تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: نظرات في( انتقادات الحافظ ابن حجر العسقلاني لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني )

  1. #1

    افتراضي نظرات في( انتقادات الحافظ ابن حجر العسقلاني لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني )

    بسم الله الرحمن الرحيم


    انتقادات الحافظ ابن حجر العسقلاني لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني



    الدكتور خالد كبير علال


    -حاصل على دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر-

    المدرسة العليا للأساتذة –بوزريعة-
    انتقد الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هجرية) ، شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية (ت 782 هجرية ) ، في بعض آرائه و اجتهاداته المتعلقة بالحديث و التاريخ و أصول الدين ، انتقده فيها بناء على ما ظهر له أنه جانب الصواب و لم يُوفق فيها ، و قد عثرتُ له منها على سبعة انتقادات ، فما هي هذه الانتقادات ؟ ، و هل أصاب فيها ؟ .
    أولا : انتقاده لابن تيمية في حديث شد الرحال :
    عندما تطرق الحافظ بن حجر لموضوع شد الرحال لزيارة قبر النبي-عليه الصلاة و السلام- ، أشار إلى موقف الشيخ ابن تيمية منها ، و ذكر أن خُصومه ألزموه القول : ((بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- و أنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطرفين يطول ، وهي من أبشع المسائل المنقوله عن بن تيميه ، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرتُ قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبا لا أصل الزيارة ، فإنها من أفضل الأعمال واجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال ، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع و الله الهادي إلى الصواب . قال بعض المحققين قوله إلا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف فأما أن يقدر عاما فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة أو أخص من ذلك ، لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها ، فتعين الثاني و الأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة، و هو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين والله أعلم [1] )) .
    ذلك ما قاله ابن حجر ، فما هو تفصيل موقف ابن تيمية من مسألة شد الرحال ؟ ، و هل يصح انتقاد ابن حجر له ؟ . أولا إن لشيخ الإسلام ابن تيمية كلاما كثيرا مفصلا حول موضوع شد الرحال ، نذكر منه مقتطفات حسب ما يستدعيه المقام ، فمن ذلك إنه عندما ذكر حديث الرسول-صلى الله عليه و سلم- (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي ومسجد الأقصى ))[2] . ، قال : ((يتناول المنع من السفر إلى كل بقعة مقصودة ، بخلاف السفر للتجارة وطلب العلم ونحو ذلك فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت ، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله فإنه هو المقصود حيث كان )) [3] ،و قال أيضا : (( فالمسافر إلى الثغور ، أو طلب العلم ، أو التجارة ، أو زيارة قريبه ، ليس مقصوده مكانا معينا إلا بالعرض إذا عرف أن مقصوده فيه ، ولو كان مقصوده في غيره لذهب إليه فالسفر إلى مثل هذا لم يدخل في الحديث باتفاق العلماء ، وإنما دخل فيه من يسافر لمكان معين لفضيلة ذلك بعينه ، كالذي يسافر إلى المساجد وآثار الأنبياء كالطور الذي كلم الله عليه موسى ، و غار حراء الذي نزل فيه الوحى إبتداء على الرسول ، و غار ثور المذكور في القرآن في قوله : (( إذ هما في الغار ))، وما هو دون ذلك من المغارات والجبال ، كالسفر إلى جبل لبنان ،ومغارة الدم و نحو ذلك . فإن كثيرا من الناس يسافر إلى ما يعتقد فضله من الجبال والغيران، فإذا كان الطور الذي كلم الله عليه موسى وسماه البقعة المباركة و الوداى المقدس لا يُستحب السفر إليه ، فغير ذلك من الجبال أولى أن لا يسافر إليه و قولي بالإجماع أعنى به إجماع السلف والأئمة ، فإن الصحابة كابن عمر و أبى سعيد وأبى بصرة وغيرهم فهموا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد )) إن الطور الذي كلم الله عليه موسى وسماه الوادي المقدس و البقعة المباركة داخل في النهى ، ونهوا الناس عن السفر إليه ولم يخصوا النهى بالمساجد ))[4].
    و قال أيضا : إن حديث شد الرحال يعم نهيه(( السفر إلى المساجد والمشاهد ، وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب والعبادة ، بدليل أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري لما رأى أبا هريرة راجعا من الطور الذي كلم الله عليه موسى قال : لو رأيتك قبل أن تأتيه لم تأته لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال :(( لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد )) . فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء مندرجة في العموم، وأنه لا يجوز السفر إليها كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة ))[5] .
    و ثانيا إنه يتبين- مما ذكرناه- أن الشيخ ابن تيمية قد تناول المسألة من مختلف جوانبها ، و احتج لرأيه بالشرع و العقل و موقف السلف ، و هو لم يُحرم زيارة قبر النبي-عليه الصلاة و السلام- ،و إنما حرّم تخصيصه بشد الرحال من أجله لزيارته ، أو من أجل مكان آخر يقصده للعبادة . و هو قد فرّق جيدا بين السفر المحرم المقصود بالزيارة للعبادة ، و بين السفر غير المحدد ببقعة مقصودة محددة. كما أنه لم يجعل الحديث عاما يشمل كل سفر تُشد الرحال إليه ، فقد استثنى السفر للجهاد و طلب العلم ،و زيارة الأقارب ،و خصصه بالبقاع الثابتة المفضلة المقصودة بالزيارة للعبادة و التبرك و التقرب .
    و تبين أيضا أن عرض ابن حجر لموقف ابن تيمية من المسألة كان عرضا ناقصا لم يحط به،و لم يُفصّل أدلته . علما بأنه –أي ابن تيمية- لم يُحرم زيارة قبر النبي تحريما مطلقا ، و إنما حرم شد الرحال إليه ،و هذا أمر لم يُوضحه ابن حجر جيدا في كلامه المنقول عنه سابقا ؛ فقد أخلط بينه و بين تحريم شد الرحال ، حتى أنه ذكر كلاما قد يُفهم منه أن ابن تيمية يُحرم زيارة قبر النبي مطلقا .
    كما أن قوله بأن معارضي ابن تيمية ألزموه القول بتحريم شد الرحال لزيارة قبر رسول الله-عليه الصلاة و السلام- ، هو قول غير وارد و لا يصح ، لأن ابن تيمية قال صراحة و مرارا بأنه لا يجوز شد الرحال لزيارة قبر النبي ، فكيف يُلزمونه القول بتحريمه ؟ ! .
    و أتضح أيضا أن الشيخ ابن تيمية كان أقوى حجة ، و أوضح دليلا مما احتج به الحافظ ابن حجر ، الذي كان احتجاجه ناقصا ضعيفا- بالمقارنة إلى ما احتج به ابن تيمية-، الأمر الذي لا يسمح بأن نصف موقف ابن تيمية من شد الرحال بأنه : (( من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية )) على حد قول الحافظ ابن حجر[6] . فأين هذه البشاعة ؟ ، فنحن لم نجدها فيما أطلعنا عليه من موقف ابن تيمية من هذه المسألة ! .
    ثانيا : انتقاده لابن تيمية في حديث رد الشمس لعلي :
    ذكر الحافظ بن حجر حديثا مفاده أن أسماء بنت عميس روت أن النبي –صلى الله عليه و سلم- ((دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت . وهذا أبلغ في المعجزة ، وقد أخطأ بن الجوزي بإيراده له في الموضوعات ، وكذا بن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه ، والله أعلم ))[7] . فالحافظ ابن حجر صحح الحديث و رأى فيه معجزة للنبي-عليه الصلاة و السلام- ،و خطّأ الشيخين ابن الجوزي و ابن تيمية في رفضهما لحديث رد الشمس جعله من الأحاديث الموضوعة المكذوبة . فما هي تفاصيل موقف ابن تيمية ؟ ، و هل ما ذهب إليه ابن حجر صحيح ؟ .
    أولا فبخصوص الشيخ تقي الدين بن تيمية فيرى أن حديث رد الشمس لا يصح ،و قد رده المحققون من أهل العلم و المعرفة بالحديث ، و يعلمون أنه كذب موضوع[8] . و هو-أي ابن تيمية- قد جمع طرق هذا الحديث و نقدها ، و انتهى إلى أن جميع أسانيده لا تصح ، عندما قال : (( و ليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يُعلم عدالة ناقليه و ضبطهم ، و لا يُعلم اتصال إسناده ))[9] . و هذا الحديث ليس (( في شيء من كتب الحديث المعتمدة ، لا رواه أهل الصحيح ، ولا أهل السنن ، ولا المساند أصلا ، بل اتفقوا على تركه و الإعراض عنه ، فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة التي هي لو كانت حقا من أعظم المعجزات المشهورة الظاهرة ولم يروها أهل الصحاح والمساند ، ولا نقلها أحد من علماء المسلمين وحفاظ الحديث ، ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة ))[10] .
    و قال أيضا : لا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها ، و هو من (( أعظم خوارق العادات في الفلك ، و كثير من الناس ينكر إمكانه ، فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه و نقله ، فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع ))[11] .كما أن كثيرا من الصحابة كانوا مع رسول الله-عليه الصلاة و السلام- ، في حادثة بني قريضة ،و قد فاتتهم صلاة العصر فلم يصلوها إلا بعد غروب الشمس ، و ليس علي بأفضل من النبي- صلى الله عليه وسلم- فإذا صلاها هو وأصحابه معه بعد الغروب ، فعلي وأصحابه أولى بذلك ، فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزيء أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى برد الشمس ، وإن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها . وأيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان علم بيان كذبهم في ذلك ، وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس و مع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه ، ونزل به القرآن فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار ولا يشتهر ذلك ولا ينقله أهل العلم نقل مثله ))[12] .
    و ثانيا إن إنكار حديث رد الشمس لعلي ليس خاصا بابن تيمية وحده ، فقد أنكره علماء كبار محققون ، منهم : أبو حنيفة النعمان ، و أحمد بن حنبل ، و ابن زنجويه ، و يعلى الطنافيسي ، و ابن حزم الظاهري ، و ابن ناصر السلامي ، و أبو القاسم بن عساكر ، و ابن الجوزي ، و أبو الحجاج المِزي ، و شمس الدين الذهبي ، و أبو الفداء بن كثير ، و محمد بن علي الشوكاني[13] .
    و قد توسع في انتقاد حديث رد الشمس : أبو بكر بن زنجويه ، و ابن الجوزي ، و ابن كثير ، فالأول قال: فان قال قائل من الروافض : إن أفضل فضيلة لعلي وأدل دليل على إمامته هو رد الشمس له عندما فاتته صلاة العصر . قيل له : هذا حديث (( ضعيف جدا لا أصل له ، وهذا مما كسبت أيدي الروافض ، ولو ردت الشمس بعد ما غربت لرآها المؤمن والكافر ونقلوا إلينا أن في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا ردت الشمس بعد ما غربت . ثم يقال للروافض أيجوز أن ترد الشمس لأبي الحسن حين فاتته صلاة العصر ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين والأنصار وعلي فيهم ، حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق ؟ ! ))[14] .
    و أما الثاني-أي ابن الجوزي- فقد انتقد الحديث إسنادا و متنا ، و كان مما قاله : هذا حديث موضوع بلا شك ، و قد اضطرب الرواة فيه ، فمن رواته : فضيل بن مرزوق ، ضعفه يحيى بن معين ، و قال فيه ابن حِبان : يروي الموضوعات ،و يُخطئ على الثقاة[15] . و قال أيضا : ((و من تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضله ولم يتلمح عدم الفائدة ، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء ، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع ))[16] .
    و الثالث-أي ابن كثير- فإنه توسع في نقد الحديث إسنادا و متنا ، فكان مما قاله : (( هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه ، فلا تخلو واحدة منها عن شيعي ومجهول الحال وشيعي ومتروك . و مثل هذا الحديث لا يُقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده ، لأنه من باب ما تتوفر الدواعي على نقله ، فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك . و نحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى وبالنسبة إلى جناب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فقد ثبت في الصحيح أنها رُدت ليوشع بن نون ، وذلك يوم حاصر بيت المقدس و اتفق ذلك في آخر يوم الجمعة ،وكانوا لا يقاتلون يوم السبت ، فنظر إلى الشمس و قد تنصفت للغروب، فقال : إنكِ مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها عليّ ، فحبسها الله عليه حتى فتحوها . ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم جاها وأجل منصبا، و أعلى قدرا من يوشع بن نون ، بل من سائر الأنبياء على الاطلاق ، ولكن لا نقول إلا ما صح عندنا عنه، ولا نسند إليه ما ليس بصحيح ، و لو صح لكنا من أول القائلين به و المعتقدين له و بالله المستعان ))[17] .
    و قرر أيضا أن ذلك الحديث طرقه مركبة مصنوعة ، مما عملته أيدي الروافض ، الذين عددوا طرقه ،و تنقل فيما بينهم ، فلو كان صحيحا لاقتضى ذلك نقله بالتواتر ،و بما أنه لم يُنقل بالتواتر دل على أنه ليس صحيحا .و كيف يقع (( مثل هذا نهارا جهرة ، و هو مما تتوافر الدواعي على نقله ، ثم لا يُروى إلا من طرق ضعيفة منكرة ))[18] .
    و تعليقا على هؤلاء أقول : إن الحافظ ابن حجر قد خطّأ الشيخين ابن الجوزي و ابن تيمية في إنكارهما لذلك الحديث و قولهما بوضعه ، من دون أية مناقشة لهما و لا تحقيق للحديث إسنادا و لا متنا . و كان عليه أن يُثبت ما ذهب إليه ،و لا يكتفي بما نقلناه عنه ، فذلك ليس ردا علميا ،و لا هو جوابا شافيا كافيا لرد ما ذهب إليه ابن الجوزي و ابن تيمية .
    كما أنه تبين- مما ذكرناه- أن الذين انتقدوا ذلك الحديث و أنكروه ، كانوا نقادا متمكنين من التحقيق و التمحيص على مستوى نقد الأسانيد و المتون معا ، بالاحتكام إلى الشرع و العقل ،و التاريخ ، و سنن الطبيعة و المجتمع . فلا يصح في العقل أن حادثة طبيعية عظيمة-كالتي رُويت- تحدث في النهار أمام أعداد هائلة من بني آدم ،و لا ينقلها و لا يذكرها إلا آحاد من هؤلاء ، ينقلونها بطرق غير صحيحة !!.و حتى إذا افترضنا أن بعض طرقه وردت بإسناد صحيح ، فهو أيضا لا يصح ، و إنما هو حديث مكذوب رُكب له إسناد صحيح . لأن الحادثة المروية المفروض فيها أن تُروى بالتواتر العريض عن شعوب كثيرة .
    ثالثا : انتقاده لابن تيمية في حديث المؤاخاة بين الرسول و علي :
    انتقد الحافظ ابن حجر الشيخ ابن تيمية في موقفه من المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار عامة ،و بين النبي-عليه الصلاة و السلام- و علي بن أبي طالب خاصة ، فقال : (( و أنكر ابن تيمية في كتاب الرد على بن المطهر الرافضي ، المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلي، قال : لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضا ولتأليف قلوب بعضهم على بعض ، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم ، و لا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري وهذا رد للنص بالقياس ، وإغفال عن حكمة المؤاخاة ، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى ، فآخى بين الأعلى و الأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ، ويستعين الأعلى بالأدنى ، و بهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر ، وكذا مؤاخاة حمزة و زيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم ، فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة إن بنت حمزة بنت أخي . و أخرج الحاكم و ابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن بن عباس آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الزبير و ابن مسعود وهما من المهاجرين . قلت وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني ، و ابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك . وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن بن عمر: آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أبي بكر وعمر ، و بين طلحة والزبير ،و بين عبد الرحمن بن عوف وعثمان و ذكر جماعة ، قال : فقال علي يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي قال: أنا أخوك . و إذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به ))[19] .
    فالحافظ ابن حجر العسقلاني خالف ابن تيمية فيما ذهب إليه ،و انتقده في ذلك ، و رجّح حديث المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم ، و بين رسول الله و علي ، مدعما رأيه بما نقلناه عنه ، فهل ما ذهب إليه صحيح ؟.
    أولا فبالنسبة لتفصيل موقف ابن تيمية من الموضوع ، فهو قد أنكر أن تكون المؤاخاة حدثت بين المهاجرين أنفسهم ، فلم يُؤاخ الرسول عليا و لا غيره ، و لا آخى بين أبي بكر و عمر ، و إنما آخى بين المهاجرين و الأنصار[20] . و أما (( المؤاخاة بين المهاجرين ، كما يقال أنه آخى بين أبى بكر وعمر و أنه آخى عليا و نحو ذلك، فهذا كله باطل و إن كان بعض الناس ذكر أنه فعل بمكة، وبعضهم ذكر أنه فعل بالمدينة و ذلك نقل ضعيف ، إما منقطع و إما بإسناد ضعيف ، و الذي في الصحيح هو ما تقدم. و من تدبر الأحاديث الصحيحة والسيرة النبوية الثابتة تيقن أن ذلك كذب ))[21] .
    و قال أيضا : (( إن من الناس من يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، لأنه روى فيها أحاديث لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن ، و كل ما رُوي في ذلك فإنه باطل ، إما إن يكون من رواية من يتعمد الكذب ،و إما إن يكون أخطأ فيه . و لهذا لم يخرج أهل الصحيح شيئا من ذلك ، و الذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار ، و معلوم أنه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، و بين الأنصار بعضهم مع بعض ، لكان هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله ، و لكان يُذكر في أحاديث المؤاخاة ، و يُذكر كثيرا ، فكيف و ليس في هذا حديث صحيح و لا خرج أهل الصحيح من ذلك شيئا ،و هذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة و السيرة المتواترة و أحوال النبي- صلى الله عليه و سلم- و سبب المؤاخاة و فائدتها و مقصودها ))[22] .
    و قال أيضا: ((إن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، و الأنصار بعضهم مع بعض ، كلها كذب ، و النبي- صلى الله عليه و سلم- لم يؤاخ عليا ، و لا آخى بين أبي بكر و عمر، و لا بين مهاجري و مهاجري ، لكن آخى بين المهاجرين و الأنصار كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع ، و بين سلمان الفارسي و أبي الدرداء ، و بين علي و سهل بن حنيف )) ، و بما أن رسول الله آخى بين المهاجرين و الأنصار ، فإنه لم يؤاخ عليا ، و هذا يوافق ما (( في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين و الأنصار ، لم تكن بين مهاجري و مهاجري ))[23] .
    و ثانيا إن بعض كبار العلماء المحققين قد وافق الشيخ ابن تيمية فيما ذهب إليه ، منهم : شمس الدين الذهبي ، و ابن قيم الجوزية ، و ناصر الدين الألباني ، فالذهبي وافق ابن تيمية عندما قال : إن حديث مؤاخاة رسول الله لعلي هو من الأكاذيب[24] . و أما ابن القيم فإنه أكد على أن النبي-عليه الصلاة و السلام- لو (( آخى بين المهاجرين كان أحق الناس بأخوته ، أحب الخلق إليه ورفيقه في الهجرة و أنيسه في الغار ، وأفضل الصحابة وأكرمهم عليه : أبو بكر الصديق وقد قال : (( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام أفضل)) وفي لفظ : ولكن أخي و صاحبي )) .و ذكر أن رسول الله-عليه الصلاة و السلام- آخي (( بين أصحابه مرتين فواخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض قبل الهجرة على الحق والمواساة ، و آخى بين أبي بكر وعمر ، و بين حمزة و زيد بن حارثة ، و بين عثمان و عبد الرحمن بن عوف ، و بين الزبير و ابن مسعود ، و بين عبيدة بن الحارث و بلال ، و بين مصعب بن عمير و سعد بن أبي وقاص ، و بين أبي عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة ، و بين سعيد بن زيد و طلحة بن عبيد الله . و المرة الثانية : آخى بين المهاجرين و الأنصار في دار أنس بن مالك بعد مقدمه المدينة ))[25] .
    و أما المحدث ناصر الدين الألباني فهو أيضا قد ضعّف حديث مؤاخاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- لعلي بن أبي طالب ، -رضي الله عنه- ، و قد ذكر طائفة من الأحاديث التي نصت على تلك المؤاخاة ،و بعد نقده لها نص على أنها أحديث ضعيفة [26] .
    و تعليقا على هؤلاء أقول : بما أن الصحيح الثابت هو أن المؤاخاة بالمدينة حدثت بين المهاجرين و الأنصار[27] ، فإن ما ذكره ابن حجر عن المؤاخاة بين الزبير و ابن مسعود – رضي الله عنهما- بالمدينة ،و هما من المهاجرين ، هو ضعيف و مُستبعد جدا ، خاصة و أن الرواية التي اعتمد عليها لم تحدد زمن حدوث هذه الأخوة [28]، الأمر الذي يُرجح بأنها لم تحدث بالمدينة و إنما حدثت بمكة المكرمة،و هذا الذي ذهب إليه ابن قيم الجوزية ، من أن المؤاخاة بين المسلمين حدثت مرتين ، الأولى بمكة كمؤاخاة الزبير لابن مسعود،و الثانية حدثت بالمدينة ، بين المهاجرين و الأنصار[29] .
    و أما استشهاد الحافظ ابن حجر بحديث الحاكم النيسابوري ، فهو حديث لا يصح ،و مردود إسنادا و متنا ، و لا يصل إلى أن يتقوى بغيره ، لأن في إسناده : سالم بن أبي حفصة ، و جميع بن عمير التميمي ، الأول قال فيه بعض نقاد الحديث : ضعيف ليس بثقة ، و شيعي جلد ، مُفرط في التشيع[30] .و الثاني ، قال فيه بعض النقاد المحدثين : مُتهم بالكذب ، رافضي يضع الحديث ، من أكذب الناس ، عامة ما يرويه لا يُتابع عليه[31] .
    و أما متنا ، فهو حديث يرده أمران ، أولهما هو أن الحديث الصحيح نص على أن المؤاخاة في المدينة كانت بين المهاجرين و الأنصار ،و لم تكن بين مهاجري و مهاجري ،و لا بين أنصاري و أصاري. و ثانيهما هو أن بعض الروايات ذكرت أن مؤخاة علي في المدينة كانت بينه و بين سهل بن حنيف الأنصاري ،و لم تكن بينه و بين النبي- عليه الصلاة و السلام -[32] .
    و أما قول ابن حجر بأن ابن تيمية رد النص بالقياس ، فهو رأي ضعيف و لا يصح ، لأن ابن تيمية –كما سبق أن بينا- اعتمد أساسا على رد حديث مؤاخاة النبي لعلي الضعيف بالحديث الصحيح الذي نص على أن المؤاخاة بالمدينة كانت بين المهاجرين و الأنصار ، فهو إذاً رد نصا ضعيفا بنص صحيح . ثم اجتهد في نقد ذلك الحديث الضعيف إسنادا و متنا ، مستخدما في ذلك الاجتهاد الذي من بين مظاهره القياس . و ابن حجر نفسه استخدم الاجتهاد في الاحتجاج لرأيه ، انتصارا للحديث الضعيف الذي رواه الحاكم ، و قد سبق أن نقلنا قوله في ذلك .
    رابعا: انتقاده لابن تيمية في حديث(( لا يرقون و لا يسترقون)) :
    عندما شرح الحافظ ابن حجر حديث النبي-عليه الصلاة و السلام- الذي نص على أنه يدخل من أمته سبعون ألفا بغير حساب ،و هم الذين (( لا يسترقون ، و لا يتطيرون ، و لا يكتوون ،و على ربهم يتوكلون ))[33] . عقّب عليه بقوله : (( اتفق على ذكر هذه الأربع معظم الروايات في حديث بن عباس ، و أن كان عند البعض تقديم وتأخير ، و كذا في حديث عمران بن حصين عند مسلم ، و في لفظ له سقط(( و لا يتطيرون)) هكذا في حديث بن مسعود ، و في حديث جابر اللذين أشرت إليهما بنحو الأربع . و وقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم: ولا يرقون ، بدل: و لا يكتوون . وقد أنكر الشيخ تقي الدين بن تيمية هذه الرواية وزعم أنها غلط من راويها ، و اعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه فكيف يكون ذلك مطلوب الترك ؟ وأيضا فقد رقى جبريل النبي- صلى الله عليه وسلم- و رقى النبي أصحابه و أذن لهم في الرقى ، وقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل . و النفع مطلوب ، قال: و أما المسترقي فإنه يسأل غيره و يرجو نفعه، و تمام التوكل ينافي ذلك . قال :و إنما المراد وصف السبعين بتمام التوكل، فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء . وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة ، و سعيد بن منصور حافظ ، وقد اعتمده البخاري ومسلم واعتمد مسلم على روايته هذه . و بأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار إليه ))[34] .
    و واضح من ذلك التعليق أنه يتضمن انتقادا من ابن حجر لابن تيمية فيما ذهب إليه ، فما تفصيل موقف ابن تيمية من ذلك ؟ ، و هل جانب فيه الصواب ؟ .
    يقول الشيخ تقي الدين بن تيمية : ((و في الصحيحين عن النبي أنه قال : يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب . و قال : هم الذين لا يسترقون ، و لا يكتوون، و لا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون . فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم ، والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك وقد رُوي فيه: و لا يرقون ، و هو غلظ فإن رقياهم لغيرهم و لأنفسهم حسنة وكان النبي يرقى نفسه وغيره ، و لم يكن يسترقي فإن رقيته نفسه وغيره من جنس الدعاء لنفسه ولغيره ، وهذا مأمور به فإن الأنبياء كلهم سألوا الله ودعوه ، كما ذكر الله ذلك في قصة آدم و إبراهيم و موسى وغيرهم ))[35] .
    و قال أيضا: (( و قال في صفة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم : الذين لا يسترقون ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، و على ربهم يتوكلون ، و حديثهم في الصحيحين، فمدحهم على ترك الاسترقاء ، وقد رُوي في بعض ألفاظه : لا يرقون ، ولم يذكره البخاري فإنه لا يثبت ،و إن رواه مسلم و معلوم أن المسترقي يقول لغيره : ارقني فيطلب من غيره الرقية ))[36] .
    و ذكر ابن قيم الجوزية أنه سمع شيخه تقي الدين بن تيمية يقول : إن لفظة (( لا يرقون )) ، زائدة ، و وهم من الراوي ،و لم يقل النبي –عليه الصلاة و السلام- : (( و لا يرقون )) ، لأن الراقي مُحسن إلى أخيه ، و هي لفظة (( وقعت مُقحمة في الحديث ،و هي غلط من بعض الرواة ))[37] .

    و يتبين مما ذكرناه ، أن ما ذهب إليه ابن حجر ضعيف و مرجوح لأمرين واضحين ، أولهما إن عبارة (( لا يرقون)) ، لم ترد عند البخاري و لا عند مسلم في روايتين أخريين ، الذي روى الحديث من طريقين عن الصحابي عمران بن حصين-رضي الله عنه- ،و فيه (( هم الذين لا يسترقون ،و لا يتطيرون ، و لا يكتوون ...))[38] ، الأمر الذي يُرجح ما قاله ابن تيمية من أن تلك العبارة مُقحمة في النص .
    و الأمر الثاني هو أن عبارة (( لا يرقون )) ، معناها مُنكر ، لأنها تُخالف ما ثبت عن النبي-عليه الصلاة و السلام- كان يرقي نفسه و أصحابه[39] . فكيف – و هو سيد ولد آدم- يُفضل الذين لا يرقون على الذين يرقون ، و هو نفسه من الراقين ؟ ! .
    خامسا : انتقاده لابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها :
    عندما تعرض الحافظ ابن حجر لشرح حديث البخاري الذي جاء فيه أن الصحابي عمران-رضي الله عنه- قال : ((إني عند النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه قوم من بني تميم فقال : اقبلوا البشرى يا بني تميم ). قالوا : بشرتنا فأعطنا ، فدخل ناس من أهل اليمن فقال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم . قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدين و لنسألك عن أول هذا الأمر ما كان . قال : كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء . ثم أتاني رجل فقال : يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت . فانطلقتُ أطلبها فإذا السراب ينقطع دونها ، و أيم الله لوددتُ أنها قد ذهبت ولم أقم ))[40] .
    فعلّق ابن حجر على ذلك بقوله : إن عبارة البخاري (( لم يكن شيء قبله ))، وردت أيضا بلفظ (( و لم يكن شيء غيره )) ،و في رواية (( كان الله قبل كل شيء . وهو بمعنى كان الله و لا شيء معه، و هي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها ... و هي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، و وقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب[41] على غيرها ، مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس ، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق ))[42] .
    فما المقصود من حوادث لا أول لها ؟ ، و ما هي تفاصيل موقف ابن تيمية منها ؟ ، و ما هي مواقف العلماء منها ؟ . هذه القضية تقوم على أساس القول بدوام فاعلية أفعال الله تعالى ، فهل أفعاله تعالى لا أول لها ، أم هي مسبوقة بعدم ؟ ، و هل خلق مخلوقات قبل خلقه لهذا العالم الموجود الآن ؟ .
    فبالنسبة للشيخ تقي الدين بن تيمية فهو يُثبت إمكانية حوادث لا أول لها في أفعال الله تعالى ،و لا يقول بوجوبها و لا بامتناعها[43] . و تفصيل ذلك إنه يعتقد أن الله تعالى (( لم يزل فعالا خالقا و دوام خالقيته من لوازم وجوده ، فهذا ليس قولا بقدم شيء من المخلوقات ، بل هذا متضمن لحدوث كل ما سواه ))[44]. و معنى ذلك أن الله تعالى متصف بصفة دوام الفاعلية و الخالقية اتصافا أزليا ،و هي من لوازم وجوده ،و أما إخراج إرادته و فعله إلى واقع مخلوق ، فهو مرتبط بمشيئته و إرادته ، لأنه سبحانه إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون .
    لذلك نص ابن تيمية على أن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ،و لم يزل فاعلا لما يشاء ، و هو سبحانه فاعل بمشيئته و قدرته . و قِدَم الفاعلية يدل على أنه سبحانه (( لم يزل فاعلا لما يشاء ، و لا يدل على قِدم فعل معين ، و لا مفعول معين ، و لا الفلك و لا غيره ))[45] . فيكون (( الرب لم يزل متكلما إذا شاء ، أولم يزل فاعلا لما يشاء ، هو بمعنى كونه لم يزل متكلما فعالا، و بمعنى دوام كلامه و فعاله لا يستلزم أن كل واحد من الأفعال دائم لم يزل ))[46] .
    و أما الحديث الذي ذكره الحافظ ابن حجر و استدل به في الرد على من قال بحوادث لا أول لها كابن تيمية ، فإن هذا الأخير –أي ابن تيمية- ذكر أن ذلك الحديث (( رواه البخاري في ثلاثة مواضع بثلاثة ألفاظ : كان الله ولم يكن شيء قبله . ورواه في موضع : ولم يكن شيء معه . ورواه في موضع آخر : ولم يكن شيء غيره . و أن المجلس كان واحدا لم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا واحدا من الثلاث ، و قد ثبت أنه قال : ليس قبلك شيء و اللفطان الآخران رويا بالمعنى )) [47] .
    و قال أيضا : ((لكن الظاهر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يقل إلا واحدة ،و الأخريتان رويتا بالمعنى ، فإن المجلس كان واحدا لم يتكرر ليقال : إنه قال كل لفظ في مجلس ، و لو كرر الألفاظ لذكر ذلك عمران )).و الحديث (( واحد و ذُكر في مجلس واحد ، فالظاهر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يقل إلا احد الألفاظ الثلاثة، و الآخران رويا بالمعنى ، و اللفظ الثابت عنه بلا ريب هو الذي جاء في حديث آخر : و لا شيء قبله، وإذا قيل: و لا شيء معه و لا غيره ، مع كونه أخبر عن حال كون عرشه على الماء ، فمراده أنه لا شيء معه من هذا الأمر المسئول عنه، وهم سألوه عن أول الأمر، وسياق الحديث يدل على أنه أخبرهم بأول هذا العالم الذي خلق في ستة أيام ، لم يخبرهم بما قبل ذلك[48]
    و قال أيضا : إن لفظ (( لم يكن شيء قبله )) لم يكن فيه ((تعرض لابتداء الحوادث ، ولا لأول مخلوق مطلقا ، بل و لا فيه الإخبار بخلق العرش و الماء ، و إن كان ذلك كله مخلوقا كما أخبر به في مواضع أخر ، لكن في جواب أهل اليمن إنما كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما، و هي المخلوقات التي خُلقت في ستة أيام لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك ))[49] . فالحديث لم يُخبر بخلق العرش ،و إنما أخبر بأول خلق هذا العالم ،و ليس بأول الخلق مطلقا ، فهو قد نفى وجود المخلوقات من السموات و الأرض و ما بينهما و لم ينف وجود العرش [50] .
    و أما مواقف العلماء من مسألة حوادث لا أول لها ، فقد ذكر ابن تيمية أن السلف و الأئمة كابن المبارك و أحمد بن حنبل ذهبوا إلى القول بجواز حوادث لا أول لها ، عندما قالوا : إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ، فاعلا لما يشاء ، تقوم به الأفعال بمشيئته . فهو سبحانه (( لم يزل ،و لا يزال موصوفا بصفات الكمال ، لم يزل قديرا ،و لم يزل عليما ،و لم يزل متكلما إذا شاء ، و لم يزل فاعلا لما يشاء))[51] .
    و من الأمثلة المعبرة عن موقف السلف من مسألة حوادث لا أول لها ، ما ذُكر أن الفقيه أبا بكر عبد العزيز غلام الخلال البغدادي الحنبلي(ق: 4 ه) ، قيل له : (( إنكم إذا قلتم : لم يزل متكلما ، كان ذلك عبثا . )) ، فقال : (( لأصحابنا قولان : أحدهما أنه لم يزل متكلما كالعلم ، لأن ضد الكلام الخرس، كما أن ضد العلم الجهل ، قال : و من أصحابنا من قال : قد أثبت سبحانه لنفسه أنه خالق ولم يجز أن يكون خالقا في كل حال بل قلنا : إنه خالق في وقت إرادته أن يخلق ، و إن لم يكن خالقا في كل حال ، ولم يبطل أن يكون خالقا كذلك ، و إن لم يكن متكلما في كل حال لم يبطل أن يكون متكلما ، بل هو متكلم خالق و إن لم يكن خالقا في كل حال، ولا متكلما في كل حال ))[52] . و رده هذا هو جواب مقنع و واضح ، مُطابق للمنقول و المعقول معا .
    و أما مواقف علماء الطوائف الأخرى ، فمنهم المعتزلة و من وافقهم من الكرامية و الأشاعرة ، فإنهم قالوا بامتناع حوادث لا أول لها مُطلقا ، انطلاقا من إنكارهم دوام فاعلية الله تعالى بمشيئته ،و إنكارهم قيام الصفات الاختيارية به سبحانه و تعالى[53] .
    و تعليقا على هؤلاء أقول : أولا ، إنه بما أن الله تعالى فعال لما يريد ، و أنه مُطلق القدرة و الإرادة و المشيئة ، فإن أفعاله سبحانه على ثلاثة احتمالات ، أولها إنها حوادث لا أول لها ، فهو سبحانه لم يزل منذ الأزل دائم الفاعلية ، يخلق بإذنه و إرادته و مشيئته دون توقف . و ثانيها إنها أفعال و حوادث لها أول ، فهي متعلقة بإذنه و إرادته و مشيئته أيضا ، فهو سبحانه شاء أن يبدأ الخلق في زمن ما ، ثم وقفه ، ثم أعاده ، و هكذا . فعل ذلك بمشيئته و قدرته و حكمته . و ثالثها إنها أفعال متوقفة عن الفعل بإرادته و مشيئته و حكمته ، فهو سبحانه مع أنه خلاق و فعال لما يُريد ، فقد شاء أم لا يخلق شيئا .
    و هذه الاحتمالات الثلاثة ، قائمة أساسا على أن الله تعالى فعال لما يريد ، و مُطلق القدرة و المشيئة ، فهو حتى و إن افترضنا أنه لم يخلق شيئا ، فهو يبقى متصفا بأنه فعال لما يريد ، و خلاق علام قدير . و بناء على ذلك فإن الاحتمال الأول هو جائز في جنب الله تعالى ، و ممكن عقلا ، لكن تأكيد حدوثه في الواقع يحتاج إلى دليل شرعي ، لأن هذا الأمر لا يمكن تأكيده إلا بدليل شرعي صحيح . و الثاني هو أيضا ممكن عقلا ، و حادث في الواقع فعلا ، لأن الله تعالى أخبرنا أنه خلق مخلوقات قبل خلق بني آدم ، فخلق العرش قبل الكون ، و خلق الملائكة قبل الإنسان ، و خلق السموات و الأرض قبل الإنسان . و أما الاحتمال الثالث ، فهو و إن كان ممكنا عقلا ، فهو لا يصح شرعا و لا واقعا ، لأن الشرع و الكون يشهدان على أن الله تعالى قد خلق مخلوقات كثيرة .
    و ثانيا إن قول الحافظ ابن حجر بأن حديث (( كان الله و لم يكن شيء قبله ، أو معه ، أو غيره )) ، هو أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها ، هو رأي ضعيف و مرجوح ، و مستبعد جدا ، لأن هذا الحديث يقبل الاحتمالين الأول و الثاني السابق ذكرهما ، لأن الحديث جاء ردا على سؤال اليمنيين عن بداية هذا الكون المشهود ، فقال لهم النبي-عليه الصلاة و السلام- : (( كان الله و لم يكن شيء قبله ، أو غيره ، أو معه )) ، ثم قال مباشرة (( و كان عرشه على الماء )) ، فالحديث نفى وجود شيء من هذا العالم المشاهد قبل خلقه للسموات و الأرض و ما بينهما ، و لم ينف وجود مخلوقات قبل هذا الكون و ما فيه ، لأنه قال : (( و كان عرشه على الماء )) ، فالعرش كان مخلوقا ، قبل خلق هذا الكون ، و وجود العرش قبله ، دليل على أن الله تعالى خلق مخلوقات قبل خلقه للعالم المشهود ، مما يعني أن الله تعالى إما أنه كان يخلق منذ الأزل دون توقف ، و إما أنه كان يخلق على فترات متقطعة ، حسب إرادته و مشيئته و حكمته ، فهو سبحانه فعال لما يُريد ،و خلاق عليم .
    و الحديث الذي احتج به ابن حجر لا يُخالف ما ذهب إليه ابن تيمية ، بل يحتمله ، و هو ليس ردا على من يقول بجواز حوادث لا أول لها. كما أن قول ابن تيمية بجواز حوادث لا أول لها ، ليس هو من الأمور المستشنعة على ما قاله ابن حجر ، الذي يبدوا أنه قال ذلك بتأثير من الفكر الأشعري ، الذي يقول بامتناع حوادث لا أول لها ، مع أنه من أهل الحديث ، الذين يقول أئمتهم بجواز حوادث لا أول لها[54] .و قد قال برأيهم ابن تيمية و انتصر له ، و قد شرحنا موقفه سابقا ، و تبين أنه لم يكن مُستشنعا.

  2. #2

    افتراضي رد: نظرات في( انتقادات الحافظ ابن حجر العسقلاني لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني )

    سادسا : انتقاده لابن تيمة في أحاديث أوردها في منهاج السنة :
    انتقد الحافظ ابن حجر الشيخ ابن تيمية في أحاديث أوردها في كتابه منهاج السنة السنة النبوية ، في رده على الشيعي ابن المطهر الحِلي ، فقال الحافظ : ((وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها بن المطهر ، و إن كان معظم ذلك من الموضوعات و الواهيات ، لكنه رد في رده كثيرا من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها ، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره و الإنسان عامد للنسيان ))[55] .

    فابن حجر يرى أن ابن تيمية رد أحاديث جياد ، في رده للأحاديث التي كان يُوردها ابن المطهر الِحلي ، لكنه لم يذكر لنا و لا مثالا واحدا ، كشاهد على ما ذهب إليه ، فحرمنا بذلك من إمكانية التأكد من ذلك و تحقيقه ، فلو ذكر أمثلة – و لو واحدا منها- لكان في مقدورنا الرجوع إلى ما قاله ابن تيمية ،و إلى ما قاله أئمة نقاد الحديث ، و نتعامل نحن معها بما نستطيع ، لنتأكد منها ، فهل هي أحاديث جياد أم لا ؟ .

    و يبدو لي أن الأحاديث الجياد التي قال ابن حجر أن ابن تيمية ردها ، هي أحاديث ركّز ابن تيمية في ردها على نقد متونها قبل أسانيدها ، عندما وجدها تخالف الحقائق الشرعية و العقلية و التاريخية ، فردها لشذوذ و عِلل في متونها ، حتى و إن كان ظاهر إسنادها صحيح . و هذا خلاف ابن حجر الذي يبدو أنه ركّز في موقفه من تلك الأحاديث على أسانيدها قبل متونها . و هذا أمر سبق أن ذكرنا نماذج منه عندما رد ابن تيمية حديث رد الشمس ، و حديث مؤاخاة النبي لعلي ، و حديث (( لا يرقون ، و لا يسترقون )) ، فقد ركز ابن تيمية في رده لتلك الأحاديث على متونها و لم يُهمل أيضا أسانيدها ،لكن ابن حجر ركز أساسا في موقفه منها على أسانيدها قبل متونها ، حتى أنه قبل بعضها و أسانيدها لا تصح .
    سابعا : انتقاده لابن تيمية فيما كتبه عن علي في منهاج السنة النبوية :
    انتقد الحافظ ابن حجر الشيخ ابن تيمية في موقفه من علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- في كتابه منهاج السنة النبوية ، فقال : ((و كم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحيانا إلى تنقيص علي- رضي الله عنه -، وهذه الترجمة لا تحتمل إيضاح ذلك و إيراد أمثلته ))[56] .
    و ليته ذكر لنا أمثلة من ذلك ، لنقف عليها ،و نتعرّف على سياقها ، و مضمونها و خلفياتها . و بما أنه لم يفعل ذلك فإننا نعود إلى ابن تيمية نفسه ، لنطلع على موقفه من علي و مكانته عنده ،و إلى ما كتبه عنه في كتابه منهاج السنة .
    أولا إن ابن تيمية قد أثنى كثيرا على علي بن أبي طال- رضي الله عنه- ، فمدحه و ترضي عنه ، و ذكر كثيرا من فضائله ، فمن ذلك إنه قال عن خلافته : ((ولكن اعتقاد خلافته وإمامته ثابت بالنص ، و ما ثبت بالنص وجب إتباعه ))[57] .و قال: (( كل الأمة كانوا معترفين بفضل علي و سابقته بعد قتلعثمان ، و أنه لم يبق في الصحابة من يماثله في زمن خلافته )) . و قال : (( و على آخر الخلفاء الراشدين الذين هم و لايتهم خلافة نبوة و رحمة )) . و قال أيضا : ((فضل علي و ولايته لله و علو منزلته عند الله ، معلوم ولله الحمد من طرق ثابتة ))[58] .
    و ثانيا إن الانتقادات التي وُجهت لابن تيمية في موقفه من علي ، كقوله : (( إن عليا أخطأ في سبعة عشر شيئا خالف فيها الكتاب ، منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين ))[59] ، هي لم تكن انتقادات للطعن في علي ،و لا للتنقيص من قيمته و مكانته ، و إنما هي انتقادات فرضها موضوع الكتاب و سياق الكلام ، فهو كان يرد على رجل شيعي يعتقد أن عليا و الحسن و الحسين و بقية الأئمة المزعومين ، هم أئمة معصومون يجب الإيمان بهم ،و طاعتهم فرض ، و من لم يُؤمن بهم فهو كافر ، و أن الصحابة ضلوا و كفروا عندما اغتصبوا حقهم في الخلافة[60] ... كما أن هذا الرجل ملأ كتابه بالأحاديث الموضوعة و الروايات المكذوبة ، و هذا باعتراف ابن حجر نفسه الذي ذكر أن الأحاديث التي أوردها ابن المطهر معظمها من الموضوعات و الواهيات[61] . فالمقام الذي كان فيه ابن تيمية –ليرد على تلك المفتريات- كان يفرض عليه أن يقيم الدليل الشرعي و العقلي و التاريخي على أن عليا و الحسن و الحسين ...- على مكانتهم و فضلهم- فقد كانوا بشرا عاديين يُخطئون و يُصيبون ، و يُذنبون و يُطيعون ، فالعمل الذي قام به ابن تيمية هو عمل حق و صواب ، و ليس تنقيصا لعلي و لا لآل بيته –رضي الله عنهم- ، لأنه وضع هؤلاء في مكانهم المناسب اللائق بهم شرعا و عقلا . و قد ثبت من نحو ثمانين طريقا أن عليا كان يقول : (( أفضل الناس بعد النبي أبو بكر و عمر ))[62] .
    و لتوضيح الأمر أكثر و توثيقه ، أذكر أقوالا لابن تيمية يظهر من خلالها منهجه في رده على ابن المطهر الحِلي ، فمن ذلك إنه قال : (( لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر و عمر إنهما كانا ظالمين متعدين طالبيّن للرئاسه مانعيّن للحقوق ، و إنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة ، و إنهما و من أعانهما ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه من جهة الرسول ، و إنهما منعوا أهل البيت ميراثهم ، و إنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة و الولاية الباطلة ، مع ما قد عُرف من سيرتهما ، كان من المعلوم أن هذا الظن لو كان حقا فهو أولى بمن قاتل عليها حتى غُلب ، و سفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه و بين منازعه ، و لم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين و لا مصلحة الدنيا ، و لا قوتل في خلافته كافر و لا فرح مسلم ، فان عليا لا يفرح بالفتنة بين المسلمين و شيعته لم تفرح بها لأنها لم تغلب و الذين قاتلوه لم يزالوا أيضا في كرب و شدة . و إذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج مع ظهور هذه الشبهة فإنا ندفع من يقدح في أبي بكر و عمر بطريق الأولى و الأحرى . و إن جاز أن يُظن بأبي بكر أنه كان قاصدا للرئاسة بالباطل ، مع أنه لم يُعرف منه إلا ضد ذلك ، فالظن بمن قاتل على الولاية و لم يحصل له مقصوده أولى و أحرى ))[63] .
    و قال أيضا : (( فإذا كنا نظن بعلي أنه كان قاصدا للحق و الدين ، و غير مريد علوا في الأرض و لا فسادا ، فظن ذلك بأبي بكر و عمر- رضي الله عنهما- أولى و أحرى ، و إن ظن ظان بأبي بكر أنه كان يريد العلو في الأرض والفساد ، فهذا الظن بعلي أجدر و أولى . إما أن يقال: إن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد ، و علي لم يكن يريد علوا في الأرض و لا فسادا مع ظهور السيرتين ، فهذا مكابرة و ليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك ، بل المتواتر من السيرتين يدل على أن سيرة أبي بكر أفضل ))[64] .
    و إذا كان الحافظ ابن حجر عندما انتقد ابن تيمية-فيما نقلناه عنه آنفا- لم يتهمه بالتعمد في تنقيص علي و تخطئته ، فإن كلامه ربما قد يَفهم منه بعض الناس ذلك ، من أنه انتقاد و اتهام له بالنصب في موقفه من علي و آل بيته . لذا كان من الأفضل لو أنه –أي ابن حجر- لم يترك الأمر يقبل التأويل و يحتمل أكثر من معنى ، فيوضح المقام الذي كان فيه ابن تيمية ،و سياق الكلام الذي جرّه إلى الخوض في ذلك .
    و ختاما لهذا البحث يتبين أن الانتقادات السبعة التي وجهها الحافظ ابن حجر لشيخ الإسلام ابن تيمية ، هي انتقادات تتعلق بمواضيع و مسائل خلافية ، اختلف فيها أهل العلم ، كمسألة شد الرحال ، و حديث رد الشمس لعلي ، و مسألة حوادث لا أول لها . و قد تبين منها أن اعتراضات ابن حجر كانت ضعيفة مرجوحة ، أمام ما ذهب إليه ابن تيمية الذي كانت آراؤه و اجتهاداته راجحة قوية صحيحة .

    نشر المقال في مجلة الحكمة ، و هي محكمة ، تصدر عن دار كنوز الحكمة ، العدد الأول ، 2009
    مصادر البحث :
    1-ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، تحقيق : د. محمد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة ،1406 .
    2- = = = : الرد على البكري، حققه محمد عجال ، ط1 ، مكتبة الغرباء ، المدينة المنورة ، 1417 .
    3- = = = : درء تعارض العقل و النقل ، حققه رشاد سالم ، دار الكنوز ، الرياض ، 1391 .
    4-= = = : الصفدية ، حققه محمد رشاد سالم ، ط2 ، دن ، دم ن ، 1406 .
    5-= = = : بيان تلبيس الجهمية ،حققه محمد بن قاسم ، ط1 ، مطبعة الحكومة ، مكة المكرمة ، 1392
    6-= = = : اقتضاء الصراط المستقيم ، تحقيق : حامد الفقي ،ط 2، مطبعة السنة المحمدية – القاهرة ،1369 .
    7-= = = : منهاج السنة النبوية ، تحقيق محمد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة، 1406 .
    8-ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، دار المعرفة ، بيروت ، 1379 .
    9- ابن حجر : لسان الميزان ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، 1406 – 1986 .
    10-ابن كثير : البداية و النهاية ، مكتبة المعارف، بيروت .
    11-ابن قيم الجوزية : حادي الأرواح ،دار الكتب العلمية ، بيروت
    12- = = = : مفتاح دار السعادة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 2 ص: 234 .
    13-البخاري : الصحيح ، تحقيق مصطفى ديب البغا ، الطبعة الثالثة دار ابن كثير ، بيروت، 1407 .
    14-التبريزي محمد بن عبد الله الخطيب : مشكاة المصابيح ، حققه محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي – بيروت ، 1405 .
    15-الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1995 .
    16-الشوكاني: الفوائد المجموعة ، حققه عبد الرحمن المعلمي ، ط3 ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1407 .
    17-الضياء المقدسي : المختارة ، ط1 ، مكتبة النهضة الحديثة ، مكة المكرمة 1410 .
    18-الكليني : الأصول من الكافي ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1328 .
    19-مسلم : الصحيح ، حققه فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
    20-ناصر الدين الألباني : السلسلة الضعيفة ، مكتبة المعارف ، الرياض .
    21- = = = : سلسلة الأحاديث الضعيفة ، ج 10 ، ص: 441 و ما بعدها .



























    [1]ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، دار المعرفة ، بيروت ، 1379 ، ج 3 ص: 66 .

    [2]البخاري : الصحيح ، تحقيق مصطفى ديب البغا ، الطبعة الثالثة دار ابن كثير ، بيروت، 1407 ، ج 2 ص : 659، رقم : 1765 .


    [3] ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، تحقيق : د. محمد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة ،1406 ج 27 ، ص: 21 .



    [4]نفس المصدر ، ج 27 ص: 249 ، 250 .

    [5]ابن تيمية : اقتضاء الصراط المستقيم ، تحقيق : محمد حامد الفقي ، ط 2، مطبعة السنة المحمدية – القاهرة ،1369 ، ص: 328 .



    [6]فتح الباري ، ج 3 ص: 66 .

    [7]نفس المصدر ، ج 6 ص: 222 .

    [8]ابن تيمية : منهاج السنة النبوية ، تحقيق محمد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة، 1406ج 8 ص: 165 .


    [9]نفس المصدر ، ج 8 ص: 177 و ما بعدها .

    [10]نفسه ، ج 8 ص: 177 .

    [11]نفس المصدر ، ج 8 ص: 172 .

    [12]نفس المصدر ، ج 8 ص: 171 .

    [13]أنظر : ابن تيمية : منهاج السنة ، ج 8 ص: 197 . و ابن كثير : البداية و النهاية ، مكتبة المعارف، بيروت ، ج 8 ص: 78 ، 79 ، 80 . و الشوكاني: الفوائد المجموعة ، حققه عبد الرحمن المعلمي ، ط3 ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1407 ص: 350 .

    [14]ابن كثير : نفس المصدر ، ج 6 ص: 79-80 .

    [15]ابن تيمية : المصدر السابق ، ج 8 ص: 167 .

    [16]ابن كثير: المصدر السابق، ج 6 ص: 79 .

    [17]نفسه ، ج 6 ص: 79 .

    [18]نفس المصدر ، ج 6 ص: 84 ، 85 .

    [19]ابن حجر : فتح الباري ، ج 7 ص: 271 .

    [20]ابن تيمية : منهاج السنة النبوية ، ج 5 ص: 71 .

    [21]ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج 11 ص: 100 .

    [22]منهاج السنة النبوية ، ج 7 ص: 363 -364 .

    [23]نفس المصدر ، ج 7 ص: 362، 279 .

    [24]نقلا عن ناصر الدين الألباني : السلسلة الضعيفة ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ج 1 ص: 428 .

    [25]ابن قيم الجوزية : زاد المعاهد ، ج 3 ص: 56 ، 331 .

    [26] الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة ، ج 10 ، ص: 441 و ما بعدها . و محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي : مشكاة المصابيح ، حققه محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي – بيروت ، 1405 ،ج3 ص: 328 .

    [27]البخاري: الصحيح ، ج 2 ص: 802 . و ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج 2 ص: 329 .

    [28]أنظر: فتح الباري ، ج 7 ص: 271 . و الضياء المقدسي : المختارة ، ط1 ، مكتبة النهضة الحديثة ، مكة المكرمة 1410 ج 8 ص: 173 .

    [29]سبق توثيق ذلك .

    [30]الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1995 ج 3 ص: 162 .

    [31]نفس المصدر ، ج 2 ص: 153 .

    [32]سبق توثيق ذلك .

    [33]البخاري : الصحيح ، ج 5 ص: 2157 ، رقم : 5378 .

    [34]فتح الباري ، ج 11 ص: 408 -409 .

    [35]ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج 1 ص: 182 ، 382 .

    [36]ابن تيمية : الرد على البكري، حققه محمد عجال ، ط1 ، مكتبة الغرباء ، المدينة المنورة ، 1417 ،ج 1 ص: 382-383 .

    [37]حادي الأرواح ،دار الكتب العلمية ، بيروت ص: 89 . و مفتاح دار السعادة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 2 ص: 234 .

    [38]مسلم : الصحيح ، حققه فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ، بيروت، ج 1 ص: 198 ، رقم : 218 .

    [39]سبق توثيق ذلك .

    [40]البخاري : الصحيح ، ج 6 ص: 2699 ، رقم : 6982 .

    [41]التي فيها (( لم يكن شيء قبله )) .

    [42]ابن حجر: فتح الباري ، ج 13 ص: 410 .

    [43]مجموع الفتاوى ، ج 5 ص: 536 ، 541، 560 . و منهاج السنة النبوية ، ج 1 ص: 232 .

    [44]مجموع الفتاوى ، ج 16 ص: 95 .

    [45]نفس المصدر ، ج 6 ص: 300 ، 301 ، ج 12 ص: 157 .

    [46]ابن تيمية : درء تعارض العقل و النقل ، حققه رشاد سالم ، دار الكنوز ، الرياض ، 1391 ج 5 ص: 41 .

    [47]ابن تيمية : الصفدية ، حققه محمد رشاد سالم ، ط2 ، دن ، دم ن ، 1406 ج 1 ص: 15 ، 16 ، 17 .

    [48]نفس المصدر ، ج 2 ص: 224 -225 .

    [49]ابن تيمية : بيان تلبيس الجهمية ،حققه محمد بن قاسم ، ط1 ، مطبعة الحكومة ، مكة المكرمة ، 1392 ج 1 ص: 589-590 .

    [50]مجموع الفتاوى ، ج 2 ص: 275 ، ج 18 ص: 214 .

    [51]ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج 6 ص: 300 ، ج 12 ص: 226 . و الصفدية ، ج 2 ص: 63 .

    [52]ابن تيمية : درء التعارض ، ج 1 ص: 274 .

    [53]مجموع الفتاوى ، ج 12 ، ص: 143 ، 150 .

    [54]سبق توثيق ذلك .

    [55]ابن حجر : لسان الميزان ، ج 6 ص: 319 .

    [56]نفس المصدر ، ج 6 ص: 319 .

    [57]ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج 4 ص: 440 .

    [58]ابن تيمية : منهاج السنة ، ج 6 ص: 329 ، ج 7 ص: 453 . و ج 8 ص: 165 .

    [59]نفس المصدر ، ج 4 ص: 183 . و ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج 1 ص : 179 .

    [60]أنظر مثلا : الكليني : الأصول من الكافي ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1328 ج 1 ص: 185 ، 187 ، 258 .

    [61] ابن حجر : لسان الميزان ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، 1406 – 1986 ح ، 6 ص: 319 .



    [62]ابن تيمية : منهاج السنة ، ج 1 ص: 261 .

    [63]نفس المصدر ، ج 1 ص: 453-454 .

    [64]نفس المصدر ، ج 7 ص: 454-455 .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    268

    افتراضي رد: نظرات في( انتقادات الحافظ ابن حجر العسقلاني لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني )

    جزاك الله خيرا

  4. #4

    افتراضي رد: نظرات في( انتقادات الحافظ ابن حجر العسقلاني لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني )

    وفيك بارك الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •