الفكر لفظ يطلق على الإجراء وعلى النتيجة , فعمل العقل وتأمله ومقارناته واستنتاجاته تسمى (فكراً) ونتائج ذلك من مقروء أو مسموع أو مرئي يسمى (فكراً) كذلك , وأعني هنا الأفكار المتعلقة بذات الإنسان عقلاً وشعوراً وإرادة , أو ما يعرف بالفلسفة والعلوم الإنسانية , وفي هذا الزمان كثرت الأفكار, وكثر المفكرون ,وأصبح عددهم يقارب أعداد علب البيبسي , كل يدعي أنه مثقف ومفكر, وكما قال المتنبي:
كدعواك كل يدعي صحة العقل ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل
بيد أ ن من أبشع مظاهر هذه الظاهرة أن فئة من الناس أصابها الغرور النفسي وأدركها الطغيان القاروني , إما لكثرة قراءة وإطلاع , وإما لكثرة كتابة وتأليف أو لكثرة كلام وتحدث.
إذا رأيت هذا الصنف من الناس رأيت عجبا من حالات الاستعلاء والعجب والتعالي بالمعلومات والثقافة , يخرج بعضهم على الناس (بزينة ) الفكرية (مقال )أو (كتاب) أو (حديث) فيقول بعض الناس (يا ليت لنا مثلما أوتي قارون) ويذهل آخرون ويندهشون, ويشيدون بسعة المعلومات وعمق الثقافة , وما علموا أن إبليس أكثر ثقافة من أي مثقف وأوسع اطلاعاً وأعرف بأحوال كثيرة لايعرفها جماعة من المثقفين والمتفلسفين فضلاً عن آحادهم.
وإذا سألت قاروناً فكرياً من أين لك هذا ؟ وما مستندك ؟ تمطى وقال (إنما أوتيته على علم عند ي) ناسياً الذي وهبه العقل وسخر له المعلومات , بل بعضهم يستخدم هذه الموهبات الربانية لنقض التدين ونقد الدين (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولاكتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله بغير علم ).
انظر إلى (قارون الفكر ) وهو يرد النص الشرعي , وينادي بتقد يم العقل عليه , أو بتحكيم العقل فيه , أو بإلغاء قدسية النص , أو بأنسنة الوحي , ثم انظر إلى المخدوعين والمشدوهين الذين يرون في الهراء ذكاء , وفي التخبط جودة , وفي الجهالة علما وإدراكا وبصيرة (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)
(القارونية الفكرية ) تشابه القارونية المالية في التعاظم والاتنفاش , وتشابه الزبد الذي يظهر على وجه الماء وهو منتفخ منتفش ولكنه لا يلبث أن يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض, وكما خسف الله بقارون الأول الأرض , فقد خسف بقارونة كثر, فقارونية أرسطو خسفت بها فلسفات حديثة , وقارونية ماركس خسفت به حاجات الفرد الفطرية , وقارونية " داروين خسفت بها الحقائق العلمية , وقارونية السوبرمان النتشوية العنصرية خسفت بها اضطرار العقل إلى المساواة في الخلق, وقارونية الحداثة خسفت بها ما بعد الحداثة , وهكذا كل قارونية فكرية ستظهر سيأتي عليها خسف أو مسخ أو زلزال , وما هي عن اللبرالية والعلمنة والعولمة ببعيد ( والله متم نوره ولو كره الكافرون) ولكن الذين لا يرون إلا أنوفهم لا يدركون هذه الحقيقة , والذين لا يؤمنون بناموس الله في الكون لا يفهمون معنى قوله تعالى(فذرهم في خوضهم يلعبون) ولا يعقلون مضمون قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم والويل مما تصفون)
سعيد بن ناصر الغامدي26/2/1426هـ