( تأثرُ التلميذ بشيخه ) .
الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده
الكتاب ، تبصرةً لأولي
الألباب ، مودعا بالعلوم والحِكَم العجب
العجاب .
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله من أشرف
الشعاب ، بعث لخير أمة بأفضلِ
كتاب ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
الأنجاب ، صلاة وسلاما دائميْن إلى يوم
المآب !
وبعد :
فالعلمُ أنصعُ
المراتب ، وأرفعُ
المناقب ، وألذُّ
المشارب ، وأسهلُ
المآرب ، خضْ في
أزهاره ، واشرب من
ينابيعهْ ، شرابا لا تظمأ بعده
أبدا ، فتزال نهما عطِشا للنيلِ منه
مدَدا .
- لا أجملَ من أنْ تعملَ
بعلمك ، وتنتفع
بعملك ، حتى تذادَ عن أولِ من تسعَّرُ بهم
النار ، ويلتحق بهم الخزي
والعار ، وحتى يكون حجة
لك ، لا
عليك .
- تخلَّقْ بمن بُعثَ بمكارم
الأخلاق ، وفضُل على غيرِه
وفاق ، ومنْ كان خلقُه القرآن ، فكانتْ أفعاله أهدى من
أقواله ، وأعمالُه أبلغَ من
رسالاتِه .
هذا القرآن أمَامك فيه
النصائح ، وفيه
المفاضح ،
فاخترْ أيَّهما شئت / طريقَ العفو والعرف والإعراض عن
الجاهلين ، أو طريقَ من عاهدتُم من
المشركين .
وهذه السنة أمامَك فيها الصفات
الحميدة ، والرذائل
المميتة ،
فاختر أيًّا شئت / طريقَ حياء العذراء في
خدرها ، أو طريق الفاجر اللئيم في
مُهجتِها .
وثُلَّـةٌ من
السلف ، وقِلَّـةٌ من
الخلف ، قد خاضوا
البلاد ، وعاثوا في
التلاد ، هذه أخلاقهم
منثورة ، وسيئاتهم
مبتورة ، غاصتْ في لجِّ
حسناتهم ، وبارت في أجِّ
صفحاتهم .
( موازنة )
وهذا شيخُك
الأريب ، الفطنِ
اللبيب // ذو الخلُقِ
الحسن ،-أو- شِرَّةِ
اللسن ، ذو المناقب
الرفيعة ، -أو- المثالب
الدنيئة، ذو خِصالٍ
وضيعة ، -أو- خصائلَ
مقيتة .
ليت شعري !!، من على سيره
أنتهج ، ومن على ممشاه
أبتهج ، -أو- بطريقه
أطِّعج ، وعلى منوَاله
أنعرج!.!.!
كنتُ في جِنازة ممن نحسبهم على
خير ، وقد عُفوا من الفجور
والمَيْر ، فبصُرتُ أحد
الشيوخ ، مَنْ على أخلاقهم
أنوخ ! إشارتُه
حكمٌ ، وطاعتُه
غنمٌ ، عفيفُ
اللسان ، عن الحدَّة
والطغيان ، فقلَّما سلم
مكثار ، من دحرجةٍ أو
عثار ، إلا ثرثارًا في طيبِ
الكلام ، ومشنِّفا لآذان
الأنام .
فأقبلتُ
عليه ، وكلِّي
إليه ، ورفعت رجلاي مقبلًا رأسه ، فأبى
واستنكر ، وغضب
وزمجر .
ثم ذهب إلى أحد شيوخه
مسلِّما ، مستبشرا فرحا
مستسلما ، فرفع رجلاه مقبلًا رأسه ، فرضي
وأذعنْ ، وقبل
واستكنْ ، ذاكَ أنه مطبوعٌ على
المنفعه ، ومِطواعٌ في الضيق
والسَّعة ! السخيُّ
بموجوده ، السميُّ عند
جوده !
( هنا توقف القلم ، فاللهم أعوذ بك من التكلف )
وأقبل على شيخ شيخي أحدُ شيوخه ، مفشي الإحسان ، ومنشئ الاستحستان ! ويكأني أنظر إليه جالسا جلسة التلميذ ، والطالب للعلم الذليل ، فكبُر أمرُه ، وعظُم خطبه .
وإذا بهذا العلم العالم الكبير يتحدَّثُ عن معلمه وناصحه ، ورفيق دربه وأمره ! بكلماتٍ راقيةٍ واقيةٍ باقيةٍ !
فدلفتُ لهذا الخطب الجلل ، لأقتبس من فوائده ، وألتقط بعض فرائده ، فلم أرَ موقفًا نُسج على مِنواله ، ولا سمحتْ قريحةٌ بمثاله !!
فخلُصت إلى مقال أسميتُه ( تأثر التلميذ بشيخه !! ) .
ابذلِ الوصال -أيها الشيخُ - لمن صال ! لا تظلِم - أيها العالِمُ - حينَ تُظلم !
دارِ من جهلَ مقدراك ، وصافِ ممن يأبى إنصافك ، وأغمرْه جميلا ، وإن لم يكن خليلا !
الصدقُ نباهة ، والكذبُ عاهة ، الجوعُ شعارُ الأنبياء ، وحِلية للأولياء .
أنتم أولوا الألبابِ ، والفضلِ اللباب ، لا يجرمنكم شنآن قوم أن تحاسدوا وتباغضوا وتدابروا !
السهر في الخرافات ، من أعظم الآفات ، آآهٍ كم فيه من افتآت ، وبُعْدٍ عن القربات ، وتنفيسٍ للكربات .
سوءُ الطمع ، يبايِنُ الورع - - تطلُّبُ المثالبِ ، شرُّ المعايب !
تحاشي الرِّيَب ، تُرفع به الرٌّتب - تعدِّي الأدب ، يُحبط القُرب !
عند الأوجال ، يتفاضل الرجال !
ختامًا أقول :
هذه موازنة بين الشيخ الدمث الخلوق ، والشيخ الخلِق المتخلِّق .
فمن أيِّ الصنفين أنت ؟ ومن أي الطريقين كنت ؟
اتقِ اللهَ في تلاميذك ، وربِّهم تربية حسناء ، بعيدة عن التربية الحمقاء الخرقاء .
اللهم اغفر لكاتبِ هذه المقالة ، ولمن قرأها ، واتعظ بها ، وغفر لوالديه ، ولجميع المسلمين .
بقلم :
أبو الهُمام البرقاوي
في جُهمة ليلة الأربعاء
الموافق / 9 - 3 - 2011 م
ـــــــــــ
ملاحظتان :
(1) الحمدلة والصلاة على رسول الله
من كتاب (
الإتقان في علوم القرآن ) وبعد توقف القلم ، استعنتُ بالله ثم بـ (
مقامات الحريري ) .
(2) لم يسبقْ لي أن أكتب مقالةً بهذه الطريقة ، فلا يلومنَّني أحدُ الأدباء ، خصوصًا الغرباء ، فما أنا منكم إلا (
كثَـغْبةٍ في دأْماء ، وتُربةٍ في بهْماء )