قراءة في حكم التصوير الآلي بنوعيه الثابت والمتحرك
الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام الأولين والآخرين, وعلى آله، وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فهذا بحث مختصر كتبته بعد القراءة في الكتب عن هذا الموضوع المهم، وخلصت فيه إلى النتائج التالية:
- أن مسألة التصوير الآلي، مسألة حادثة، ونازلة من نوازل هذا العصر المهمة، التي لم تكن في عهد النبوة، ولا عهد أئمة الإسلام المتقدمين.
- أن مسألة التصوير الآلي، مسألة يتكرر السؤال عنها كثيراً، وعمت بها البلوى في كل شيء، وفي كل مكان، وهذا مما يدل على أهمية بحثها.
- أن مسألة التصوير الآلي من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، والتي تختلف فيها أنظار أهل العلم، ويفتي كل واحد منهم بما أداه إليه اجتهاده، وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها.
- إن الذين تكلموا في مسألة التصوير الآلي من العلماء الكبار، فمنهم من بيَّن رأيه في مؤلف مستقل وهذا قليل، ومنهم من كان رأيه مبثوث في شروحه على الكتب الفقهية والاعتقادية، ومنهم من بيَّن رأيه في فتوى أصدرها.
- إن أغلب من كَتَبَ في مسألة التصوير الآلي، عرض الرأي المخالف، وناقشه مناقشة علمية.
- ترى قلة الفقهاء المعاصرين الذين يذكرون الكيفية التي يتم بها التصوير الآلي، ومن ثم يبنون الحكم الفقهي على تلك الكيفية؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
- أن التصوير من أعمال الجاهلية المذمومة التي ورد الشرع بمخالفتها، ولذا تكاثرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح والمسانيد والسنن بالنهي عن التصوير والتشديد فيه، ولعن المصورين ووعيدهم بأنواع الوعيد.
- أن الأصل في التصوير التحريم وهذا بالاتفاق.
- إن الخلاف في مسألة التصوير الآلي لا يرجع إلى الخلاف في أصلها، وهو حكم التصوير، فجميع العلماء متفقون على تحريم التصوير، بل وأنه من كبائر الذنوب، لكن الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى تحقيق علة تحرم التصوير في التصوير الآلي.
- أن علة تحريم التصوير المنصوص عليها في الأحاديث، هي: المضاهاة بخلق الله، وهناك علل أخرى مختلف فيها بين العلماء، ومنها: أنه وسيلة للشرك والتعظيم والغلو في الصور واتخاذها أصناماً تعبد من دون الله كما وقع لقوم نوح، وأنه وسيلة لفساد الأخلاق وللفتنة بالصور العارية للنساء والمردان.
- اختلفت طرائق العلماء في تقسيم التصوير، فمنهم من قسمه باعتبار الحكم إلى تصوير محرم وجائز، ومنهم من قسمه باعتبار المصوَّر به إلى تصوير يكون باليد وبالآلة، ومنهم من قسمه باعتبار المصوَّر إلى تصوير ما لاروح فيه وما له روح، وهذا التقسيم هو الذي جرى عليه أغلب العلماء:
القسم الأول: تصوير ما لاروح فيه، كتصوير كالبنيان والنبات، وهذا كله جائز مطلقاً، سواء كان التصوير باليد مجسَّماً أم ملوناً، أو كان التصوير بالآلة، وهذا محل إجماع من أهل العلم.
القسم الثاني: تصوير ما له روح، كالإنسان والحيوان، فإن كان التصوير باليد، فهذا حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا فرق بين أن تكون الصورة مجسمة ذات ظل فهذه حرمتها محل اتفاق، أو تكون الصورة رسماً بالتلوين والتخطيط فهذه محرَّمة على قول الجمهور، وأما التصوير بالآلة فموضع خلاف بين الفقهاء المعاصرين، بين مانع ومجيز.
- استثنى جمهور العلماء من التصوير المحرم أموراً أجازوا فيها التصوير:
الأمر الأول: الصور الممتهنة، كالصور التي تكون في البسط والوسائد والأحذية، فنقل النووي رحمه الله عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين جوازها، وقال: (هو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي، وهو كذلك مذهب الحنابلة).
الأمر الثاني: لعب البنات، قال النووي رحمه الله: (يستثنى من منع تصوير ما له ظل ومن اتخاذه لعب البنات، لما ورد من الرخصة في ذلك)؛ وذلك لأن فيها نوع امتهان؛ ولأن فيها تعويداً للبنات على الشفقة على الصغار وتربيتهم.
- إن الذين حرموا التصوير الآلي نظروا إلى النص فمنعوه؛ وقالوا: إن التقاط الصورة بالآلة داخل تحت عموم الألفاظ النبوية القاضية بتحريم التصوير، والذين أجازوه نظروا إلى العلة؛ وقالوا إن العلة هي مضاهاة خلق الله، والتقاط الصورة بالآلة ليس مضاهاة لخلق الله, بل هو تصوير عين ما خلق الله.
- إن الذين حرموا التصوير الآلي أجازوه إذا دعت إليه الضرورة أو المصلحة الراجحة، كالتصوير للتعليم والدعوة إلى الله، والتصوير لأجل بطاقة الأحوال وجواز السفر ورخصة القيادة لمنع التزوير، وكتصوير الأعداء في ميادين الحروب لمعرفة تجمعاتهم وتحركاتهم، وكتصوير المجرمين والمشبوهين لمحاربتهم ومراقبتهم، ويكون ذلك من باب كل ما حرم سداً للذريعة يباح عند المصلحة الراجحة، أو من باب الإكراه على الشيء، أو من باب الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
- أن هناك من الذين حرموا التصوير الآلي الثابت أجازوا التصوير الآلي المتحرك، وقالوا أن التصوير الآلي الثابت تكون الصورة فيه ثابتة على الورق، بينما التصوير الآلي المتحرك لا تبقى الصورة ثابتة بل تختفي بمجرد إطفاء جهاز العرض.
- أن من أباح التصوير الآلي أجرى فيه الأحكام الخمسة كسائر المباحات، فتارة يجب، وتارة يُستحب، وتارة يُباح، وتارة يُكره، وتارة يَحْرُم بحسب القصد، وقالوا: إذا اشتمل التصوير الآلي على المحرم صار حراماً، كأن يشتمل على صور نساء متبرجات.
- إن الأبرأ والأحوط للدين الابتعاد عن التصوير الآلي بنوعيه الثابت والمتحرك، ما لم تدعو الضرورة أو الحاجة الملحة إليه؛ لأنه من المتشابهات ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وأيضاً خروجاً من خلاف العلماء الشديد فيه، والسلامة أسلم.

وأسأل الله الكريم أن يمن علينا، وعلى جميع المسلمين باتباع كتابه الكريم, والتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم, وأن يعصمنا من مضلات الفتن، واتباع شهوات النفوس, وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان.

أخوكم/ أبو القاسم المحمادي.