تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: مقدمة ابن الصلاح: "النوع الأول من أنواع علوم الحديث‏:‏ معرفة الصحيح من الحديث"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    21

    Lightbulb مقدمة ابن الصلاح: "النوع الأول من أنواع علوم الحديث‏:‏ معرفة الصحيح من الحديث"

    السلام عليكم :هذه أول مشاركة لي و أردت أن أستهلها بأجل العلوم و أنفعها بعدكتاب الله عز وجل وهو علم الحديث وهذه مقدمة ابن الصلاح رحمه الله و سننقاها أن شاء الله تباعا

    اعلم- علمك الله وإياي - أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف‏:‏
    أما الحديث الصحيح‏:‏ فهو الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً، ولا معللاً‏.‏
    وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل، والمنقطع، والمعضل، والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح‏.‏ وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى‏.‏
    فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث‏.‏ وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه، أو‏:‏ لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف، كما في المرسل‏.‏
    ومتى قالوا‏:‏ هذا حديث صحيح، فمعناه‏:‏ أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة‏.‏ وليس من شرطه أن يكون مقطوعاً به في نفس الأمر، إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد، وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول‏.‏
    وكذلك إذا قالوا في حديث‏:‏ إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعاً بأنه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صدقاً في نفس الأمر، وإنما المراد به‏:‏ أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، والله أعلم‏.‏
    *2* فوائد مهمة ‏(‏10‏)‏‏:‏
    إحداها‏:‏ الصحيح يتنوع إلى متفق عليه، ومختلف فيه، كما سبق ذكره‏.‏ ويتنوع إلى مشهور، وغريب، وبين ذلك‏.‏
    ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تبتنى الصحة عليها‏.‏ وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر‏.‏ ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق‏.‏ على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك، فاضطربت أقوالهم‏.‏
    فروينا عن‏(‏إسحاق بن راهويه‏)‏ أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها‏:‏ الزهري، عن سالم، عن أبيه‏.‏ وروينا نحوه عن‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏‏.‏
    وروينا عن ‏(‏عمرو بن علي الفلاس‏)‏ أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد‏:‏ محمد بن سيرين، عن عَبيِدة، عن علي‏.‏ وروينا نحوه عن ‏(‏علي بن المديني‏)‏‏.‏ روي ذلك عن غيرهما‏.‏
    ثم منهم من عـَّين الراوي عن محمد، وجعله أيوب السختياني‏.‏ ومنهم من جعله ابن عون‏.‏
    وفيما نرويه عن ‏(‏يحيى بن معين‏)‏ أنه قال‏:‏ أجودها‏:‏ الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله‏.‏
    وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها‏:‏ الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي‏.‏
    وروينا عن ‏(‏أبي عبد الله البخاري‏)‏ - صاحب الصحيح - أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها‏:‏ مالك، عن نافع، عن ابن عمر‏.‏ وبنى الإمام ‏(‏أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي‏)‏ على ذلك‏:‏ أن أجلّ الأسانيد الشافعي، عن مالك، عن نافع،‏(‏11‏)‏ عن ابن عمر، واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه‏:‏ لم يكن في الرواة عن مالك أجلُّ من الشافعي، رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم‏.‏
    الثانية‏:‏ إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثاً صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصاً على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه، عريِّاً عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان‏.‏ فآل الأمر إذاً - في معرفة الصحيح والحسن - إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة، التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود - بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن ذلك - إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، زادها الله تعالى شرفاً، آمين‏.‏
    الثالثة‏:‏ أول من صنف الصحيح ‏(‏البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي‏)‏، مولاهم‏.‏ وتلاه ‏(‏أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري‏)‏، من أنفسهم‏.‏ و‏(‏مسلم‏)‏ - مع أنه أخذ عن‏(‏البخاري‏) واستفاد منه - يشاركه في أكثر شيوخه‏.‏
    وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز‏.‏ وأما ما روينا عن ‏(‏الشافعي‏)‏ رضي الله عنه من أنه قال‏:‏ ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب ‏(‏مالك‏)‏ - ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ - فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي ‏(‏البخاري ومسلم‏)‏‏.‏
    ثم إن ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ أصح الكتابين صحيحاً، وأكثرهما فوائد‏.‏ وأما ما رويناه عن ‏(‏أبي علي الحافظ النيسابوري‏)‏ - أستاذ ‏(‏الحاكم أبي عبد الله الحافظ‏)‏ - من أنه ‏(‏12‏)‏ قال‏:‏ ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب ‏(‏مسلم بن الحجاج‏)‏‏.‏ فهذا - وقول من فضل من شيوخ المغرب ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ - إن كان المراد به‏:‏ أن ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح، فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسروداً، غير ممزوج بمثل ما في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح، فهذا لا بأس به‏.‏ وليس يلزم منه أن ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏‏.‏ وإن كان المراد به‏:‏ أن ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ أصح صحيحاً، فهذا مردود على من يقوله‏.‏ والله أعلم‏.‏
    الرابعة‏:‏ لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما، ولا التزما ذلك‏.‏
    فقد روينا عن ‏(‏البخاري‏)‏ أنه قال‏:‏ ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ، وتركت من الصحاح لملال الطول‏.‏
    وروينا عن ‏(‏مسلم‏)‏ أنه قال‏:‏ ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا - يعني في كتابه الصحيح - إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه‏.‏
    قلت‏:‏ أراد - والله أعلم - أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم‏.‏
    ثم إن ‏(‏أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ‏)‏ قال‏:‏ قلَّ ما يفوت ‏(‏البخاري ومسلماً‏)‏ مما يثبت من الحديث‏.‏ يعني في كتابيهما‏.‏ ولقائل أن يقول‏:‏ ليس ذلك بالقليل، فإن ‏(‏المستدرك على الصحيحين‏)‏ ‏(‏للحاكم أبي عبد الله‏)‏ كتاب كبير، يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير‏.‏ وقد ‏(‏13‏)‏ قال ‏(‏البخاري‏)‏ :‏ أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح‏.‏ وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المتكررة‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث‏.‏ إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين‏.‏ وربما عدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين‏.‏
    ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشهورة لأئمة الحديث‏:‏ ‏(‏كأبي داود السجستاني‏)‏، و‏(‏أبي عيسى الترمذي‏)‏، و‏(‏أبي عبد الرحمن النسائي‏)‏، و‏(‏أبي بكر بن خزيمة‏)‏، و‏(‏أبي الحسن الدارقطني‏)‏، وغيرهم‏.‏ منصوصاً على صحته فيها‏.‏
    ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجوداً في ‏(‏كتاب أبي داود‏)‏، و‏(‏كتاب الترمذي‏)‏، و‏(‏كتاب النسائي‏)‏، وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره‏.‏
    ويكفي مجرد كونه موجوداً في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه، ‏(‏ككتاب ابن خزيمة‏)‏‏.‏ وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ و‏(‏كتاب مسلم‏)‏، ‏(‏ككتاب أبي عوانة الإسفرائيني‏)‏ و‏(‏كتاب أبي بكر الإسماعيلي‏)‏، و‏(‏كتاب أبي بكر البرقاني‏)‏، وغيرها، من تتمة لمحذوف، أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين‏.‏ وكثير من هذا موجود في ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ ‏(‏لأبي عبد الله الحميدي‏)‏‏.‏
    واعتنى ‏(‏الحاكم أبو عبد الله الحافظ‏)‏ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين، وجمع ذلك في كتاب سماه ‏(‏المستدرك‏)‏ أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين‏:‏ مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما، أو على شرط البخاري وحده، أو على شرط مسلم وحده، وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما‏.‏
    ‏(‏14‏)‏ وهو واسع الخطو في شرط الصحيح، متساهل في القضاء به‏.‏ فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول‏:‏ ما حكم بصحته، ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة، إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن، يحُتج به ويُعمل به، إلاَّ أن تظهر فيه علَّة توجب ضعفه‏.‏
    ويقاربه في حكمه ‏(‏صحيح أبي حاتم بن حبان البستي‏)‏، رحمهم الله أجمعين‏.‏ والله أعلم‏.‏
    الخامسة‏:‏ الكتب المخرجة على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ أو ‏(‏كتاب مسلم‏)‏، رضي الله عنهما، لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان، لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم، طلباً لعلوِّ الإسناد فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ‏.‏
    وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة‏:‏ ‏(‏كالسنن الكبير للبيهقي‏)‏، و‏(‏شرح السنة لأبي محمد البغوي‏)‏، وغيرهما، مما قالوا فيه‏:‏ أخرجه البخاري أو مسلم، فلا يستفاد بذلك أكثر من أن ‏(‏البخاري أو مسلماً‏)‏ أخرج أصل ذلك الحديث، مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ، وربما كان تفاوتاً في بعض المعنى، فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى‏.‏
    وإذا كان الأمر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثاً منها وتقول‏:‏ هو على هذا الوجه في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ أو ‏(‏كتاب مسلم‏)‏، إلا أن تقابل لفظه، أو يكون الذي خرجه قد قال أخرجه ‏(‏البخاري‏)‏ بهذا اللفظ‏.‏
    بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين، فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما‏.‏ غير أن ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ ‏(‏للحُميدي الأندلسي‏)‏ منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث، كما قدمنا ذكره، فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ، لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين‏.‏
    ‏(‏15‏)‏ ثم إن التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان‏:‏ إحداهما‏:‏ علو الإسناد‏.‏ والثانية‏:‏ الزيادة في قدر الصحيح، لما يقع فيها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث، يثبت صحتها بهذه التخاريج، لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما، وخارجة من ذلك المخرج الثابت، والله أعلم‏.‏
    السادسة‏:‏ ما أسنده ‏(‏البخاري ومسلم‏)‏ - رحمهما الله - في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال‏.‏ وأما المعلق - وهو الذي حُذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر - وأغلب ما وقع ذلك في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏، وهو في ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ قليل جداً، ففي بعضه نظر‏.‏
    وينبغي أن تقول‏:‏ ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم، وحكم به على من علقه عنه، فقد حكم بصحته عنه‏.‏
    مثاله‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ كذا وكذا، قال‏:‏ ابن عباس كذا، قال مجاهد‏:‏ كذا، قال عفان‏:‏ كذا‏.‏ قال القعنبي‏:‏ كذا، روى أبو هريرة كذا وكذا، وما أشبه ذلك من العبارات‏.‏
    فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه، فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه‏.‏
    ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة‏:‏ فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي‏.‏
    وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم، مثل‏:‏ رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، أو روي عن فلان كذا، أو في الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه، لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضاً‏.‏ ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعاراً يؤنس به ويركن إليه، والله أعلم‏.‏
    ‏(‏16‏)‏ ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل، يوجد في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه، الذي يشعر به اسمه الذي سماه به، وهو‏:‏ ‏(‏الجامع المسند الصحيح، المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه‏)‏‏.‏
    وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله‏:‏ ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح‏.‏
    وكذلك مطلق قول ‏(‏الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي‏)‏‏:‏ أجمع أهل العلم - الفقهاء وغيرهم - على أن رجلاً لو حلف بالطلاق‏:‏ أن جميع ما في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاله لا شك فيه، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته‏.‏
    وكذلك ما ذكره ‏(‏أبو عبد الله الحميدي‏)‏ في كتابه ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ من قوله‏:‏ لم نجد من الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين‏.‏
    فإنما المراد بكل ذلك‏:‏ مقاصد الكتاب وموضوعه، ومتون الأبواب، دون التراجم ونحوها، لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعاً‏.‏
    مثل قول‏:‏ ‏(‏البخاري‏)‏ باب ما يذكر في الفخذ، ويروى عن ابن عباس وجَرهَد ومحمد بن جحش عن النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏‏(‏الفخذ عورة‏)‏‏)‏‏.‏
    ‏(‏17‏)‏ وقوله في أول باب من أبواب الغسل‏:‏ وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أحق أن يستحي منه‏)‏‏)‏‏.‏
    فهذا قطعاً ليس من شرطه، ولذلك لم يورده ‏(‏الحميدي‏)‏ في جمعه بين الصحيحين، فاعلم ذلك فإنه مهم خافٍ، والله أعلم‏.‏
    السابعة‏:‏ وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك - كما سبق ذكره - فالحاجة ماسة إلى التنبيه على أقسامه باعتبار ذلك‏.‏
    فأولهما‏:‏ صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعاً‏.‏
    الثاني‏:‏ صحيح انفرد به البخاري، أي عن مسلم‏.‏
    الثالث‏:‏ صحيح انفرد به مسلم، أي عن البخاري‏.‏
    الرابع‏:‏ صحيح على شرطهما، لم يخرجاه‏.‏
    الخامس‏:‏ صحيح على شرط البخاري، لم يخرجه‏.‏
    السادس‏:‏ صحيح على شرط مسلم، لم يخرجه‏.‏
    السابع‏:‏ صحيح عند غيرهما، وليس على شرط واحد منهما‏.‏
    هذه أمهات أقسامه، وأعلاها الأول، وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيراً‏:‏ صحيح متفق عليه‏.‏ يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم، لا اتفاق الأمة ‏(‏18‏)‏ عليه‏.‏ لكن اتفاق الأئمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول‏.‏
    وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به‏.‏ خلافاً لقول من نفى ذلك، محتجاً بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ‏.‏
    وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قوياً، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ‏.‏ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبتني على الاجتهاد حجة مقطوعاً بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك‏.‏
    وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها‏:‏ القول بأن ما انفرد به ‏(‏البخاري‏)‏ أو ‏(‏مسلم‏)‏ مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، ‏(‏كالدارقطني‏ )‏ وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم‏.‏
    الثامنة‏:‏ إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة، فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك - إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث، أو الاحتجاج به لدى مذهب - أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة، مروية بروايات متنوعة، ليحصل له بذلك- مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف - الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول، والله أعلم



    قل حسبي الله لا إلاه إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    223

    افتراضي رد: مقدمة إبن الصلاح:"النوع الأول من أنواع علوم الحديث‏:‏ معرفة الصحيح من الحديث"

    بارك الله فيكم ، وجزاكم الله خيرا .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    21

    افتراضي مقدمة ابن الصلاح ... النوع الثاني ‏‏:‏ معرفة الحسن من الحديث

    السلام عليكم

    *1*
    النوع الثاني ‏ ‏‏:‏ معرفة الحسن من الحديث

    روينا عن‏(‏أبي سليمان الخطابي‏)‏ - رحمه الله - أنه قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها‏:‏ الحسن‏:‏ ما عرف مخرجه واشتهر رجاله‏.‏ قال‏:‏ وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء‏.‏
    وروينا عن ‏(‏أبي عيسى الترمذي‏)‏ رضي الله عنه أنه يريد بالحسن‏:‏ أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك‏.‏
    وقال بعض المتأخرين‏:‏ الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن، ويصلح للعمل به‏.‏
    قلت‏:‏ كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره ‏(‏الترمذي‏)‏ و‏(‏الخطابي‏)‏ ما يفصل الحسن من الصحيح‏.‏ وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقَّح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان‏:‏
    أحدهما‏:‏ الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث - أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق - ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً ومنكراً، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل‏.‏
    ‏(‏20‏)‏ القسم الثاني‏:‏ أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا _ مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً ومنكرا _ سلامته من أن يكون معللاً‏.‏
    وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي‏.‏
    فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك، وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصراً كل واحد منهما على ما رأى أنه يُشكل، معرضاً عما رأى أنه لا يشكل‏.‏ أو أنه غفل عن البعض وذهل، والله أعلم، هذا تأصيل ذلك وتوضيحه‏.‏
    *2* تنبيهات وتفريعات
    أحدها‏:‏ الحسن يتقاصر عن الصحيح، في أن الصحيح من شرطه‏:‏ أن يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم، إما بالنقل الصريح، أو بطريق الاستفاضة،‏.‏ على ما سنبينه إن شاء الله تعالى‏.‏
    وذلك غير مشترط في الحسن، فإنه يُكتفى فيه بما سبق ذكره، من مجيء الحديث من وجوه، وغير ذلك مما تقدم شرحه‏.‏
    وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مُستبعد، ذكرنا له نص الشافعي، رضي الله عنه في مراسيل التابعين‏:‏ أنه يقبل منها المُرسل الذي جاء نحوه مسندا، وكذلك لو وافقه مرسل آخر، أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول، في كلام له ذكر فيه وجوهاً من الاستدلال على صحة مخرج المرسل، لمجيئه من وجه آخر‏.‏
    وذكرنا له أيضا ما حكاه ‏(‏الإمام أبو المظفر السمعاني‏)‏ وغيره، عن بعض أصحاب الشافعي من أنه‏:‏ تُقبل رواية المستور، وإن لم تقبل شهادة المستور، ولذلك وجه متجه، كيف وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور، على ما سبق آنفاً‏.‏ والله أعلم‏.‏
    ‏(‏21‏)‏ الثاني‏:‏ لعل الباحث الفهم يقول‏:‏ إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث‏:‏ ‏(‏‏(‏الأذنان من الرأس‏)‏‏)‏ ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك عضد بعضاً، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً‏.‏
    وجواب ذلك‏:‏ أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت‏:‏
    فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة‏.‏ فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له‏.‏ وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر‏.‏
    ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته‏.‏ وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً‏.‏
    وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة‏.‏ والله أعلم‏.‏
    الثالث‏:‏ إذا كان راوي الحديث متأخراً عن درجة أهل الحفظ والإتقان، غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي مع ذلك حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح‏.‏ مثاله‏:‏حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة‏)‏‏)‏‏.‏
    ‏(‏22‏)‏ فمحمد بن عمرو بن علقمة‏:‏ من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان، حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن‏.‏ فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر، زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النقص اليسير، فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح، والله أعلم‏.‏
    الرابع‏:‏ ‏(‏كتاب أبي عيسى الترمذي‏)‏ رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهوالذى نوَّه باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه‏.‏
    ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله،‏(‏كأحمد بن حنبل‏)‏، و‏(‏البخاري‏)‏ ، وغيرها‏.‏
    وتختلف النسخ من ‏(‏كتاب الترمذي‏)‏ في قول‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏ أو‏:‏ هذا حديث حسن صحيح، ونحو ذلك‏.‏ فينبغي أن تصحح أصلك به بجماعة أصول، وتعتمد على ما اتفقت عليه‏.‏
    ونص ‏(‏الدارقطني‏) في ‏(‏سننه‏)‏ على كثير من ذلك‏.‏
    ومن مظانه ‏(‏سنن أبى داود السجستاني‏)‏ رحمه الله‏.‏ روينا عنه انه قال‏:‏ ذكرت فيه الصحيح ومايشبه ويقاربه‏.‏ وروينا عنه أيضاً ما معناه‏:‏ أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه في ذلك الباب‏.‏ وقال‏:‏ ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بيَّنته، ومالم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض‏.‏
    قلت‏:‏ فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً، وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، عرفناه بأنه من الحسن عند أبى داود‏.‏
    ‏(‏23‏)‏ وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند ه، ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق، إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ‏:‏ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول‏:‏ كان من مذهب أبى عبد الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه‏.‏ وقال ابن منده‏:‏ وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأى الرجال، والله اعلم‏.‏
    الخامس‏:‏ ما صار إليه صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه إلى نوعين‏:‏ الصحاح والحسان، مريداً بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما، وبالحسان ما أورده ‏(‏أبو داود‏)‏ و‏(‏الترمذي‏)‏ وأشباههما في تصانيفهم‏.‏ فهذا اصطلاح لا يعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك‏.‏ وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن كما سبق بيانه، والله أعلم‏.‏
    السادس‏:‏ كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي‏:‏ ‏(‏الصحيحان‏)‏ ، ‏(‏وسنن أبي داود‏)‏، و‏(‏سنن النسائي‏)‏، و‏(‏جامع الترمذي‏)‏، وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقاً، ‏(‏كمسند أبي داود الطيالسي‏)‏، و‏(‏مسند عبيد الله بن موسى‏)‏، و‏(‏مسند أحمد بن حنبل‏)‏، و‏(‏مسند إسحاق بن راهويه‏)‏، و‏(‏مسند عبد بن حميد‏)‏، و‏(‏مسند الدارمي‏)‏، و‏(‏مسند أبي يعلى الموصلي‏)‏، و‏(‏مسند الحسن بن سفيان‏)‏، و‏(‏مسند البزار أبي بكر‏)‏ وأشباهها، فهذه عادتهم فيها‏:‏ أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه، غير متقيدين بأن يكون حديثاً محتجاً به‏.‏ فلهذا تأخرت مرتبتها - وإن جلَّت لجلالة مؤلفيها - عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب، والله أعلم‏.‏
    السابع‏:‏ قولهم‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد‏)‏ دون قولهم‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح أو حديث حسن‏)‏ لأنه قد يقال‏:‏ هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذاً أو معللاً‏.‏
    ‏(‏24‏)‏ غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله‏:‏ إنه صحيح الإسناد، ولم يذكر له علَّة، ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه، لأن عدم العلَّة والقادح هو الأصل والظاهر، والله أعلم‏.‏
    الثامن‏:‏ في قول الترمذي وغيره‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ إشكال، لأن الحسن قاصر عن الصحيح، كما سبق إيضاحه‏.‏ ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته‏.‏
    وجوابه‏:‏ أن ذلك راجع إلى الإسناد، فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين‏:‏ أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح، استقام أن يقال فيه‏:‏ إنه حديث حسن صحيح، أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر‏.‏
    على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي، وهو‏:‏ ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده، فاعلم ذلك، والله أعلم‏.‏
    التاسع‏:‏ من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجاً في أنواع الصحيح، لاندراجه في أنواع ما يحتج به‏.‏ وهو الظاهر من كلام ‏(‏الحاكم أبي عبد الله الحافظ‏)‏ في تصرفاته، وإليه يومىء في تسميته كتاب الترمذي ‏(‏بالجامع الصحيح‏)‏‏.‏ وأطلق ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏ أيضاً عليه اسم الصحيح، وعلى كتاب النسائي‏.‏ وذكر الحافظ ‏(‏أبو الطاهر السلفي‏)‏ الكتب الخمسة وقال‏:‏ اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب‏.‏
    وهذا تساهل، لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفاً أو منكراً أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف‏.‏ وصرَّح ‏(‏أبو داود‏)‏ فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره، و‏(‏الترمذي‏)‏ مصرِّح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن‏.‏
    ثم إن من سمَّى الحسن صحيحاً لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم المبين أولاً، فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى، والله أعلم‏.‏
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    قل حسبي الله لا إلاه إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    223

    افتراضي رد: مقدمة ابن الصلاح ... النوع الثاني ‏‏:‏ معرفة الحسن من الحديث

    بارك الله فيكم ، هل يعتبر هذا تلخيصا لكتاب مقدمة ابن الصلاح؟ والتعليقات المذكورة فيه هل هي لابن الصلاح ام هي من تعليقاتكم؟

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    21

    افتراضي رد: مقدمة ابن الصلاح ... النوع الثاني ‏‏:‏ معرفة الحسن من الحديث

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    بل هذا نقل لكتاب ابن الصلاح رحمه الله
    و سأقوم بنقله إن شاء الله تباعا
    و أنا إنسان بسيط من أين لي أن أعلق على هذه الجبال
    وفقكم الله لما يحب و يرضى
    قل حسبي الله لا إلاه إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    21

    افتراضي مقدمة ابن الصلاح:" النوع الثالث‏:‏ معرفة الضعيف من الحديث"

    *1* النوع الثالث‏:‏ معرفة الضعيف من الحديث ‏(‏25‏)‏
    كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن، المذكورات فيما تقدم، فهو حديث ضعيف‏.‏ وأطنب ‏(‏أبو حاتم بن حبان البستي‏)‏ في تقسيمه، فبلغ به خمسين قسماً إلا واحدا ً، وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك‏.‏
    وسبيل من أراد البسط‏:‏ أن يعمد إلى صفة معينة منها، فيجعل ما عدمت فيه - من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن - قسماً واحداً‏.‏ ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسماً ثانياً‏.‏ ثم ما عدمت فيه مع صفيتين معينتين قسماً ثالثاً‏.‏ وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمعاء‏.‏ ثم يعود ويعين من الابتداء صفة غير التي عينها أولاً، ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسماً، ثم القسم الآخر ما عدلت فيه مع عدم صفة أخرى، ولتكن الصفة الأخرى غير الصفة الأولى المبدوء بها، لكون ذلك سبق في أقسام عدم الصفة الأولى، وهكذا هلمَّ جرا إلى آخر الصفات‏.‏
    ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الأخر الأرذل‏.‏ وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك، فتتضاعف بذلك الأقسام‏.‏
    والذي له لقب خاص معروف من أقسام ذلك‏:‏ الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى‏.‏
    والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم أنواع علوم الحديث، لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا الآن من أقسامه‏.‏ ونسأل الله تبارك وتعالى تعميم النفع به في الدارين، آمين‏.‏
    قل حسبي الله لا إلاه إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •