كنت أقرأ في ثبت العلامة عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ت1250هـ (النفس اليماني)؛ فكان مما وقع ناظري عليه قوله منافحاً عن أوهام العلامة السيوطي في جامعه الصغير في مخالفته لما قدم به كتابه من قوله: (وصنته عما تفرد به وضّاع أو كذاب) وأنه فعلاً قد وقع في كتابه ما صانه عنه؛ قال:
( ... واغتنام فضيلة الانتظام في سلسلة الإسناد الوارد تعظيم شأنه عن أفضل الخليقة والعباد عليه الصلاة والسلام ما أخرجه الديلمي في مسنده الفردوس عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده"، وقد أورد الحافظ الجلال السيوطي هذا الحديث في جامعه الصغير الذي قال في خطبته: (ونزهته عن كذابٍ أو وضاع)، والظن الغالب أن مثل الجلال لا يطلق هذا المقال تجوزاً أو تساهلاً أو تسامحاً أو استرواحاً؛ وإن أطال الانتقاد عليه بعض شرّاحه؛ فباب التأويل باب واسعٌ، وكلام العاقل فضلاً عن العالم عن المجتهد = يصان عن وصمة الإهمال ويعز بتوسيع دائرة الأعمال ما أمكن).

أقول: كذا نافح ودافع رحمه الله عن بعض أوهام العلامة السيوطي الواضحة المعروفة المشهورة المحققة في كتابه الجامع الصغير!!
ولعل هذا من الثقة الزائدة عن الحد، أو هو التقليد الأعمى بلا سبرٍ ولا تمييز. فالله المستعان

قال العلامة الفهامة الإمام الصنعاني في شرحه لمقدمة العلامة السيوطي عند قوله هذا؛ قال:
(واعلم أن المصنف رحمه الله قد صرّح أن كتابه هذا خلا عن أحاديث من ذكر من أهل الوضع والكذب، وهذه الشريطة ما تَمَّ مفاده بها، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، ولأنه قال في خطبة الجامع الكبير: إنما كان من الأحاديث منسوبا للبيهقي في الضعفاء، ولابن عدي في الكامل، وللخطيب في تاريخه، ولابن عساكر في تاريخه، وللحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وللحاكم في تاريخه، ولابن الجارود في تاريخه، أو للديلمي في مسند الفردوس؛ فهو ضعيف وأنه سيغني بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه، هذا معنى كلامه.
والضعيف يشمل الموضوع شمول الأعم للأخص). التنوير 1/159.

أقول: هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فقد حصل وهمٌ آخر واضطرابٌ في نقل رمز الحديث في نسخ الجامع الصغير؛ فإنه في نسخةٍ رمز لضعفه، وفي أخرى رمز لصحته!!
أما نسخة رمز الضعيف فهي نسخة المناوي، ونسخة رمز الصحيح هي نسخة الصنعاني.. ولا يخفى أن الإمام الصنعاني قد اجتهد اجتهاداً كبيراً في تحرير نص الجامع الصغير بكل ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ ولا يقارن عمله بعمل المناوي _ وإن سبقه _ ولا كرامة.. فكان الصواب هو اشارة المصنف إلى صحة الحديث عنده.
قلت: ويؤيد هذا أن المصنف نفسه _ العلامة السيوطي _ قد أخرج هذا الحديث بسنده في كتابه بغية الوعاة 2/422؛فيما انتقاه من أحاديث من الطبقات الكبرى؛ فقال في أول الانتقاء: (وَهَذَا بَاب فِي أَحَادِيث منتقاة من [الطَّبَقَات الْكُبْرَى] عنَّ لنا أَن نختم بهَا هَذَا الْمُخْتَصر ليَكُون الْمسك ختامه، والكلم الطّيب تَمَامه). فتأمل
وهذا يرد على المدعو الغماري في كتابه المداوي 1/459؛ لما أن قال بعد إيراده حكم الذهبي عليه بالوضع: (وهذا ظاهر؛ فما أدري كيف أدخله المصنف هنا؟!).

أقول: وهيهات أن يصح هذا الحديث أو يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما تفرد به مسعدة بن صدقة!!
فلذلك أعقب الإمام الصنعاني إدخال هذا الحديث في جامعه الصغير بعد أن قدم المصنف تلك المقدمة؛ فقال: (وقد عرفت أن المصنف قال في الديباجة: أنه جرده عن حديث الكذابين والوضاعين).

ومسعدة بن صدقة العبدي هذا لا يكاد يعرف؛ فقط اسمه يتردد وأنه من شيعة ورجال جعفر الصادق رحمه الله تعالى، وليس هو من أهل الرواية أصلاً؛ فهو على ما أفاده الإمام الدار قطني (متروك).
وقال ابن عراق الكناني عنه: (مسْعدَة بن صَدَقَة عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن آبَائِهِ بِخَبَر كذب).
وقال الحاكم عقيب روايته له: (وهذا غريب؛ لم نكتبه إلا عن ابن شقير).
وقد حكم عليه شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله بأنه كذب، والذهبي بأنه موضوع.

ويكاد يشتهر بهذا السند؛ أعني: عن جعفر بن محمد عن آبائه.. فكأنه آفته بلا جدال.
صاحب غرائب ومناكير لا تخفى؛ قد نقد روايته الحافظ أبو نعيم رحمه الله لما أن روى خبراً هو آفته؛ فقال: (هذا حديث غريب من حديث الربيع ومن حديث الثوري لم يروه إلا سعدة بن صدقة وعبد الرحيم بن واقد).
والعجيب أني قد وجدت هذا الشخص من رجال الشيعة في كتبهم؛ كما في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه وغيره؛ طبعاً هو عندهم ثقة!!!!!

طبعاً هذا فقط نقدٌ لرجلٍ واحدٍ من رجال السند المسلسل بالمجاهيل الذين لا يعرفون، والمتروكين. فتنبه


· ومن ناحية أخرى: هذا الخبر عزاه السيوطي إلى:
(1) الحاكم في [معرفة علوم الحديث].. وهذا وهمٌ آخر منه رحمه الله؛ فليس هو في المعرفة إطلاقاً؛ بل هو على الصواب مما أخرجه في كتابه المدخل؛ والذي للأسف لم أقف عليه فيه؛ فالنسخ المطبوع عليها الكتاب ناقصةٌ ولا تفي بالمطلوب، وقد قال الإمام الزركشي في النكت على كتاب ابن الصلاح: (وَقد روى الْحَاكِم فِي مدخله .. ) فساقه.
وهو السند نفسه الذي أورده الإمام السمعاني في أدب الإملاء ص4، وابن عساكر في تاريخ دمشق 36/390، والسجزي في الأول من منتخب السبعيات رقم (7 مخطوط)، والسيوطي في البغية 2/421 من طريق الحاكم. فتأمل

(2) أبو نعيم.. هكذا ولم يذكر أين، ولم أقف عليه في شيء من كتب أبو نعيم المطبوعة... لكنني وجدت أن العلامة السيوطي نفسه كما في التدريب قد عزا هذا الخبر إلى الدَّيْلَمِيُّ في مسنده.. ولم أقف عليه.
ووجدت أن المدعو الغماري في المداوي قد قال: (رواه الديلمي من طريق أبي نعيم: ثنا عبد الرزاق بن محمد بن داود، ثنا محمد بن الحسن الخثعمي، ثنا عباد بن يعقوب، عن سعيد بن عمرو، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي به)!!
ولا أدري من أين وقف على هذا؟!
(3) ابن عساكر.. في تاريخه وقد مر آنفاً.

(فائدة):
قال الإمام الذهبي عن هذا الخبر: (وقع لنا في آخر الكنجروذيات).
قلت: أورد هذا الخبر من طريق الكنجروذي؛ القزويني الرافعي في تاريخه 2/261؛ فقال:
(أحمد بْن أبي المحاسن المعقلي الْقَزْوِينِيّ؛ أبو الفوارس: سمع ببر دشير كرمان [العوالي] الَّتِي جمعها الحافظ أَبُو الفتيان الدهستاني من أَحْمَد بْن الحسن بْن أَحْمَد الجرجاني سنة خمس وخمسين وخمسمائة بسماعه منه؛ وفيها:
أنا أَبُو سعد الكنجروذى، أنبأ الحاكم أبو عبد الله الحافظ، أخبرني عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَعْقُوبَ بن شقير المقرئ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، ثنا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنَزِيُّ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَتَبْتُمُ الْحَدِيثَ فَاكْتُبُوهُ بِإِسْنَادِهِ فإن يك حَقًّا كُنْتُمْ شُرَكَاءَ فِي الأَجْرِ، وَإِنْ يَكُ بَاطِلًا كَانَ وِزْرُهُ عليه").