تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 5 الأولىالأولى 12345
النتائج 81 إلى 82 من 82

الموضوع: جامع الردود على بعض مزاعم الملاحدة سلسلة متجددة

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي فساد قول الملاحدة نسبة المعجزة ليست محصورة بين الله و الإنسان

    فساد قول الملاحدة نسبة المعجزة ليست محصورة بين الله و الإنسان







    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :



    فيحاول الملاحدة هداهم الله التشكيك في دلالة معجزات الأنبياء على وجود الخالق بحجة واهية ألا و هي أن نسبة المعجزة ليست محصورة بين الله و الإنسان فليس معنى عجز البشر عن الإتيان بمثل معجزات الأنبياء أن معجزات الأنبياء من عند الله فقد تكون هذه الأمور الخارقة للعادة ،و التي لا يستطيع البشر الإتيان بمثلها من جهة تمتلك إمكانيات لا يمتلكها البشر ، و ليس بالضرورة أن تكون هي الله .


    و الجواب أن ما دام الأنبياء قد أتوا بأمور فوق قدرة أي بشر فهذا دليل على أن الأنبياء مؤيدون بقدرة خارقة فوق قدرات البشر و هي قدرة خالق هذا العالم فالعمل البشري عرضة للمحاكاة و المعارضة والتقليد فلو كانت هذه الأمور الخارقة من بشر لأمكن أن يأتي أحد في زمان النبي أو بعد زمانه بما أتى به النبي أو أن يأتي بخير مما جاء به النبي بحكم طبيعة البشر وسنن الحياة .


    و فرق شاسع بين الإعجاز الرباني و العمل الإنساني و القدرة الإلهية و القدرة البشرية و الصنعة دالة على صانعها و على بعض صفات صانعها و خرق قوانين الطبيعة لا يكون إلا من خالق قوانين الطبيعة و خالق قوانين الطبيعة هو الله .


    و قول الملاحدة أن الأمور الخارقة للعادة و التي لا يستطيع البشر الإتيان بمثلها ليس بالضرورة أن تكون من الله قول باطل يخالف المنطق و العقل السليم إذ خرق قوانين الطبيعة لا يكون إلا من قوة فوق قوة الطبيعة فنحن أمام أربع احتمالات لا خامس لها لهذا الأمر الخارق للعادة فإما أن يكون من فعل بشر أو من فعل الطبيعة أو من فعل قوانين الطبيعة أو من فعل خالق الطبيعة أو قوة تفوق الطبيعة فإن قلنا من فعل بشر فهذا باطل بداهة ؛ لأنه لو كان من فعل بشر لأمكن معارضته و تقليده فضلا عن الإتيان بما يفوقه و هذا شأن الأعمال البشرية ، و إن قلنا خرق قوانين الطبيعة من فعل الطبيعة نفسها فهذا باطل إذ الطبيعة محكومة بقوانين مفروضة عليها فرضا لا يمكنها تغييرها أو الخروج عنها و إن قلنا خرق قوانين الطبيعة من فعل قوانين الطبيعة فهذا باطل ؛ لأن القوانين مجرد وصف سلوك شبه دائم للطبيعة يفرض عليها من خارجها ،و نحن نكتشف ذلك باستقراء أحوالها و القوانين ليس ذوات ولا هي قائمة بذاتها و لذلك ليست قوانين الطبيعة فاعلا أما إذا قلنا خرق قوانين الطبيعة من فعل خالق الطبيعة فهذا هو الموافق للمنطق و العقل .


    و ربما يسأل سائل عن الفرق بين دلائل النبوة وخوارق السحرة و الكهان و عجائب المخترعات التي ظهرت اليوم ؟
    و الجواب : أن هناك فوارق كثيرة بين دلائل النبوة وخوارق السحرة والكهان والمخترعات الصناعية :
    منها : أن أخبار الأنبياء لا يقع فيها تخلف ولا غلط، بخلاف أخبار الكهنة والمنجمين، فالغالب عليها الكذب ، وإن صدقوا أحيانا في بعض الأشياء بسبب ما يحصل عليه الكهان من استراق شياطينهم للسمع .
    ومنها : أن السحر والكهانة والاختراع أمور معتادة معروفة ينالها الإنسان بكسبه وتعلمه، فهي لا تخرج عن كونها مقدرة للجن والإنس ، ويمكن معارضتها بمثلها، بخلاف آيات الأنبياء، فإنها لا يقدر عليها جن ولا إنس ، كما قال تعالى : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [1] ، فآيات الأنبياء لا يقدر عليها الخلق ، بل الله هو الذي يفعلها آية وعلامة على صدقهم، كانشقاق القمر وقلب العصا حية وتسبيح الحصا بصوت يسمع وحنين الجذع وتكثير الماء والطعام القليل . . . فهذا لا يقدر عليه إلا الله .
    ومنها : أن الأنبياء مؤمنون مسلمون يعبدون الله وحده بما أمر ويصدقون جميع ما جاءت به الأنبياء ، وأما السحرة والكهان والمتنبئون الكذبة، فلا يكونون إلا مشركين مكذبين ببعض ما أنزل الله .
    ومنها : أن الفطر والعقول توافق ما جاء به الأنبياء عليهم السلام ، وأما السحرة والكهان والدجالون الكذابون، فإنهم يخالفون الأدلة السمعية والعقلية والفطرية .
    ومنها : أن الأنبياء جاءوا بما يكمل الفطر والعقول ، والسحرة والكهان والكذبة يجيئون بما يفسد العقول والفطر .
    ومنها : أن معجزات الأنبياء لا تحصل بأفعالهم هم ، وإنما يفعلها الله عز وجل آية وعلامة لهم، كانشقاق القمر وقلب العصا حية والإتيان بالقرآن والإخبار بالغيب الذي يختص الله به ، فأمر الآيات إلى الله لا إلى اختيار المخلوق، كما قال الله لنبيه عندما طلبوا منه أن يأتي بآية ، قال : قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [2] ، وأما خوارق السحرة والكهان والمخترعات الصناعية، فإنها تحصل بأفعال الخلق [3].


    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


    [1]- الإسراء الآية 88
    [2]- العنكبوت الآية 50
    [3] - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد للشيخ الفوزان ص 150 - 151

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي فساد قول الملاحدة أن علم الحديث مبني على مغالطات

    فساد قول الملاحدة أن علم الحديث مبني على مغالطات



    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .


    و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .


    أما بعد :

    فيدعي الملاحدة هداهم الله أن علم الحديث مبني على مغالطات ففيه تصديق إدعاءات الأشخاص مادام العلماء قد وثقوهم ورد أقوال آخرين مادام العلماء لم يوثقوهم يعني يقولون لو كان الشخص ثقة فقوله مصدق عند المسلمين لو قال أي شيء حتى لو كان خطئا لصدقه المسلمون و لو لم يكن الشخص ثقة فقوله غير مصدق عند المسلمين و لو قال أي شيء حتى لو كان صحيحا لا يصدقه المسلمون و يزعم الملاحدة أن علم الحديث مبني على أراء العجائز المتحيزة بمجموعة من الرجال يصححون بعضهم ويكذبون آخرين و يقول أحد الملاحدة هداه الله : أنا لا أصدق اينشتاين لأنه اينشتاين بل أرى أن كلامه صحيح لأنه أثبت إدعاءه وأما ما يقوله اينشتاين كشخص فلا يهمني يريد أن يقول أن الإدعاء يثبت فقط عن طريق البرهان ولا شيء أخر .

    و كلام هؤلاء الملاحدة ينم عن جهلهم الفادح باختصاصات علم الحديث فعلم الحديث يختص بالحكم على الأخبار الدينية المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى الحكم على الأخبار الدينية المنسوبة إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و الأخبار الدينية المنسوبة إلى التابعين و لا شأن لعلم الحديث بالأخبار الدنيوية .

    و من يقرأ تعريف العلماء لعلم الحديث يعرف أن هذا العلم لا شأن له بالحكم على الأخبار الدنيوية و الأخبار الشخصية فعلم الحديث هو علم يشتمل على أقوال النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله و تقريراته وصفاته وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها ، ويُبْحَث فى هذا العلم عن رواية الأحاديث وضبطها ودراسة أسانيدها ومعرفة حال كل حديث من حيث القبول والرد ومعرفة شرحه ومعناه وما يُستنبط منه من فوائد .

    و العلماء فرقوا بين رواية الحديث النبوي و رواية الأخبار الأخرى ، فعلى الحديث النبوي تبنى الكثير من الأحكامو تقام الحدود لذا تحرز العلماء في شروط من تأخذ عنه رواية الأحاديث النبوية لأن عليها مدار فهم الشريعة أما روايةالأخبار الأخرى ، فهي وإن كانت مهمة خاصة إذا كان مجالها الإخبار عن حياة الصحابة مثلا إلاأنها لا تمحص كما يمحص الحديث .
    و لما كان الكثير من الأحكام الدينية لا سبيل إلى معرفتها إلا من جهة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه و أتباعهم - رضي الله عنهم جميعا - لزم النظر في حال الناقلين عنهم ، و البحث عن عدالة الراوين لأحاديثهم ، فمن ثبتت عدالته جازت روايته ، و إلا عدل عنه و التمس معرفة الحكم من جهة غيره ؛ لأن الأخبار حكمها حكم الشهادات في أنها لا تقبل إلا عن الثقات.

    يقول أبو نعيم الأصبهاني : (( فلما وجب طاعته ومتابعته- قلت أي النبي صلى الله عليه وسلم - لزم كل عاقل ومخاطب الاجتهاد في التمييز بين صحيح أخباره وسقيم آثاره و أن يبذل مجهوده في معرفة ذلك واقتباس سنته وشريعته من الطرق المرضية والأئمة المهدية وكان الوصول إلى ذلك متعذر إلا بمعرفة الرواة والفحص عن أحوالهم وأديانهم والكشف والبحث عن صدقهم وكذبهم وإتقانهم وضبطهم وضعفهم وهائهم وخطئهم وذلك أن الله عز وجل جعل أهل العلم درجات ورفع بعضهم على بعض ولم يرفع بعضهم إلا وخص من رفعه من دونه بمنزلة سنية ومرتبة بهية فالمراتب والمنازل منه مواهب اختصهم بها دون الآخرين فلذلك وجب التمييز بينهم والبحث عن أحوالهم ليعطى كل ذي فضل فضله وينزل كل واحد منهم منزلة التي أنزله بها الممتن عليه والمنعم لديه ))[1]

    و دعوى الملاحدة أن علم الحديث مبني على أراء العجائز المتحيزة بمجموعة من الرجال يصححون بعضهم ويكذبون آخرين دعوى بلا برهان و قول بلا أثارة من علم فالعلماء رأوا أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه تصلنا عن طريق الرواة ووجدوا أن الرواة منهم الصالح ومنهم الطالح و منهم الصادق و منهم الكاذب فاهتموا بالرواة ،وشرطوا لقبولروايتهم شروطاً في غاية تدل على بعد نظرهم وسداد تفكيرهم حتى لا يدخل أهل الزيغ في الدين ما ليس منه لا كما يزعم الملاحدة .


    و لضمان صحة الروايات و الأخبار الدينية عن النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه و تابعيهم قد شرط العلماء لمن يقبل خبره عنهم أربعة شروط و هي الإسلام و التكليف و الضبط والعدالة و هذه الشروط إذا وجدت في الراوي ترجح اعتقاد صدقه وعدم وقوعه فيالخطأ في الرواية .

    و الشرط الأول الإسلام فلا تقبل رواية كافر؛ لأن الكافر عدو للإسلامو أهله فالغالب ألا يتحرج من الكذب على الله ورسوله وتحريف دينه .


    و الشرط الثاني لقبول حديث الراوي التكليف حالة أداء الحديث للغير أي حالة إبلاغ الحديث إلى الغير، فلا يقبل أداء الحديث من الصغير؛ لأن الصغير لا يدرك أثر الكذبولا عقوبته. لكن لوتحملشخص الحديث وهو صغير أي لو سمع الحديث و هو صغير ورواه بعد بلوغه جاز، لإجماع السلف على قبول خبر ابن عباس رضي اللهعنهما مع أن سِنَّه عند وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاث عشرة سنة .

    و الشرط الثالث الضبط بأن يؤدي الشخص ما تحمله على الوجه الذي تحمله من غير زيادة ولا نقص،ولا يضر الخطأ اليسير؛ لأنه لا يسلم منه أحد، ويعرف ضبط الراوي بموافقته الثقاتالمتقنين في الرواية، فإن وافقهم في روايتهم غالباً فهو ضابط، ولا تضر مخالفتهالنادرة لهم، فإن كثرت فليس بضابط، كما يعرف بالنص عليه ممن يعتبر قوله في ذلك، وهمأئمة الجرح والتعديل و لا تقبل الرواية من مخالف للثقات أو سيء الحفظ أو فاحش الغلط أو المغفل أو كثير الأوهام .



    والشرط الرابع العدالة و هي استقامة الدين والمروءة ، بأن يكون الراوي مؤدياً الواجبات ، سليماً مما يوجب الفسق من المحرمات، فاعلاً ما يحمده الناس عليه من الأدبوالأخلاق، سليماً من خوارم المروءة التي يذمه الناس عليها ،و تعرف العدالة إمَّا بالاستفاضة والشهرة ، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم كفى، كالأئمة الأربعةوالبخاري ومسلم، وغيرهم، أو بتنصيص عليها ممن يعتبر قوله في ذلك من علماءالتعديل و لا تقبل الرواية من فاسق لأن الخبر أمانة، والفسق قرينةتبطلها فلابد أن يكون الراوي صادق في الحديث، وغير متهم بالكذب، أو موصوف بالكذب، أو الوضع، أو سرقة الحديث: فإن الوصف بالكذب مما ينافي ثبوت العدالة؛ و لذا كان المتهم ، أو الموصوف بالكذب ، متروكاً من جهة عدالته .

    ومجهول العين وهو من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، ولم يجرح و لم ينسب إلى الضعف الشديد، فإنه في حكم المبهم الذي لا يعرف. وأما مجهول الحال، فهذا قد عرفت عينه، ولم يتعرض له أحد بجرح، ولا تعديل، فضعفه من قبيل ضعف المحتمل، وحديثه يكتب للاعتبار .


    و تصحيح و تضعيف العلماء لمن يرووا الأحاديث النبوية مبني على هذه الشروط الأربعة الإسلام و التكليف و الضبط والعدالة و ليس على انحياز أو اتباع هوى بلى على علم بالرواة و بصيرة بأحوالهم قال ابن تيمية : (( إن الحكم على أي طائفة أو قوم ، يقوم على أصلين ، أحدهما : المعرفة بحالهم ، والثاني : معرفة حكم الله في أمثالهم ))[2] و قال أيضا : (( والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل ، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع ))[3] ، و قد قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [4] و معنى الآية: كونوا قوامين لله بالحق، ولا يحملنَّكم بغض قوم على ترك العدل اعْدِلُوا في الولي والعدو هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى أي: إِلى التقوى. والمعنى: أقرب إِلى أن تكونوا متقين، وقيل: هو أقرب إلى اتّقاء النّار [5] و قال القرطبي : (( وَاشْهَدُوا بِالْحَقِّ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى أَقَارِبِكُمْ، وَحَيْفٍ عَلَى أَعْدَائِكُمْ ﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ وَإِيثَارِ الْعُدْوَانِ عَلَى الْحَقِّ ))[6] و قال عطاءُ: (( لا تُحاب من شهادتِكَ أهْل وُدِّك وقَرابتِك، ولا تمنع شهادتك أعداءَك وأضْدَادَك ))[7] .



    و التزم العلماء العدل و الإنصاف في الحكم على الرواة في ذكر مساوئهم ومحاسنهم والموازنة بينهما .
    فكل إنسان لا يسلم من الخطأ ، لكن من قل خطؤه وكثر صوابه فهو على خير كثير ،والإنصاف يقتضي أن يغتفر للمرء الخطأ القليل في كثير صوابه .


    و لم يكن توثيق الرجال و تضعيفهم دون قواعدَ و لا ضوابط فقد تتبع علماء الحديث تواريخَ رواة الأحاديث ، ووقفوا على أخبارهم بدقَّة ، وللتأكد مِن سيرة وعدالة كل واحدٍ مِن الرواة قام علماء الحديث بترجمة كل رواة الأحاديث من حيث تاريخهم و مكان ميلادهم ووفاتهم و الأماكن التي عاشوه فيه و الأماكن التي سافروا إليها ومتى سافروا وأسماء مَنالتقى بهم في السفر و أسماء من التقوا بهم في سفرهم و في بلدهم و أسماء من سمع منهم و سمعوا منه و قد ذكروا صفات الرواة و أخلاقهم و علمهم و مدى ضبطهم و حفظهم للأحاديث التي سمعوها و رووها .



    و كان علماء الحديث متجرِّدين للحقّ فمن وجدوه عدلاً عدَّلوه ، و مَن ثبت لهم أنه مجروح جرحوه ، و لم يراعوا في ذلك أيَّة اعتبارات شخصية عملا بقوله تعالى : ﴿ وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى [8] أي و عليكم أن تعدلوا فى القول إذا قلتم قولا في شهادة أو حكم على أحد ، و لو كان المقول له أو عليه ذا قرابة منكم ، إذ بالعدل تصلح شئون الأمم و الأفراد ، فهو ركن ركين فى العمران، وأساس فى الأمور الاجتماعية، فلا يحل لمؤمن أن يحابى فيه أحدا لقرابة ولا غيرها، فالعدل كما يكون فى الأفعال كالوزن والكيل يكون فى الأقوال[9] .



    و لولا علم الحديث و رجاله ، وطلب هذه الأمة له، وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، و لتمكن أهل الإلحاد من الإسلام بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت مقطوعة يسهل الزيادة عليها و النقصان منها و قلبها .



    و هؤلاء الملاحدة يريدون أن يسبوا الإسلام بما هو مدح فيه فنقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم مع الاتصال ، خص الله به المسلمين دون سائر الملل و لو راعى علماء التاريخ و غيرهم من العلماء منهج علماء الحديث في التوثيق و التضعيف و القبول و الرد لخلى التاريخ و غيره من الأخبار الموضوعة و الأخبار المكذوبة و الشائعات إذ الرواية أمر ضروري للكثير من علوم الدنيا فلا يمكن لكل إنسان أن يكون حاضراً في كل الحوادث العلمية و التاريخية و الأدبية و الاجتماعية و لايُتصور علم الوقائع للغائبين عنها إلا بطريق الرواية سواء كانت بالكتابة أو الكلام و غير ذلك كذلك من ولد بعد تلك الحوادث لا يمكنهم العلم بالحوادث الماضية إلا بالرواية عمن قبلهم و قد تكون هذه الروايات صحيحة أو ضعيفة زائدة أو ناقصة أو بلا زيادة و نقصان فلابد أن نستعمل في تمييز صحيحها من سقيمها أصول نقد الروايات و قواعد التوثيق و التضعيف و الترجيح و هذا ما يتميز به علم الحديث و رجاله لكن الملاحدة يجهلون أو يتجاهلون .



    و لو نظرنا في كلام الملاحدة لوجدناه عاريا عن أسلوب التحقيق العلمي فلا إسناد في كلامهم بعضهم عن بعض و لا تحقيق و لا تدقيق و يحملون الكلام ما لا يحتمله و يشككون في الواضحات و ينكرون بديهيات ثم يدعون أنهم على شيء و أنهم يتبعون الأسلوب العلمي هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات







    [1] - الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني ص 45
    [2] - مجموع الفتاوى لابن تيمية 28 / 510
    [3] - منهاج السنة لابن تيمية 4/337
    [4]- المائدة الآية 8
    [5]- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 1/524
    [6]- تفسير القرطبي 6/109
    [7]- اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 7/ 242
    [8]- الأنعام من الآية 152
    [9]-تفسير المراغي 8/71

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •