من عجيب المسائل الفقهية:
ما لو قال المصلي في سجوده: سبحان الله ثلاثاً؛ هل يقوم مقام سبحان الله سبحان الله سبحان الله؛ كما يقوم: أنت طالق ثلاثاً مقام أنت طالق أنت طالق أنت طالق؟!
وهذه المسألة حصل الجدال فيها في اليمن السعيد بين عدة من العلماء؛ منهم العالم يوسف بن حسين البطاح؛ حيث كان يرى الإجزاء تمسكاً بما ذكره الجلال السيوطي في (المنحة في فضل السبحة) من حديث أم المؤمنين التي مر النبي صلى الله عليه وسلم وعنده حصى تعدُّ به التسبيح، وبغير ذلك من الشواهد التي ساقها.
وكان غيره يرى عدم الإجزاء تمسكاً بما ذكره الذؤالي في (حديقة الأذهان في شرح الأحاديث الواردة في الأخلاق الحسان) فإنه ذكر ما حاصله: فرق بين أن يؤتى بالشيء ويكون الغرض منه التقرير، وبين أن يؤتى بالشيء والمراد به التعبير؛ فمن فروع ذلك: ما لو قال المصلي: سبحان الله ثلاثاً = لم يقم مقام سبحان الله سبحان الله سبحان الله؛ لأن هذا من باب التقرير الذي يراد بالتكرير فيه التأثر والتأثير، بخلاف: أنت طالق ثلاثة؛ فإنه من باب التعبير الذي لا يراد منه إلا مجرد إيصال المعنى.
[ذكر هذه الفائدة العلامة الأهدل في ثبته النفس اليماني ص80]
أقول: والصحيح الصواب في المسألة هو القول الثاني؛ وأنه لا يجزئ ذلك.
وقد ذكر الإمام ابن القيم في (الزاد) و(الإغاثة) ما يؤيد هذا القول ويرجحه ويقويه؛ فقال:
( ... قوله: {نؤتها أجرها مرتين} وقوله: {يؤتون أجرهم مرتين} أي: ضعفين، فيؤتون أجرهم مضاعفا، وهذا يمكن اجتماع المرتين منه في زمان واحد. وأما المرتان من الفعل فمحال اجتماعهما في زمن واحد؛ فإنهما مثلان، واجتماع المثلين محال. وهو نظير اجتماع حرفين في آن واحد من متكلم واحد؛ وهذا مستحيل قطعا، فيستحيل أن يكون مرتا الطلاق في إيقاع واحد.
ولهذا جعل مالك وجمهور العلماء من رمى الجمار بسبع حصيات جملة = أنه غير مؤدي للواجب عليه؛ وإنما يحتسب له رمي حصاة واحدة فهي رمية لا سبع رميات.
واتفقوا كلهم على أنه لو قال في اللعان: أشهد بالله أربع شهادات أني صادق كانت شهادة واحدة، وفي الحديث الصحيح: "من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"، فلو قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة هذا اللفظ = لم يستحق الثواب المذكور وكانت تسبيحة واحدة.
وكذلك قوله: "تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون ثلاثا وثلاثين وتكبرون أربعا وثلاثين"؛ لو قال: سبحان الله ثلاثا وثلاثين لم يكن مسبحا هذا العدد حتى يأتي به واحدة بعد واحدة.
ونظائر ذلك في الكتاب والسنة أكثر من أن تذكر).
وقد أتى في أبحاث هيئة كبار العلماء في المملكة قولهم:
(ومن طلق ثلاثا، أو طلقتين دفعة = لم يفعل ما أمر به، فكان مبتدعا في طلاقه، كما أن من قال: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين عقب المكتوبات مكتفيا بذكر اسم العدد عن تكرار كل من التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة = لم يكن آتيا بما أمر به كما أمر، فكان مبتدعا).
أقول: ناهيك عن مخالفته للهدي النبوي الوارد عنه عليه الصلاة والسلام في تعليم صحابته، أو نقلهم عنه كيفية الصلاة أفعالاً وأقوالا. فتأمل
وهذه فائدة علّقتها للفائدة.