جهاز ( دينِ ودولة )!!


الحمد لله الذي جعلنا خيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت للنَّاس فقال في مُحكَمِ تنزيله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..) , قال ابن كثير " رحمه الله " : يعني خير الناس للناس : والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس ولهذا قال تعالى : (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..) , ثمَّ الصلاة والسلام على سيِّد ولدِ آدم محمدٍ بن عبد الله القرشي الهاشمي , القائِل : (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم ) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسن . والقائِل : (كلا والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنّه على الحق أطرا ولتقصرنّه على الحق قصرا أو ليضربنّ الله قلوب بعضكم ببعض) رواه أبو داود والترمذي وقال حديثٌ حسن .

وبعد :
* إنَّ دولتنا السلفيَّة , قامت ولله الحمد مُنذ إنشائها على الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر , وقد أنشأت جهازاً يُعنى بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر تأكيداً لحقيقةِ دعوتِها , فهي كما يعلَم الجميع دولةٌ قامت على دعوة , وقد أسمَتْ هذا الجِهاز : " هيئة الأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكِر " .
* إنَّ هذا الجِهاز لا يَنفكُّ مِنْ كوْنهِ جهاز " دِينٍ ودولَة " , وإنَّ المِساس بهذا الجِهاز ومُحاولة الإساءة إليه هو في حقيقة الأمر : إساءةٌ إلى الدِّينِ والدولة , فالدِّين يأمُر بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر , والدولة قد أنشأتْ جِهازاً لتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر .
* إنَّ الذين اختارتهُم الدولة للعملِ في هذا الجهاز , هُم مِن " الإِنس " الظاهرِ عليهِم سِمات الصلاح والنزاهَةِ والتَديُّن , ولم يكونوا قطُّ مِن " الملائكة " , فهُم مُعرَّضين للخطَأ كما هو شأنُ بني آدم في أيِّ دائرة عَمْل , وإنَّ مِن الإجحاف والظُلمِ أنْ يُنسَب خطأُ المُخطِئ على جِهاز الدولة بدلاً مِنْ أنْ يُحسِب على صاحبِه .
* ماذا ينقمون على الهيئة ؟ أينقمونَ على مُحاربتهم الشرك بالله والسحر والشعوذة ؟ أم ينقمونَ على دعوتهم النَّاس إلى الصلاة ؟ أم ينقمون على قبضهِم على شاربي ومروِّجي الخمر ؟ أم ينقمونَ على مُحاربتهم للزِنا و مقدِّماته؟ أم ينقمونَ على مُداهماتهم أوكارَ الفساد والعربدة ؟ أم ينقمونَ على مُطارداتهِم للمُجرميِن المُتجاوزين لحدود الشريعة المُخلِّين بالأمن الاجتماعي ؟ .
* إنَّ حقيقة مَنْ جَعلوا مِن الحرصِ على مصلحة الوطن ستاراً لتمرير الاعتداء على جِهازِ الهيئة هُم في الحقيقة خَوْنَة , ولا يتعدَّى كونهُم أحد رَجُليِْن : 1/ رجلٌ بمثابة أداةٍ عِلمانيَّة تُريد فصل هذا الدِّين مِن شُئون الحياة , وكانت تدري أو لا تدري فهي في نهاية المطاف ليست إلَّا أداةً مُسخَّرَةً لهدمِ هذا الدِّين لصالح كلّ ملّة كُفر . 2/ رجل فسادٍ وفِسق يخشى أنْ يقعَ يوماً في أيدي رِجال هذا الجِهاز .
* يا مَن زعمتُم أنَّ في حَصرِ أعمال الهيئة وتضييقِ نِطاقهَا أو إلغائها مصلحةٌ للدولة : أَكنتُم أعلمُ بمصلحتها مِن مؤسِّسها وحُكَّامها الذين أنشئوها ورسَّخوا قواعدها حتَّى أصبحَت كما نرى اليوم ؟ فهذا الملك عبدالعزيز " رحمه الله " يقول ناصحاً لموظَّفين الدولة كما ورد في جريدة أمَّ القُرى في العدد " 142" لعام ( 1346هـ) : " نحنُ وضعنا جماعةً تأمُر بالمعروف وتنهى عن المُنكَر فبلاغتُها ومقرَّراتها تشمل الجميع على السواء , وأنتُم يا جماعة الموظفين أحقّ الناس باتباع أوامرها واجتناب منهيَّاتها فإنَّكم أنتم المُكلَّفون بتنفيذها فإذا كُنتم لا تبدؤون بأنفسكم وتكونون قدوةً صالحة للنّاس يصعُب تطبيقها وتنفيذها " ويقول ابنه الأمير نايف آل سعود " حفظه الله " كما وردَ في صحيفة "سبق": "ونُخبركُم أنَّ ما تقوم بهِ الدولة تجاه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هو إلَّا الواجِب الذي يُمليه علينا دِيننا الحنيف " .
* وقَدْ لا يعلُم الكثير مِن النَّاس مَدى إسهام الهيئة الكبير في توفير الأمن والرُقيّ الأخلاقي للمُجتمَع , فهذا العقيد / جميل محمّد الميمان , يقول في بحثٍ بعنوان ( القصاص في الإسلام ) : " بصفتي أحد رِجال الأمن في المملكة العربيَّة السعوديَّة أُسجِّل هُنا بكلِّ صراحة كلمة حقٍّ هي : أنَّه لولا وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر , وقيامها بواجبها ورسالتها السامية دونَ كللٍ أو ملل بتأييدٍ مِنْ الحكومة لكانت المُجتمعات السعوديّة في وضعٍ مُخلٍّ أخلاقياً , ولَما أمِنَ المواطِن على عِرْضِهِ , وهي بما تقوم بهِ مِنْ أعمال جليلة هادفة إلى الخير والصلاح ومُحاربة الرذيلة بصورها المُختلِفَة " .
* إنَّ مصلحة أيِّ دولة هي في الحقيقة تكمُن : في أمرها بالتوحيد والسنَّة والمعروف وفي نهيها عن الشرك والبِدع والضلال , ومَن يَظنُّ غير ذلك فهو إمَّا جاهلٌ وإمَّا ضال , فليتعلَّم الجُهَّال وليهتدوا الضُلَّال ,الذين زعموا بأنَّ وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر ,يتنافى مع مصلحة المُجتمَع والدولة .


همسة إلى رجال الهيئة :


كونوا كالشجرِ يقذفِهُ النَّاسُ بالحجرِ , فيجودُ بأطيبِ الثمرِ.



لمْ يبقى إلَّا أنْ أقول :


يجب علينا أنْ لا نرضى الخَطأ في أيِّ دائرة عمل , كما يجب علينا عدم نِسبة الخطأ الفردي إلى دائرة عَمل المُخطِئ, فالخطأ الذي يرتكبَه الفرد وإنْ كان فيهِ استغلال لسلطة العمل, هو خطأٌ يعود على الفرد إذْ أساءَ استخدام تلك السُلطة, لا على العمل المانِح لهُ هذه السُلطَة .



والحمدُ لله ربِّ العالمين .



مِن كتابة : سهيل عمر عبدالله سهيل الشريف .


مصدر المقال : مجلّة الزاخر الأدبيّة.