حلم ثقيل (قصة)
السيد شعبان جادو
انقبض صدري صبيحة هذا اليوم، نمتُ مبكرًا - ليلةً كاملة - وحين تكون الأحلام مقبضة، تعلمون أنني مرهف الحس، يقظ الشعور، تلك سمتي التي حافظت عليها منذ كنت فتى يروح ويغدو، وتملأ الحياة رئتيه، هذه حالة طارئة، أحاطتني لما تخلَّل الواقع من مرارة طافحة، هذا الإنسان يثير لدي الحنق، بل أحسَبه ثقيل الدم، لا أُطيق مصافحته، كثير من الناس يُمثلون لديَّ الطيبة والصفاء، أما هذا الكائن فلا أدري لِمَ أتجنَّبه؟!
هل لأنه ظاهرة كلامية؟
طبل أجوف؟
لكن المؤكد أنه يعد هولة كبيرة، اليوم تصبَّحت به، حاولت أن أفِرَّ من أمامه، لا طاقة لي بالمنازعة، ولست غير ليِّن الجانب، رحم الله جدتي كانت تعيذني كل مطلع شمس من شَرِّ حاسدٍ إذا حسد.
رغم هذا انتابتني حالة من العناد أن أُلقي عليه السلام، بادرة طيبة أن أتخلص من هذا الهاجس الذي يترصدني، كثير من الآراء عن الآخرين نتعاطاها على سبيل الوهم، تسارعت دقات قلبي حين فعلت هذا، أسرعت في مشيتي لا أنظر خلفي، في الحقيقة كنت أهرُب من مرض لازمني طويلًا، كانت المفاجأة أن حذائي الذي لم يمض عليه في قدمي غير يومين، تمزقت مؤخرته، هذا أكد لي أن سهمًا تبِعني من عينه السوداء، كان من جلد تمساح نيلي، هكذا قالت لي الفتاة التي في المحل، هي جميلة الوجه ذات ملامح آسرة، تجاذبت معها الحديث في سعة، بعدها نقدتها الثمن دون أن أدري أنني وقعت ضحية خداع لذيذ، بدا لي هذا حين وقفت ونظرت في زوجي الحذاء، لم تكن عينه السوداء لتضرب من جميع الاتجاهات، تحسَّرت؛ فما عادت لي قدرة على شراء آخر حتى ينتصف العام، سأُخفي هذا عن زوجتي، فهي ماهرة في تقصِّي الأسباب، وأنا لديها كتاب مفتوح، ومهما بررت بعين هذا الرجل ذي الوجه المجدر والرأس الأصلع، فلن تصدق، يوم أن اشتريت هذا الحذاء كنت منتشيًا على غير العادة، وضعت عطرًا نافذًا، ترنَّمت بأغنية ذات كلمات مدللة، في السر عانقت طيف بائعة الأحذية، الآن كم أشعر بخفة عقلي!
مررت على موزع الصحف، تلك عادة لدي أن أُطالع العناوين في عجالة، هو يعرف شغفي بالأخبار، بصبر يدفعني مرة، وأخرى ينال جنيهًا لقاء قراءة متأنية لكلِّ ما على الطاولة، هذه المرة وجدت قصة رائعة لكاتب يجيد صياغة الحدث ويطيل السرد، رجل تطارده فتاة شقراء!
استهوتني هذه الجملة: "انجذب إليها كمن يدور حول مصباح متوهج"، هل لأن هذه تعبر عن حالتي؟
الخوف من الآخرين، الفراغ القاتل والوحشة، كل هذا حدث لي في الفترة الماضية، القصة كانت جِدَّ رائعةٍ، بَحثت عن عنوان لها، فهالني أنها ذات يوم كانت تحت وقعِ قلمي، الغريب أن كاتبها المدون اسمه أسفلها كان ذلك العجوز ذا الوجه المجدر والرأس الأصلع، اشتريت الصحيفة، جلست في مكان منعزل، ومِن ثَم بدأت أقارن بين مفرداته وبين ما كتبتُه ذات يوم، الغريب أنه سرد حكاية حذائي وفتاة المحل وحديث زوجتي، يعرف كل التفاصيل، أيقنت أنه يترصدني في غير ملل، لكن السر وراء ذلك ظهر جليًّا، أنا هو في صورته التي ابتعدت عنها، لا يمكن لأحد أن يكتب بهذه الدقة، ولا أن يصوِّر هذه الحالة التي تخصني، إلا أن يكون متلبسًا بي، الهلع سيطر علي، تأكد لي أن الشيطان تلبسني، يهزأ بي، يدفعني لحالة من جنون.
صحوت من نومي مندهشًا!