حَذْف الجارّ - النصبُ

حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.
· فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).
يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: }لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ{. أي: لا جرم من أن لهم النار.
تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.
أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.
وفي التنْزيل العزيز:}فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما{،أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...
وفيه أيضاً:}وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم{،أي: عجبوا لـِ / من أنْ جاءهم…
وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي:أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.
ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.
ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:
إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:
سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!
قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء…).
ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل…
تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.
ومن السماعي: «نَزْعُ الخافِض» مع ظروف مكان مختصة.
والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.
وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ.ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ… فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:
تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامكم عليَّ إذن حرامُ
فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.
وقولُ ساعِدة:
لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ
فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].
وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:
· الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية.فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: }فجاسوا خلالَ الديار{.
· طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.
ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.
· واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:
*ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول
وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:
قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام
وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.
وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.
· الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن):وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.
· الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: مالاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.
ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة /وَفْقَ المصلحة.
· الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ /بحَسَبِ/ حَسَبَ العمل.

ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.