تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الجامع لقواعد النجاة فى الفتن (شارك معنا )

  1. #1

    افتراضي الجامع لقواعد النجاة فى الفتن (شارك معنا )

    قاعدة عظيمة : لا تستحسن قولك إلا بعد سؤال أهل العلم الكبار.
    رجاء المشاركة حتى نجمع من العلم ما ينفعنا للنجاة من الحيرة وفقدان البصيرة عند وقع النوازل والفتن

  2. #2

    افتراضي رد: الجامع لقواعد النجاة فى الفتن (شارك معنا )

    1- تحقيق التوحيد ، والإخلاص لله
    فإن الله - تعالى - هو رب الكون ومدبره ، ولا يقع شيء إلا بإذنه ، له الخلق والأمر { كل يوم هو في شأن } .

    فعلى المسلم أن يجدد إيمانه بربه ، وثقته به ، وتوكله عليه ، فإنه سبحانه أغير على دينه ، وعباده المؤمنين من كل أحد { إن الله يدافع عن الذين آمنوا }

    وتحقيق الإيمان المطلق بالقضاء والقدر ، وأنه لا يقع في الكون شيء دقَّ أو جلَّ كبُر أم صغُرَ إلا بقضاء الله وقدره .. { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } { إنا كل شيء خلقناه بقدر } 0{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }

    2- الاعتصام بالكتاب والسنة :
    فإنه لا نجاة للأمة من الفتن والشدائد التي حلت بها إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، لأن من تمسك بهما أنجاه الله ومن دعا إليهما هُدِيَ إلى صراط مستقيم. يقول الله تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } الآية .

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله " . رواه مسلم 1218

    وقال صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم أمرين ؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " قال الألباني في كتاب " منزلة السنة " (13) : إسناده حسن .

    قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله : وطريق النجاة من الفتن هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ...

    عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال : لما وقع من أمر عثمان ما كان وتكلم الناس في أمره أتيت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر ما المخرج ؟ قال : كتاب الله .

    3- العبادة والعمل الصالح
    روى مسلم (2948) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) .

    قال النووي :
    الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلاط أُمُور النَّاس . وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا , وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا , وَلا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلا أَفْرَاد اهـ .

    قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَأَنَّ فِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْفِتَن وَالْمَشَقَّة الْبَالِغَة سَتَقَعُ حَتَّى يَخِفّ أَمْر الدِّين وَيَقِلّ الاعْتِنَاء بِأَمْرِهِ وَلا يَبْقَى لأَحَدٍ اِعْتِنَاء إِلا بِأَمْرِ دُنْيَاهُ وَمَعَاشه نَفْسه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ , وَمِنْ ثَمَّ عَظُمَ قَدْر الْعِبَادَة أَيَّام الْفِتْنَة اهـ .

    فالمؤمن مطالب بعبادة الله تعالى على الدوام ، ولاسيما في أوقات الفتن والأزمات ، مطالب بالاشتغال بالشيء المثمر من المحافظة على الصلاة واللهج بالذكر ، والإلحاح في الدعاء . . . بدلاً تضييع الأوقات في الأحاديث التي لا تنفع ، بل قد تضر .

    4- التوبة والاستغفار والتسبيح والدعاء
    قال الله تعالى : ( فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام / 43 .

    التضرع هو اللجوء إلى الله في الشدة ، والدعاء ، والخضوع . مستفاد من كلام القرطبي وابن كثير والسعدي .

    قال العباس وعلي - رضي الله عنهما - : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة

    5- التسلح بالعلم الشرعي :
    قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ) رواه البخاري (6808) ومسلم (2671) .

    فالعلم الشرعي مطلب مهم في مواجهة الفتن حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم العلم الشرعي تخبط في هذه الفتن.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه : " إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم ".

    وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى: " فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاة الهدى".

    ومن الضروري أن يغتنم الإنسان أوقات الرخاء للتعلم قبل أن تجيئه الفتن فلا يجد وقتا للتعلم.

    6- الالتفاف حــول العلـماء المُجَربين والدعاة الصادقين ..
    فمن الأهمية وجود العلماء والدعاة الذين يُلتف حولهم ، فإن وجدوا فمن الواجب الالتفاف حولهم خاصة في أزمان الفتن ، إذ الالتفاف حول العلماء الربانيين العاملين الصادقين ممن جربوا في الفتن فثبتوا وما غيروا وبدلوا عامل معين على عدم الزيغ والانحراف في وقت الفتن، فلا بد من الالتفاف حولهم بحضور حِلَقِهِم العلمية وزيارتهم والصدور عن رأيهم وعدم اتخاذ رأي أو اجتهاد أو موقف من غير الرجوع إليهم ، وقد حدثت في التاريخ الإِسلامي فتن ثّبت الله فيها المسلمين بعلمائهم ومن ذلك :
    ما قاله علي بن المديني رحمه الله:" أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة ".

    ولذلك كان السلف الصالح عند تغير الأحوال يلتفون حول علمائهم وإليك نماذج من ذلك .
    1- عن بشير بن عمرو قال: شيَّعنا ابن مسعود حين خرج، فنزل في طريق القادسية فدخل بستاناً فقضى حاجته ثم توضأ ومسح على جوربيه ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء فقلنا له: اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال : اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بَرٌّ أو يُستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة .

    2- عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال : حدثني أبي قال : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري ، فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟
    قلنا: لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيرا ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصى ، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة ، فيهللون مائة ، ويقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة ، قال : فماذا قلت لهم ؟
    قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ !
    ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟
    قالوا : يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ..
    ويحكم يا أمة محمد ، ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحو باب ضلالة ؟ !
    قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : ( فذكر الحديث ) ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم .
    ثم تولى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج . أخرجه الدارمي (1/68) وقال عنه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/12) : إسناده صحيح .

    3- ما ذكره ابن القيم عن دور شيخه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا ".

    7- لزوم جماعة المسلمين وخليفتهم
    روى البخاري (3606) ومسلم (1847) عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قال كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ .
    قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟
    قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ .
    قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا .
    قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُون َ بِأَلْسِنَتِنَا .
    قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ .
    والجماعة ليست بالكثرة ولكن من كان على منهج أهل السنة والجماعة فهو الجماعة.
    يقول عبد الله بن مسعود : لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة .

    وقال أيضاً : الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك .

    فمن طرق النجاة من الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين .

    عندما كان عبد الله بن مسعود في الحج مع عثمان، وكان عثمان يتم الصلاة في منى وكان ابن مسعود يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في منى ركعتين .
    فقيل له : تقول هذا وأنت تصلي مع عثمان أربع ركعات ؟ فقال : يا هذا الخلاف شر .

    8- تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية في أجلى صورها
    وذلك بشعور القلب وحركة اللسان وعمل البدن وفق المعطيات المتاحة .
    ومن ذلك :
    1- الولاء للمؤمنين وعدم إعانة الكافرين عليهم ، إذ إن الحكم في مناصرة الكافرين على المسلمين ، وتولي اليهود والنصارى جليٌّ مُشرق لا لبس فيه ولا غموض .."، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في نواقض الإسلام : " الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله - تعالى - : " ومن يتولهم منكم فإنه منهم" أ هـ.

    والمطلوب من المسلمين تحقيق الأخوة فيما بينهم ، ونصرة بعضهم بعضاً ، فإن عقد الولاء قائم في محكم التنـزيل ونصوص السنة

    2- ومن ذلك السعي في إغاثة المنكوبين وإعانتهم من الأطفال والشيوخ والنساء والمشردين، وأن يكون لإخوانهم زمام المبادرة والسبق ، وليس لمنظمة الصليب الأحمر أو برنامج الغذاء العالمي أو غيرهم من الدول الشرقية والغربية .

    9- دور شباب الصحوة في المحن والفتن
    1- الإغاثة .
    2- إدارة المنشآت العامة .
    3- إسعاف المصابين .
    4- وعظ الناس .
    5- الاهتمام بالضعفاء من المسلمين ( النساء ، وكبار السن ، والأطفال )
    6- إدارة الحرب الإعلامية .
    7- التضحية والبذل للدين وتقديم الغالي والرخيص في سبيله حتى آخر قطرة .
    8- كبح جماح الانفعالات ، وأن يكون عند الشباب برغم حرارة الانفعال وشدة التأثر تبصرٌ في معالجة الأمور ، فينبغي ألا يخرجنا التأثر إلى التهور ، ولا الحماس إلى الطيش ، وإن حماس الشباب طاقة فاعلة منتجة إذا وجهت في الطريق الرشيد ، وعلى كل شاب ألا يجعل من حماسه صهريج وقود يمكن أن يشعلهُ أي عابث ، وإن العبرة ليست بتنفيس المشاعر ، وتفريغ العواطف ، ولكن العبرة بتحقيق المصالح ، ودرء المفاسد .

    10- التسلح بأخلاق الفتن ..
    إن للفتن أخلاقا يجب التحلي بها حتى لا تؤثر تلك الفتن سلبا على الإنسان ، أو يكون هو بنفسه يؤثر سلبا على جماعة المسلمين ..
    فمن تلك الأخلاق :
    *أ- التأني والرفق والحلم وعدم العجلة :
    فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يُمكِّن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها وأن يبصر الأمور على ما هي عليه.
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم ( 4698 ) . وقال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة ) رواه مسلم ( 24 ) .
    فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف وفي كل ما يجدّ من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإِسلامية وخاصة في زمن الفتن .
    *ب- الصبر:
    نحتاج إلى الصبر كثيراً ، وخصوصاً عند الفتن . يقول الله تعالى : ( ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) .
    وعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ . " أخرجه أبوداود (4341 ) وابن ماجه ( 4014 ) وصححه الألباني في الصحيحة ( 494 ) بشواهده .
    فاصبر فإنك في النوازل رائد والدرب نعلم شائك وطويل
    فالصبر روضات لأبناء الهدى ولجنة الرحمن تلك سبيل
    وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف ولذلك وَعَى السلف الصالح أهمية الصبر عند وقوع الفتن والحوادث وإليك نماذج مْن سيرتهم .
    -لما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بالصبر ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة . صححه الألباني في تخريج فقه السيرة ص 103 .
    - عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه البخاري (7068)
    قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ . " فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : أَبْصِرْ مَا تَقُولُ . قَالَ : أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا : إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ . أخرجه مسلم ( 2889 )
    قال النعمان بن بشير : " إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً "
    -عندما واجه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الفتنة العمياء بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد فصبر وتمسك بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم حتى نصره الله وفرَّج عنه الغمة.
    *ج- العدل والإنصاف في الأمر كله :
    فإن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد وخصوصاً زمن الفتن فقدان العدل والإنصاف ، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيراً من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله تعالى .
    يقول الله تعالى : ( وإذا قلتم فاعدلوا ) . ويقول تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
    فلا بد من العدل في الأقوال والأعمال وخصوصاً زمن الفتن ، بمعنى أن يأتي الإِنسان بالأمور الحسنة والأمور السيئة ثم يوازن بينهما وبعد ذلك يحكم ، لأن في الموازنة عصمة للمسلم من أن ينسب للشرع ما ليس موافقاً لما أمر الله به وبالتالي يكون عدلك وإنصافك في الفتنة منجياً بإذن الله تعالى .
    قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله " فأوصيكم أيها الأخوة بالعدل في الأمور كلها ، والموازنة بينها ، والحكم للراجح فيها ، والتسوية بينها في الحكم عند التساوي ، وهذه قاعدة كبيرة يجب على العاقل أن يتمشى عليها في سيره إلى الله وفي سيره مع عباد الله ليكون قائماً بالقسط والله يحب المقسطين ".
    وإليك نموذجاُ من نهج سلفنا الصالح في حرصهم على العدل والإنصاف :
    روى مسلم (1828) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ مِمَّنْ أَنْتَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقَالَتْ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ فَقَالَ مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ فَقَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ .
    قال النووي رحمة الله معلقاً على هذا الحديث :
    فِيهِ : أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُر فَضْل أَهْل الْفَضْل , وَلا يَمْتَنِع مِنْهُ لِسَبَبِ عَدَاوَة وَنَحْوهَا , وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْل مُحَمَّد هَذَا , قِيلَ : فِي الْمَعْرَكَة , وَقِيلَ : بَلْ قُتِلَ أَسِيرًا بَعْدهَا . . . اهـ .
    وهذا المسئول عنه هو معاوية بن حُديج وكان قد قتل محمد بن أبي بكر . السير (3/38) .
    والله أعلم .
    11- الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام والتبشير بذلك : ( حَتَّى إِذَا اْسَتيئسَ الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ) .

    12- النظر في عواقب الأمور :
    ففي زمن الفتن ليس كل مقال يبدو لك حسناً تظهره ولا كل فعل يبدو لك حسناً تفعله، لأن القول أو الفعل زمن الفتنة يترتب عليه أمور ، يفهم بعضهم أشياء لا تبلغها عقولهم ويبنون عليها اعتقادات أو أعمالاً أو أقوالاً لا تكون عاقبتها حميدة .

    وسلفنا الصالح أحبوا السلامة في الفتن فسكتوا عن أشياء كثيرة طلباً للسلامة في دينهم وإليك نماذج من سيرتهم العطرة:
    1- روى البخاري (120) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ .

    قال الحافظ :
    وَحَمَلَ الْعُلَمَاء الْوِعَاء الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ عَلَى الأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِين أَسَامِي أُمَرَاء السُّوء وَأَحْوَالهمْ وَزَمَنهمْ , وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكُنِّي عَنْ بَعْضه وَلا يُصَرِّح بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ , كَقَوْلِهِ : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان يُشِير إِلَى خِلَافَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة لأنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنْ الْهِجْرَة . وَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاء أَبِي هُرَيْرَة فَمَاتَ قَبْلهَا بِسَنَةٍ اهـ .

    2- عندما حوصر عثمان بن عفان رضي الله عنه في زمن الفتنة وقف بعض الصحابة يريدون الدفاع عنه كعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وأبي هريرة وغيرهم، فقال رضي الله عنه: أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله. ولو تركهم رضي الله عنه لمنعوه ولدافعوا عنه ولكن نظر إلى عاقبة الأمر وأنه ربما يحصل سفك دماء فاختار أن يكون كخير ابني آدم.

    - الحذر من الإشاعات
    الحمد لله
    نعيش اليوم ، واقع كثير من الإشاعات التي تسوق الأماني على شكل أخبار ، تنشرها مواقع ومنتديات على شبكة الإنترنت؛ لتبثها للناس على أنها بشائر ، فتتلقفها قلوب الطيبين على أنها حقائق لا تقبل الشك ، جاءت من مصادر موثوقة ، ولئن ثبت وقوع شيء من ذلك فقد بقي الكثير منه ركاماً من الشائعات يستطيع من شاء أن يقول لنا : إن هذا إلا اختلاق !
    إن المتأمل يدرك أن كثيراً من وسائل الإعلام العالمية ، وتبعاً لذلك العربية بالغت في تغطية بعض الأحداث ، وتدخلت في تحليلها بطريقة غير موضوعية تنم عن انحياز سافر ، وفقدان للموضوعية مكشوف ، وتتشفى بالتزيد والتهويل ، وما هو عنها بغريب ، فإن المصداقية في هذه الوسائل غير متوفرة ، خصوصاً حين تتدخل عواطفها ورغباتها .
    دع عنك أن الموضوعية الإعلامية أصبحت إحدى ضحايا هذه الحرب القائمة وتنكرت الدوائر الغربية للدروس المثالية التي كانت تلقنها الآخرين .
    لكن هذا لا يعني المجادلة في الحقائق المادية ، ولا نكران الأوضاع الحسية القائمة ، ولا مقابلة ذلك الانحياز السافر بمبالغات وظنون .
    وهنا نقف أمام حقائق نذكر بها أنفسنا ، والخيرين الذين يتلقفون هذه الأخبار ويبشرون بها غيرهم بنيات طيبة وقلوب سليمة ، ونعظ بها أولئك الذين اختلقوا هذه الإشاعات وتولوا ترويجها .
    (1) أن علينا أن نكون يقظين في تلقي هذه الأخبار ، وألا يشفع لقبولها ملاقاتها لرغباتنا وأمانينا، فلنا منهجية في التثبت ينبغي أن تكون مطردة فيما نحب ونكره، فليس صحيحاً أن نشكك في الخبر المصور من أرض المعركة ، ونثير تساؤلات الشك والريبة حوله مع أن منتهاه الحسّ، في حين ينشر خبر عبر رسائل الجوالات مصدره بعض مواقع الإنترنت ، وإذا كان هناك من يتقبل مثل هذه الأخبار، فليعلم أن الناس لن يصدقوه ، فليحذر أن يجعل نفسه عرضة للتكذيب، وقديما قيل "من تتبع غرائب الأخبار كُذِّب".
    (2) علينا أن نَحْذر من جهالة المصدر ، وليس خبر أهم من أخبار السنة النبوية ومع ذلك فليس من منهج المسلمين قبولها من المجاهيل ، ولذا فلا بد من تلقي الأخبار من مصدر موثوق ، فإن لم يكن موثوقاً فلا أقل من أن يكون معلوماً ، بحيث ينال شرف الصدق ، وتلحقه معرة الكذب (وبئس مطية الرجل زعموا ) .
    (3) إذا كان هناك من استجازوا اختلاق هذه الإشاعات بأنواع التأولات فإن علينا أن نرفض جعل أنفسنا رواحل لنقلها ، نُصَدَّقها ثم نُسَوِّقها، (فمن حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) .
    (4) مما يتأوله هؤلاء الذين يختلقون تلك الإشاعات أنها من الكذب في الحرب وهو مباح، ويتجاهلون ولا يجهلون أن القدر المباح من الكذب في الحرب هو الذي يضلل الأعداء وليس الذي يُسَوَّق الوهم ويُغَرِر بالمسلمين .
    (5) إذا كنا خسرنا جوانب من المعركة ، فإن علينا ألا نخسر الصدق الذي هو رأس مالنا في التعامل مع الناس، وسيطول استغراب الناس وعجبهم إذا اكتشفوا أن هذه الأخبار الكاذبة كانت تنقل إليهم عبر وسيط صالح ، ومن جُرَّب عليه الكذب ، أو نَقْل الكذب وتَصديقَه فلن يكون محلاً للثقة بعد.
    (6) وكما سيفجع الطيبون فيرتابوا في الراوي الذي كان الصلاح يظهر عليه، لأنه كان يحدثهم بهذه الأخبار ويؤكدها لهم ، فكذلك سيشمت آخرون، لهم موقف من هؤلاء الشباب ليقولوا: هذه أخبارهم ، وهذه مصداقيتهم ! وسيجد كل من شَرِق بالصحوة فرصة في تعميم هذا الخطأ ، ووصف طلائع الصحوة كلَّها بهذا السلوك ، فاللهَ اللهَ أن نُفَرِّح شامتاً، أو نضع في فم كاشح حجة .
    (7) لئن كان الصدق فضيلة إسلامية ، ومروءة عربية ، فإن الكذب فاحشة حرمها الإسلام ، وأنف منها مشركو العرب حتى قال أبو سفيان – وهو مشرك - (لولا أن يأثر الناس عليّ كذبا لكذبت عليه) يعني هرقل، فلم يكن يقبل أن يوجد في تاريخه كذبة ولو كانت على عدوه محمد صلى الله عليه وسلم عند هرقل (ملك الروم) . وإننا نخشى من التوسع في رواية هذه الإشاعات أن تنجلي حقيقتها بغير ذلك فَيَأْثِرَ الناس علينا كذباً كثيراً .
    (8) إن اختلاق الإشاعات وسرعة تصديقها مهرب نفسي أمام واقع لا يرضاه المرء ولا يستريح إليه، وقديماً قال أبو الطيب:
    طَـوَى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ *** فَزِعْــتُ فيه بآمالــــي إلى الكَذِب
    حتـــى إذا لم يدع لي صدقه أمَلاً *** شَرِقْتُ بالدمع حتى كاد يشرقُ بي
    فتجد النفس سلوتها في تكذيب مالا يروق لها و اختلاق الإشاعات وترويجها ، إلا أنها - في النهاية - ترضخ لسلطان الحقيقة القاهر، ولكن هذه الحيلة النفسية لا تصلح أن تكون مهرباً لأتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي علمهم فضيلة الصدق وأمرهم بتحريه فقال : " إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ".
    (9) إن تسويف الإحساس بالواقع، والتقنع بأغطية الوهم ، وأعظمها تصديق الشائعات وترويجها ، سيضاعف فداحة الخسائر وأعظمها خسارة القيم ، ألا وإنَّ الصدق أعلاها وأغلاها "فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم".
    (10) إن الاعتراف بالحقيقة أولى الخطوات في معالجة الأزمات وتجاوزها ، كما أن مغالطتها وسترها أعظم أسباب تكريسها وتجديدها ومعاودتها.
    (11) وكما نتواصى بعدم نقل هذه الأخبار ، فإن علينا تبصير من ينقلونها بطيبةٍ وحسن قصد ، ومواجهتهم بالحقيقة ، وعدم مجاملة المشاعر على حساب العقل والنقل ، وانتشالهم من قلق المغالطة ، إلى وضوح الحقيقة ، فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة.
    (12) (الحقيقة في كل شيء تغلب المظهر في كل شيء حتى لو كانت حقيقة الكفر).
    وبعد فكم تمنيت ألا يكون الحديث على هذا النحو ، ولكن القذاة في عيني ، وقد آثرت الصدق في الحديث عن الصدق ، فإن أحب الحديث إلى الله أصدقه ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) .

    14- متابعة الأخبار والعلم بمخططات الأعداء ومواجهة ذلك بالعمل الجاد المبني على الدراسات
    ويكون ذلك بالقراءة والتحليل للأخبار والكتابات الناضجة .. ولا شك أن تحليل الأخبار عن طريق متخصصين ثقات أو علماء يزيد من القدرة على توقع المستقبل والاستعداد له ، ومواجهة الأخطار الواقعة ، ويكون ذلك من خلال تخصص البعض في قراءة الأخبار وتصفيتها ونقلها وتخصص البعض الآخر بتحليل الأخبار السياسية والبعض للتحليل الاقتصادي ..

    ووضع بعض التوقعات واستدعاء العلماء والمختصين بالتعرف على السبل العملية للاستفادة من الوضع الحالي والمتوقع واختيار أفضل السبل لاجتياز المرحلة المتوقعة .

    إن مواجهة خطط العدو لا تكون بردود الأفعال والتصرفات غير المدروسة ، أو الخطط قصيرة المدى ، وإنما باتخاذ كل ما يكافئ تلك الخطط ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) وهذا يتطلب تكثيف الجهود واجتماعها في شتى المجالات .

    15- البعد عن مواطن الفتن :
    فالبعد عن الفتن واجتنابها وعدم التعرض لها وعدم الخوض فيها مطلب شرعي في زمن الفتنة ؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه : إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواهاً " رواه أبو داوود (4263) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (3585) .

    قال صاحب عون المعبود : " قوله ( فَوَاهًا ) : مَعْنَاهُ التَّلَهُّف وَالتَّحَسُّر أَيْ وَاهًا لِمَنْ بَاشَرَ الْفِتْنَة وَسَعَى فِيهَا , وَقِيلَ مَعْنَاهُ الإِعْجَاب وَالاسْتِطَابَة .
    قَالَ فِي النِّهَايَة : قِيلَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَة التَّلَهُّف وَقَدْ تُوضَع مَوْضِع الإِعْجَاب بِالشَّيْءِ , يُقَال وَاهًا لَهُ " أ.هـ

    وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها ستكون فتن ، القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها " رواه البخاري (3602) ومسلم (2886)

    قال النووي رحمه الله تعالى: " معناه : بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها ".

    ولقد حرص سلفنا الصالح على البعد عن مواطن الفتن وإليك نماذج من ذلك :
    1- قال أبو الدرداء رضي الله عنه : " لا تقربوا الفتنة إذا حميت ولا تعرضوا لها إذا عرضت واضربوا أهلها إذا أقبلت ".
    2- قال محمد بن الحنفية : اتقوا هذه الفتن فإنها لا يستشرف لها أحد إلا استبقته ".
    3-عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن أبي موسى أنه لقيه فذكر الفتنة فقال : " إن هذه الفتنة حيصة من حيصات الفتن من أشرف لها أشرفت له ومن ماج لها ماجت له ".

    16- الحذر من تسلل الأعداء بين الصفوف ..
    ازدهرت في زمننا هذا تجارة المنافقين وراجت بضاعتهم ، وكثر أتباعهم ، فشيدوا مساجد الضرار هنا وهناك وذرفوا دموع التماسيح على الإسلام وأهله ، وتظاهروا بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبسوا للناس جلد الضأن على قلوب الذئاب .

    يقول الله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"

    وما نجح المنافقون في تحقيق أهدافهم وخططهم وفتكهم بالإسلام والمسلمين ابتداءً من عبد الله بن أبي ومروراً بالزنادقة الباطنيين وانتهاء بزنادقة عصرنا هذا، إلا بسبب قلة الوعي عند كثير من المسلمين .

    والواجب على كل مسلم قادر أن يهتك أستار المنافقين ويكشف أسرارهم ويفضح أساليبهم وأوكارهم حتى لا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير ، وأسوتنا في عملنا هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونهج سلف هذه الأمة في معرفة المنافقين وكيفية التعامل معهم. وكم قاست الأمة المسلمة عبر التاريخ من نكبات ونكسات بسبب مكر دعاة الشر ممن يريدون فتنة المؤمنين عن دينهم وأخلاقهم وإحداث القلاقل والفوضى .

    17- الحذر من النفاق وأهله ..
    ويكون ذلك بفهم طرائق المنافقين وأساليبهم والحذر منها ..

    فكم جروا على المسلمين من ويلات ، كم كانوا سببا في دمار بلاد المسلمين وقتل شعوبهم وتفريق صفهم وتوهينهم وتسليم البلاد للكافر البغي مع التعاون معه على المسلمين ..

    يقول تعالى : ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) ، ( الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) .

    وقد يغتر الإنسان بهم وبحلاوة منطقهم ولكنهم العدو يقول تعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ).

    فلا يصح الاتكال عليهم ولا الاعتماد ، قال الله فيهم ( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )

    فالحذر الحذر منهم ومن أساليبهم خاصة في أوقات الفتن والتي تزداد فيها شوكتهم وتكثر فتنتهم .

    18- التعوذ بالله من الفتن وتعلم الأذكار التي تحفظ المسلم .
    الحمد لله
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله كثيراً من الفتن كما في حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " رواه مسلم (2867).

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فذكر الحديث وفيه قوله تعالى " يا محمد إذا صليت فقل : اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي ، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون " رواه الترمذي 3233 وقال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (408) : صحيح لغيره .

    وكان النبي يتعوذ من الفتن لأنها إذا أتت لا تصيب الظالم وحده وإنما تصيب الجميع ..
    ويحسن بنا التعرف على أحاديث الأذكار المتعلقة بالفتن والكروب للدعاء بها ونشرها وحفظ ما تيسر حفظه منها .. وإدراك معاينها للتعبد لله بذلك إذ هي أعظم ما يقال في هذه الأحوال :
    1- حديث أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ " رواه أبو داود 1537 وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1360 .
    2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " رواه البخاري 6345 ومسلم 2730.
    3- قال صلى الله عليه وسلم : " كلمات الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم " صحيح الجامع الصغير وزيادته (4571) .
    4- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال : " اللهم أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل " رواه الترمذي 3584 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2836
    5- وقال صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا ففرج عنه ... دعاء ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وفي رواية " لم يدع بها رجل مسلم في شيءٍ قط إلا استجاب الله له " صحيح الجامع الصغير وزيادته (2065) .
    6- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته من الفزع كلمات : " أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون " رواه أبو داود 3893 وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (3294) .
    7- قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ " رواه أبو داود 5090. وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود 4246 .
    8- وكان إذا كربه أمر قال : " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " وفي رواية : " إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ " صحيح الجامع الصغير 4791
    9- وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسماء بنت عميس أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ ( أي المحنة والمشقة ) اللَّهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " رواه أبو داود (1525) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (1349) وفي رواية في صحيح الجامع : " من أصابه همٌّ أو غمٌّ أو سقمٌّ أو شدَّة فقال : الله ربي لا شريك له كُشف ذلك عنه " .
    وغيرها من الأحاديث التي لها أثرها الإيجابي الكبير في أوقات الفتن والخوف ... من تهدئة للنفس وسلامة في البدن وقرب من الله عز وجل .. مع الاكتفاء بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه غنية عما لا يصح .. وفيه الخير .. والله أعلم .
    19- اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ..
    فالتعود على حياة الخشونة .. ولو لفترات زمنية محدودة ، أمر مهم يساعد في مواجهة الأزمات ، فلا بد من الاقتصاد في المعيشة والبعد عن حياة الترف والتبذير والإسراف ، استعداداً لما قد تواجهه الأمة من أزمات وضغوط أو حصار..قال تعالى:{ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } وقال تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } الأعراف /31

    20- قراءة القصص القرآني وتدبر ذلك :
    دراسة الآيات والقصص النبوي في كتاب الله تعالى والذي يعين على تثبيت القلوب حال الأزمات .. قال تعالى : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } .
    وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا )
    وقال سبحانه : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )

    21- أن يكون الإنسان عامل طمأنينة وناشر أمن ..
    فلا يصح في أزمنة الأزمات أن ينشر الخوف والهلع بين الناس بل الواجب إعادة الثقة في نفوسهم وتثبيتهم وبعث التفاؤل في نفوسهم وربطهم بالله عز وجل ..

    فالعدو يفرح بما يبثه هو أو أعداؤه عن ضخامة قوته لما في ذلك من أثر على نفوس الناس من هزيمة نفسية وضعف وخور ..
    نسأل الله أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
    والله أعلم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •