سلسلة رسائل سلفية رقم الرسالة:176







تقريب البعيد
وقفات
مع حديث أبي سعيد






بقلم:
علي سعد سليم
حررت في 27 ربيع الاول 1427 الموافق 24 نيسان 2006






______________________________ __________

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له , و اشهد أن لا اله الاّ الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمدا" عبده و رسوله.



(يايها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته و لا تموتنّ الاّ و انتم مسلمون(



(يايها النّاس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثّ منهما رجالا" كثيرا" و نساء" و اتّقوا الله الذي تتساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا(



(يايها الذين آمنوا اتّقوا الله و قولوا قولا" سديدا", يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا" عظيما(

أما بعد:
روى الامام معمر بن راشد في الجامع الملحق بمصنف عبد الرزاق(وصححه الالباني في مجلده الخامس من السلسلة الصحيحة تحت رقم2250) عن زيد بن اسلم عن عطاء ابن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

) اذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فوالذي نفسي بيده ما مجادلة احدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في اخوانهم الذي ادخلوا النار....)


و لعلوّ المقام كمال الجمال لم يعدل صلوات ريي و سلامه عليه عن الحلف بذات الله تعالى و هو الصادق المصدوق....
هذا وقد حلف المولى سبحانه و تعالى في عدد من اماكن متفرقة من كتابه الكريم و هو أي الكتاب لا يأتيه الباطل من يديه و لا من خلفه فقال كما في سورة الذاريات
((فورب السماء و الارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون))

و لا خلاص لتلك الطائفة من المؤمنين الا و بعد ورودهم الصراط...فيتحقق لهم الامان فتصفوا النفس لمجادلة الرحمن...

و الجدل هو مقابلة الحجة بالحجة و المجادلة هي المناظرة و المخاصمة....
و هو نوعان منه مذموم و منه محمدود فالاول منهما في قوله صلى الله عليه و سلم( ما أوتي الجدل قوم الا ضلوا)
و هذا ان كان الجدل مبني على الباطل و مناصرة النفس و يجب تركه و لو كنت محقا عندما يكون الخصم في واد التيه و الضلالة و لا يزيد مجادلتك اياه الا تيه و طغيان...

و امر المولى نبيه صلى الله عليه و سلم مجادلة قومه بالتي هي احسن فقال تعالى(وجادلهم بالتي هي أحسن)

و قد سمع الله تعالى مجادلة امرأة في زوجها فكانت سورة تحت مسمى المجادلة فقال تعالى(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي الى الله و الله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير)

و نهى سبحانه و تعالى الجدال في الحج فقال تعالى( و لا جدال في الحج)

و خلاصة هذا كله ان الجدل و المجادلة من دين الله تعالى و عليه قامت الشرائع السماوية فانظر مجادلة ابراهيم قومه كما في سورة الانعام )و اذ قال ابراهيم لابيه ءازر اتتخذ اصناما آلهة اني اراك و قومك في ضلال مبين)
(و كذلك نري ابراهيم ملكوت السموات و الارض و ليكون من الموقنين)
( فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين)
(فلما راء القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهديني ربي لاكونن من القوم الضالين)
( فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال يا قوم اني برئ مما تشركون)

و ايضا في سورة الانبياء حيث قال الله عن لسانه:

(فجهلهم جذاذا الا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون)
(قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الضالين)
(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم)
( قالوا فاتوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون)
(قالواءانت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم)
( قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم ان كانوا ينطقون)
(فرجعوا الى انفسهم فقال انكم انتم الظالمون)
( ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون...)

و غيره من الانبياء صلوات ربي و سلامه عليهم اجمعين...

ثم لا ينبغي ان يكون الجدل مبنيّ على الظنّ و اتّباع الهوى...

و يلزم تركه لمن كان محقا لطبائع الناس و ازمانهم و ليس هذا الا و بعد البدء به اذ كيف يُعرف المعاند من المسامح...!!!

فيختلف الجدل من شخص الى آخر و من مكان الى آخر فيترك في الحج خوفا من النتائج و العواقب اذ هي ذِكْرٌ محض خالص...

و مجادلة اهل الجنة لربهم لدليل على كمال حلم الله تعالى و عفوه ومنّه....

و مجادلتهم اياه سبحانه و تعالى اشد من مجادلة صاحب حق...
اذا هي في اعلى مراتبها و يقابلها حلم الله تعالى و فضله و احسانه...

و محور هذا الجدال يكون حول اخوة الدين و مصيرهم...

و يتححق ذلك بامور كثيرة منها:

مناصرته في الحق...قضاء دينه ...تفريج همه...عدم هجره الا لله تعالى....القاء تحية الاسلام عليه...قبول دعوته...

و تكتمل هذه الاخوة بان يقطوا كل السبل للحيلولة دون مفارقتهم مكانا و زمانا...

و لولا ايمان الناجين بقول نبيهم صلى الله عليه و سلم قولا و عملا و اعتقادا (لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه من الخير)

لما تجرأ احدهم في مجادلة جبار السموات و الارض....

و لا يكون هذا الا مع من رجحت سيئاته على حسناته و الا لكان القوم مع اهل المجادلة في غيرهم...


ثم قال صلى الله عليه و سلم:
) قال: يقولون: ربنا! اخواننا كانوا يصلون معنا و يصومون معنا و يحجون معنا و يجاهدون معنا فأدخلتهم النار...)

كل هذا لا ينفكون عن قولهم ((معنا)) و هذه الاخيرة لا تلتقي مع الاعتزال تحت سقف واحد...

فتلك معنا و هذه دوننا!!!
فمن ترك الجمعة و الجماعات و هتك ستار المخالطة و عكف على عتبات الاعتزال فأنى لمعنا اليه من سبيل...

فَالْزَمْ جماعة المسلمين تُعرف عند الموحدين الناجين المجادلين...

و ايّاك و الاشارة اليك بالمخالفة فلا تدع الصيام مع الصائمين و لا الصلاة خلف الفاسقين بذريعة هجر المبتدين و هذا حيث لا بديل...

فان اردت الانتفاع بمجادلة اهل الجنة لربهم فاحرص على تحقيق المعية في دار التكليف و لا تغضّ من طرفك عن كل ما يمتّ بالصلة اليها...

فليس الا ((معنا)) او ((دوننا)) كلمتان لا ثالث لهما...

فمن كان مع اهل ((معنا)) في دنياه يكن معهم في اخراهم...

جعلني الله و اياكم ضمنا في هذه المعية اللهم آمين.

و المعية تنقسم الى قسمين فمنها ذاتي و منها معنوي..
و الاولى لا تتناسب مع الخالق من حيث علوّه و كماله فهو فوق عرشه حيث لا مكان مخلوق...

و معيته تتوافق مع المناسب منها فهو سبحانه و تعالى معك بعلمه و قوته و سمعه و على هذا فسّر الاي الحكيم تكن من الناجين باذن الواحد الحليم...

بينما تتناسب كلتا المعيتين مع المخلوق...و نحن معكم بأقلامنا مع المفاوز بين اجسامنا و اطرافنا...

نسأل الله تعالى ان يبلغنا و اياكم هذه المعيّة...

ثم قال صلى الله عليه و سلم:

) قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم...)
فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم........)

و الناس قسمان قسم معروف و قسم مجهول و الاول معروف باختلاطه و الثاني مجهول لاعتزاله فمن حضر الجمعة و الجماعات و الحج و الجهاد له حظه الوافر من الخروج على ايدي المؤمنين و الا فلا...

ثم قال
)فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم, لا تأكل النار صورهم.....)
اذا لا علامة الى تمييز اشخاصهم و ترتيب اعلامهم الا من صورهم...
و ثمت فرق بين الغر المحجلين من آثار الوضوء و بين الذين لا تأكل النار صورهم...

فالاولى علامة يستدل بها خاتم الانبياء و المرسلين على اتباعه بيد انهم كثر اولا" و شفاعته اعم ثانيا .
و الثانية علامة يستدل بها اتباع محمد صلى الله عليه و سلم على من كان معهم في صلاته و حجه و صيامه...

و مكمن صورة الانسان تنحسر في وجهه و لولا الوجه لذهبت المعالم و الملامح...

ثم قال:
(فمنهم من اخذته النار الى انصاف ساقيه, و منهم من اخذته الى كعبيه فيخرجونهم......)
و في مسند ابي عوانة (فيجدون الرجل قد اخذته النار الى قدميه والى انصاف ساقيه والى ركبتيه الى حقويه.)

و من هنا ندرك اقصى عقوبة النار للذين كانوا (يصلون معنا)(يصومون معنا)(يحجّون معنا).
هي الى حقويه الى ركبتيه الى انصاف الساق و من الملوم بداهة ان النار و ما دون الوجه لا تأكل معالم الشخص فيبقى معروفا معلوما........
ثم قال صلى الله عليه و سلم:
(فيقولون: ربنا! أخرجنا من أمرتنا....)
فربما استدل مستدل من هذا ان الجنة هي دار تكليف!!! فهي دار تشريف يدور الانسان بها حول قوله تعالى (يفعلون ما يؤمرون) فهو تسيير بحت بثوب التخيير.....
فتزع عنهم خصال الشرّ فلا حسد و لا بغض و لا معصية و تبقى لهم الصفات الحسنة فهم من الاولى مسييرين و من الاخري مخييرين.....
ثم قال صلى الله عليه و سلم:
(ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الايمان...)
و هنا جاء دور من كان (لا يصلي معنا)( لا يصوم معنا)( لا يحج معنا) بيد في قلبه وزن دينار من ايمان....
و لا يستوي هذا و لا ذاك في الدرجات و الجنة مئة درجة و كل درجة ما بين السماء و الارض.......
ثم قال صلى الله عليه و سلم:
(ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار, حتى يقول: من كان في قلبه مثقال ذرة...)
فسبحان من لا يُظلم عنده....سبحان اعدل العادلين......سبحا ن من وسعت رحمته السماء و الارض.....سبحان يعصى آناء الليل و اطراف النهار فيعفو كرما و يأخذوا عدلا......
فخرج من صلّى معنا و من اعتزل الجمعة و الجماعات و من ترك الصلاة و الصيام شرط في قلبه ايمان...

ثم قال صلى الله عليه و سلم:
(قال ابو سعيد : فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الاية ) ان الله لا يظلم مثقال ذرة و ان تك حسنة يضاعفها و يؤت من لدنه أجرا عظيما)....)
فخشي الصحابي الجليل...فخشي على اصحابه عدم صدقه...فأكد ذلك من قوله تعالى...فقوّى دليله و اقام حجته....
فخشي عليهم لهول حلم الله تعالى المذكور بين طيات حديثه...فمن حوى في قلبه مثقال ذرة من ايمان فله حظ في الخروج من النار.......فسبحان اللهم سبحانك.

ثم قال صلى الله عليه و سلم:
(فيقولون: ربنا! قد أخرجنا من أمرتنا, فلم يبق في النار أحد فيه خير...)
و جاء دور من افلس قلبه من مثاقيل الايمان...من عُدم الخير منه....

ثم قال صلى الله عليه و سلم:
( ثم يقول الله : شفعت الملائكة, و شفع الانبياء, و شفع المؤمنون, و بقي أرحم الراحمين...)
و الشفاعة هنا على الترتيب...و من نظر في الحديث بتمعن و فكر ثاقب رأى من رأيناه....فشفاعة الملائكة دون شفاعة الانبياء....
و شفاعة الانبياء دون شفاعة المؤمنون....و يختلف المؤمن من شخص الى آخر فالشهيد يشفع في سبيعن من اهل بيته كما جاء في الصحيح...
و شفاعة المؤمنون دون شفاعة أرحم الراحمين............
بيد تشرك شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم مع شفاعة المؤمنين...
و الموضوع بحاجة الى بحث دقيق فمن وجد الباعة فليتفضل مشكورا.......
ثم قال صلى الله عليه و سلم:
(قال: فيقبض قبضة من النار_او قال قبضتين_ ناس لم يعملوا خيرا قطّ....)
( قد احترقوا حتى صاروا حمما)
(قال : فيؤتى بهم الى ماء يقال له: ماء الحياة, فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل فيخرجون من اجسادهم مثل اللؤلؤ, في اعناقهم الخاتم: عتقاء الله. قال: فيقال لهم: ادخلوا الجنة. فما تمنيتم أو رأيتهم من شيء فهو لكم,عندي أفضل من هذا,قال:فيقولون: ربنا! و ما افضل من ذلك؟ فيقول: رضائي عليكم فلا اسخط عليكم ابدا)
اخرجه الامام احمد في مسنده (2\94) و النسائي (0105) و ابن ماجه(60) و ابن حزيمة في التوحيد (184).
تمت بفضل الله و رعايته