمعوا بين الشرور كلها، شر الجهل والضعف والحمق ورذالة النفس و العقل .
سفهاء، جعلنا من بغضنا لهم طاعة نتعبد بها من كانوا بالأمس يحاربون دينه ورسوله .
سفهاء، لأنهم من سلالة آباء لهب وآباء جهل الباقين، الذين أعطوا العهد لأجدادهم أنهم ملتزمون منضبطون وعلى الطريق ثابتون، وأنهم المتربصون، المجندون على طريق السير إلى الله عز وجل في كل زمان وفي كل مكان، فهم الذين كادوا لنبي الله صلى الله عليه وسلم وشرعته قديما ، ثم لأمته من بعده وسنته حديثا .
قال الملك في عليائه : "ولتستبين سبيل المجرمين" إذن هو مطلب شرعي و منهج رباني وأمر سماوي أن تبين سبيل المجرم وأن تحاربه، وتسعى بشتى الطرق والوسائل في فضحه والتحذير منه ومن أفكاره، واعتقاداته، ومن كل ما قاءه من فمه، أو خطه بيده.
ولما اشتد الخطب بالأمة من كل جانب، واعتصرتها الآلام والمحن من كل متسع ومضيق، واستهزئ بنبي الأمة الكريم وشُرد بأبنائه وأحفاده وأتباعه ومحبيه، كان لزاما علينا من موقف، وحقا علينا من نصر، إذ سلفنا الصالح وهم قدوتنا كان لهم نصيب وافر من ذلك، فإن القوم لما سلمت نياتهم وصدقوا ربهم وسمت هممهم انتقلت عدوى المحبة حتى إلى كلابهم وإليك البيان :
قال ابن حجر - رحمه الله - في ترجمة علي بن مرزوق : ذكر عن جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي أن بعض أمراء المغل تنصر، فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل فجعل واحد منهم ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه، فخلصوه منه .وقال بعض من حضر :
هذا بكلامك في محمد ..
فقال : كلا. بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه ..
ثم عاد إلى ما كان فيه، فأطال،
فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زردمته فقلعها، فمات من حينه.
فأسلم بسبب ذلك نحوأربعين ألفا من المغل . الدرر الكامنة 3/76.
وبمثل هذه القصص افتضحنا، وافتضحت دعوانا بحب الله ورسوله و الله المستعان.
أعود فأقول، أن سير أعلام سفهاء هذه الأمة اللئام، وبيان حالهم وفضح أمرهم أحياءا كانوا و أمواتا، هو حتم لازم وفرض واجب على كل من أحب الله تعالى بصدق، وابتغى عنده الوسيلة، إذ القوم منتسبون إلينا ونحن منهم براء، وإذ القوم يلبسون ثوب الإسلام وهم منه عراة، وهم بهذا لدين الله يَضرون، وللدهماء من المسلمين يُضَللون.
ولكي لا أطيل، فأستعين برب الأرض والسماء في البدء بهذه الفريضة ، وأجعلها في حلقات تلو حلقات، خَطتها يدي في هذا المنتدى المبارك حبا له ولأهله، عسى الله أن ينفعنا وإياهم بما أسطره ، وأن يكون الأمر خالصا لوجهه، وأن يجعلنا من خدام دينه .
وإن بدا التقصير فالعذر أني في الطريق أسير .
ما دعوة أنفع يا صاحبي *** من دعوة الغائب للغائب
ناشدتك الرحمن يا قارئاً *** أن تسأل الغفران للكاتب
وكتبه:
أبو بثينة الجزائري