الرد على سؤال الملاحدة لما اتصل الله بشخص واحد فقط ليبلغ أمه كاملة ؟




إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين

أما بعد :

فيقول الملاحدة هداهم الله : لو كان الله موجودا فلما اتصل بشخص واحد ليبلغ دينه لأمة كاملة ، و الجواب أن العبرة بأن الله قد بعث أحد من خلقه برسالة للناس ، و الخالق يعرف نفسه للناس عن طريق إرسال الرسل .


و لا يصح أن نقول لما لم يفعل الله كذا فالله عز وجل ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾[1] و الخلق خلقه و الكون ملكه وَ بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَلَا شريك مَعَه فِي ملكه فلا يعترض أحد عليه بتصرفه في ملكه ، و قال تعالى : ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[2] .


و من عادة الناس أن يولوا أحدهم أمرهم و لا يولوا أنفسهم جميعا أمرهم ، و كل دولة تولى شخصا واحدا أمرها و لا تولي كل أفرادها أمرها حتى يتم تنظيم حياتهم الدنيوية ، و كذلك الدين يختار الله شخصا من خيرة الناس و يأمره بتبليغ شرعه و تنظيم حياة الناس الدينية تكريما له و لدعوة الناس لدينه ، و لو أن الدولة اختارت أحد أولادها وزيرا تكريما له ولنفع البلد لما اعترض عليها أحد ، و قال لما لا يكون كل الناس وزراء .

و الله قد جعل فطر الناس و عقولهم متهيئة للإيمان به عن طريق رسله فكل الشرائع السماوية جاءت لتوكد ما فطرت عليه النفوس من وجود إله ووجوب عبادته .

و قد فطر الناس على الإيمان بوجود خالق ، وهذا هو الأصل الذي فطر عليه البشر، و جميع الأمم التي درس العلماء تاريخها تجدها اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدَّسها ، و ما يحصل من ضلال أو انحراف أمر طارئ على هذه الفطرة السليمة فالإنسان قد تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف عن المعبود الحق .

و كم من إنسان ينكر وجود الله تعالى، فلما ضاقت به السبل المادية في الأزمات لم يجد إلا أن يتوجه بقلبه إلى السماء وربما يرفع يديه في خضوع وتذلل لعله يجد من القوة العليا مخرجًا مما هو فيه من ضيق .

و العقل يقتضي وجود خالق إذ يستحيل عقلا أن يوجد شيء من تلقاء نفسه دون موجد له، وهل من الممكن أن نتصور تجمع مادة بنفسها صدفة ليتكون منها أي شيء في هذا الوجود؟ وإذا كان هذا مستحيلا، فكيف يعقل إذن أن نتصور وجود هذا العالم بكل هذه الدقة والنظام دون أن يكون له خالق له المنتهى في صفات الكمال؟

و الله حكيم في جعل بعض الناس رسلا و أنبياءا و عدم جعله كل الناس أنبياء فبسبب وجود الرسل وجدنا المؤمن بالرسل و الكافر بالرسل و بوجود الرسل وجدنا الطائع للرسل و العاصي للرسل و بوجود الرسل وجدنا عبادة جهاد الكفار و جهاد النفس الأمارة بالسوء و بوجود الرسل وجدنا عبادة الصبر على قتال الكفار و الصبر على جهاد النفس و بوجود الرسل وجدنا عبادة التأسي بالأنبياء و بوجود الرسل تفاوت الناس في الجنان و الدرجات و بوجود الرسل وجدنا عبادة حب الأنبياء و الإيمان بالأنبياء و بوجود الرسل وجدنا جهاد المنافقين و بوجود الرسل وجدنا عبادة الدفاع عن الأنبياء والذب عن الأنبياء و لولا وجود الكفار ما عرفنا حلاوة الإيمان .

هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات







[1] - الأنبياء الآية 23
[2] - آل عمران الآية 26