السلام عليكن
من الشبهات المثارة حول الإسلام ادعاء أن القرآن يبيح للزوج ضرب الزوجة. والمعادون للإسلام يستدلون بالقرآن وبالتحديد بالآية 34 من سورة النساء. التي يقول فيها الحق سبحان: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.
وهؤلاء يحاولون تشويه الإسلام من خلال قضايا المرأة.
في البداية أحسست باستغراب وحيرة في بداية أمري، وقلت هل حقا يقر القرآن مسألة ضرب المرأة؟ لم تقنعني كثير من الآراء والتفسيرات الواردة حول الموضوع مما دفعني للبحث في كتب الفقه والتفسير. وخلصت في النهاية إلى البحث الذي قمت بتنزيله في المرفق. وهو في الأصل عرض جامعي.
أنتظر منكن الردود والمناقشة.
وأطلب منكن قراءة البحث. فهو جد مهم لأنه يثير قضية حساسة ومهمة تتعلق بالزوجة المسلمة.
وفي المرفقات ستجدن العرض بصيغة وورد، وبصيغة الباور بونت
الباحثة: فاطمة الزهراء من المغرب
مقدمة
خلق الله الإنسان وجعل منه زوجين ذكر وأنثى، وأراد أن يكون الرباط الذي يجمعهما قائما على المودة والرحمة وحسن العشرة. وحفاظا على هذا الرباط، وهو عقد الزواج الذي سماه القرآن بالميثاق الغليظ، واستمرارا للمعاشرة الطيبة بين الزوجين، بين الحق سبحانه الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما وجعلها قائمة على الود والتراحم والاحترام المتبادل.
ومع أن التوصيات الربانية والأحكام القرآنية المتعلقة بالزواج تطغى عليها عبارات مثل"المعروف"، و"الإحسان"، و"التقوى"...إلا أنها لم تسلم من طعنات ودسائس الكارهين للوحي الإلهي الذين لم يتوانوا عن البحث عن الثغرات ليكشفوا من خلالها عن أحقادهم وأغراضهم الدنيئة.
ومن نصوص القرآن التي كانت وما تزال مثارا للشبه الوضيعة الآية 34 من سورة النساء والتي يقول فيها تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34).
هذه الآية الكريمة أعطت الحق للزوج في تأديب زوجته الناشز بالموعظة، ثم الهجران في المضاجع، ثم الضرب غير المبرح إن لم ينفع الوعظ والهجران. لكن مع ذلك كثرت الأقوال في الآية الكريمة واختلفت، وأثيرت الاتهامات وتعددت بين من يدافع عن حق الرجل- مبالغا في تحديد معنى الحق- في تأديب زوجته وضربها إن تطلب الأمر ذلك، وبين من يعطل النص الشرعي بدعوى عدم مسايرته للواقع، وعدم صلاحيته لعصر تحرر المرأة ونهضتها.
من خلال هذه الدراسة سأحاول تسليط الضوء على شبهة "ضرب الزوجة في القرآن الكريم"، وقد اعتمدت في ذلك على المحاور الآتية:
الفصل الأول: بينت معنى التأديب لغة واصطلاحا
الفصل الثاني: تم عرض شبهة ضرب الزوجة في القرآن
الفصل الثالث: تم فيه البدء بتأصيل القضية، وذلك ببيان معنى النشوز في اللغة والاصطلاح وعند الفقهاء مع مناقشة الأقوال وترجيحها.
الفصل الرابع:تناولت فيه قضية ضرب الزوجة: حقيقتها، وأقوال العلماء فيها، مع بيان حدود الضرب المسموح به في حالة الضرورة وضوابطه وقيوده.
الفصل الخامس: تم فيه الحديث عن موقف الرسول الصريح من ضرب المرأة.
وفي الأخير تم جمع واستنتاج مجموعة من الخلاصات المتعلقة بهذه القضية الشائكة.
الفصل الأول: معنى التأديب لغة واصطلاحا:
1. التأديب لغة:
مصدر أدّّب يؤدب تأديبا : التهذيب، أي هذبه ورباه على محاسن الأخلاق، ويأتي بمعنى: الضرب والوعيد والتعنيف ويأتي بمعنى : عـلـّمه الأدب وعاقبه على إساءته ودعاه إلى المحامد ، وسمـي الأدب أدبا : لأنه يؤًَُدب الناس و يوجههم إلى المحامد ، وينهاهم عن المقابح[1] .
2. التأديب اصطلاحا
من خلال التعريف اللغوي يتضح أن التأديب نوع مخفف من اللوم أو العقوبة يراد به الإصلاح. فهو بذلك إجراء تأديبي يهدف إلى التهذيب وضبط السلوك .
وقد شرع الله في القرآن الكريم حق تأديب الزوجة الناشز لتذكيرها بواجباتها وزجرها عن نشوزها وذلك في قوله سبحانه: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)
وسأركز في بحثي على العنصر الثالث وهو التأديب بالضرب نظرا لحساسيته ولما يثار حوله من الشبهات منا قبل أن يكون ذلك من غيرنا.
الفصل الثاني: عرض شبهة ضرب الزوجة في القرآن:
زعم نفر من الضالين المتشككين في الشريعة السمحاء، أن الآية الكريمة تفتح المجال للرجال لضرب زوجاتهن ، و أن ذلك إهانة لهن وانتقاص لقدرهن و كرامتهن، وهو وسيلة بشعة لا تتفق مع مقتضيات العصر.
وبعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك وعوض أن يحاول فهم الآية فهما مقاصديا، تعسف في اتباع أهوائه وحمل النص الشرعي ما لا يحتمل من المعاني والدلالات. واعتبر أن معنى الضرب مجازي لا حقيقي، وأن عبارة ضرب وردت في القرآن بمعان مختلفة قال سبحانه: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِينا)ً]النساء: 101 [. وقال: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ) [إبراهيم 45[
ولعبارة ضرب معان كثيرة في اللغة العربية منها الإعراض عن الشيء، وقال كثير منهم أن هذا هو المعنى المقصود في الآية الكريمة، وما يِِؤكد هذا عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غضب من بعض زوجاته أعرض عنهن[2].
تأصيل القضية:
للرد على هذه الشبهة ونفي الريبة لابد من تأصيل القضية أولا، وذلك ببيان معنى الآية الكريمة، وحكم الضرب الوارد فيها اعتمادا على كتب التفسير وأقوال الفقهاء، وأيضا أقوال بعض المفكرين المعاصرين بما أن الشبهة المثارة يفرضها الواقع المعاصر.
الفصل الثالث:معنى النشوزالموجب لتأديب الزوجة:
لا يثير معنى الضرب إشكالا عند المفسرين لجلائه ووضوحه ، ولم أقف عند من عرفه منهم، ولا من حمله على المعاني غير الحقيقية التي ذهب إليها بعض المتأولين وبناءا على ذلك يحمل الضرب في الآية الكريمة على معناه الحقيقي وهو : الوقوع على الشئ فيقال ضرب فلانا بالشئ إذا أوقعه عليه ، فالضرب إيقاعشيء على شئ[3] ، ومنه قوله تعالى في حق قصة سيدناأيوب عليه السلام (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) (ص الآية 44)
والذي ينبغي بيانه هو تحديد معنى النشوز الذي أوردته الآية الكريمة كسبب يعطي الحق للأزواج في تأديب زوجاتهن بالموعظة أولا ثم الهجران في المضاجع إن لم تنفع الموعظة، ثم الضرب كحل أخير.
1. النشوز لغة:
النشز والنشز المتن المرتفع من الأرض، والجمع أنشاز ونشوز، والنشاز هو ما ارتفع وظهر من الأرض، وقلب ناشز إذا ارتفع عن مكانه من الرعب، ومنه فوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا) (المجادلة، 11)، قال أبو إسحاق: "معناه إذا قيل انهضوا فانهضوا وقوموا"، ودابة نشزة إذا لم يكد يستقر عليها الراكب والسرج على ظهرها، ويقال نشز فلان في مكاته ارتفع وامتنع، والمرأة بزوجها إذا ارتفعت عليه واستعصت، وأبغضته فهي ناشز، ونشز بعلها عليها ضربها وآذاها وجفاها، ويقال فلان ناشز الجبهة مرتفعها، والنشز: الغليظ الشديد[4].
2. النشوز عند المفسرين:
قال القرطبي: " المرأة الناشز هي الكارهة لزوجها السيئة العشرة"[5].
وقال ابن كثير: "المرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره المعرضة عنه، المبغضة له"[6]
وقال الطبري: " قوله نشوزهن فإنه يعني استعلاءهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهم، والخلاف عليهم فيما لزمهن من طاعتهم فيه، بغضا منهن وإعراضا عنهم"[7]
والنشوز يكون من الزوج كما يكون من الزوجة، وهذا ما أشارت إليه الآية 128 من سورة النساء: "َإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً"[8]
يقول الطبري رحمه الله في معنى نشوز الزوج الوارد في هذه الآية: "يعني استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها، أَثَرَة عليها، وارتفاعاً بها عنها، إما لبغض، وإما لكراهة منه بعض أشياء بها، إما دمامتها، وإما سنها وكِبَرها، أو غير ذلك من أمورها"[9].
وقد يكون النشوز من الزوجين معا، وهو ما عبر عنه الحق سبحانه وتعالى بالشقاق، قال سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) النساء 35
قال الطبري رحمه الله في تفسير معنى الشقاق: "ذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور، فأما من المرأة فالنشوز، وتركها أداء حقّ الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها؛ وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف، أو تسريحها بإحسان"[10]
وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله: " وهكذا يلاحظ أن أقول المفسرين متقاربة في معنى نشوز الزوجة، وهو عصيانها وتمردها وكراهيتها للزوج وخروجها عن طاعته، كما يلاحظ أن معنى العصيان في الفراش لم يتردد عند جميع المفسرين، بل ذكره البعض منهم فقط"[11]
3. النشوز عند الفقهاء:
النشوز عند الحنفية: عرفه صاحب الدر المختار:"خروج الزوجة من بيت زوجها بغير حق"[12]
وقال الزيلعي: :"الناشز هي الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه"[13].
المالكية: عرفه الشيخ الدردير بقوله: "النشوز هو الخروج عن الطاعة الواجبة: كأن منعته الاستمتاع بها، أو خرجت بلا إذن لمحل تعلم أنه لا يأذن فيه، أو تركت حقوق الله تعالى كالطهارة والصلاة، أو أغلقت الباب دونه، أو خانته في نفسها او ماله"[14]
الشافعية: عرفه الشافعية بقولهم: "الناشزة هي الخارجة عن طاعة زوجها"[15]
الحنابلة: عرفه الشيخ منصور البهتوي بقوله: "هو معصيتها إياه فيما يجب عليها"[16].
ويظهر من خلال عرض هذه الأقوال تقارب معنى النشوز في المذاهب الأربعة، وهو معصية الزوجة لزوجها فيما يجب عليها من طاعة، ويلاحظ أيضا أن الفقيه المالكي الشيخ الدردير قد نص على الخيانة الزوجية باعتبارها مظهرا من مظاهر نشوز الزوجة.
ويسجل هنا اختلاف الفقهاء في مسألة منع الزوجة زوجها من الوطء هل يعتبر نشوزا أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك يعد نشوزا يترتب عليه حرمانها من النقفة، أما الحنفية فلا يعدونه نشوزا مادامت موجودة في منزله[17].
4. مناقشة وترجيح:
من خلال ما ذكره أهل اللغة وأهل التفسير وأهل الفقه حول معنى النشوز يتضح أن معنى نشوز الزوجة هو ترفعها واستعلاؤها عن زوجها.
وقد اختلف في تحديد كيفية هذا الترفع والاستعلاء ، فقيل أنه هو مجرد الخروج من البيت دون إذن الزوج، وقيل أنه عصيان أوامره، وبعضهم قال امتناع المرأة عن خدمته، وقد ذكر بعضهم كذلك أن النشوز يعني أيضا عصيان الزوج فيما أمر به زوجته من طاعة لله تعالى كالصلاة وغيرها، كما أن معنى الخيانة الزوجية وارد أيضا كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ولاشك أن هذه الأقوال جميعا تبقى اجتهادات فقهية متأثرة بدرجة كبيرة بالبيئات التي عاش فيها أصحابها وأعرافها وتقاليدها.
فالمرأة في المجتمعات السابقة التي قيل عنها أنها لا تخرج من البيت إلا مرتين مرة إلى بيت زوجها ومرة إلى قبرها، نشوزها ليس هو نشوز المرأة المعاصرة التي تعالت منها وحولها نداءات المطالبة بالحرية والمساواة. ولا أقصد بكلامي هذا تغيير المعنى أو تحريفه، بل المعنى اللغوي ثابت لا غبار عليه، ولا خلاف فيه بين عصر وآخر. فالنشوز كما رأينا هو الترفع سواء كان من الزوج أو من الزوجة، وسواء وقع من المرأة المعاصرة أو من غيرها. وإنما أريد أن أبين أن كيفية هذا التمرد والترفع الذي يقبل أن يسمى نشوزا يترتب عنه التأديب، يختلف من بيئة لأخرى ومن حالة لأخرى، ولعل هذا ما يبرر تفريقهم بين كل من نشوز الزوج ونشوز الزوجة.
ومن يطالع في عصرنا مواقف علماء السلف في قضية الضرب والنشوز ويقف عند مختلف مواقفهم ومذاهبهم لا يخرج بشيء غير الشك والحيرة، بل ويستغرب كيف يجعل فقهاؤنا الأجلاء الزوجة كائنا خاضعا للزوج في كل شيء، وإن خرجت عن طوعه ورغبته اعتبرت ناشزا واستحقت الضرب، والأغرب أن من هؤلاء من لا يذكر إلا الضرب ولا يشير إلى ما قبله.
لقد أضحى من العبث أن يقال في عصر المرأة المتحررة أن خروج المرأة من بيتها أو عدم خدمتها لزوجها يجعلها ناشزا تستحق التأديب بالضرب. كما أنه من غير المقبول في زمن تطور علوم النفس أن يقال أن مجرد امتناع المرأة عن رغبة زوجها الجنسية لسبب أو آخر يعد نشوزا وإخلالا بواجبها كزوجة. فقبل اتهام هذه الزوجة بالنشوز لابد من احترام كيانها ورغبتها ومراعاة حالاتها الصحية والنفسية .
إن الإسلام يلزمنا جميعا بثوابته القرآنية والنبوية، ولا يلزم الفرد منا باجتهادات فقهية محدّدة خارج نطاق الثوابت، لا سيما أنّنا عندما ننظر في الاجتهادات، نجد أنفسنا أمام اختلافات واضحةواجتهادات متنوعة.
و يكفي لاستيعاب ما تعنيه كلمة نشوز الاطلاع دون أحكام مسبقة على ما ورد في الخطبة النبوية في حجّة الوداع، وهي بطبيعة الحال من أواخر ما ورد في الموضوع، قال عليه الصلاة والسلام (إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهنّ حقٌّ ألاّ يواطئن فرشَكُم غيركم، ولا يُدخلنَ أحداً تكرهونه بيوتَكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة فإن فعلن فإنّ الله أذن لكم أن تَعْضُلُوهُنَّ، وتهجروهُنَّ في المضاجع، وتضربوهنّ ضرباً غير مُبَرِّح فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف)[18]
يلاحظ من خلال الحديث ما يلي:
1. تعرض لنفس المراحل التأديبية المذكورة في الآية 34 من سورة النساء، مما يعني أن الحديث الشريف تفسير للآية الكريمة ولا ينبغي العدول عنه لفهم المراد. ومما يؤكد هذا الارتباط قوله: "فإن الله قد أذن لكم..."، وفي هذ إشارة إلى الآية 34 من سورة النساء.
2. لم يشر الحديث إلى خروج الزوجة من بيت زوجها دون إذنه، ولا إلى امتناع المرأة عن الفراش ولا إلى امتناعها خدمة الزوج، ولا إلى غيرها من المعاني التي التي ذكرها كثير من الفقهاء في تفسيرهم لمعنى النشوز.
3. ارتبط التأديب الوارد في الحديث بسلوكين اثنين إذا صدرا من الزوجة:
Ø الأول إدخالهن لبيوت أزواجهن من يكرهونه.
Ø إتيان الفاحشة، ويستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: "يوطئن فرشكم غيركم"، ويعزز هذا رواية الترمذي : " استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً"[19]. ولا يقصد بالفاحشة وبقوله عليه الصلاة والسلام " لا يوطئن فرشكم غيركم" الزنا، لأن ذلك يستوجب إقامة الحد لا التأديب.
قال السيوطي في شرح الحديث: "قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال ولم يرد زناها لأن ذلك يوجب حدها ولأن ذلك حرام مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه"[20].
يستنتج من خلال ما سبق أن المعنى الشرعي للنشوز الذي يبيح للزوج تأديبها: هو كل ترفع واستعلاء وسوء خلق من الزوجة يهدد العلاقة الزوجية، وذلك كأن تأذن المراة بدخول غريب إلى البيت يكرهه الزوج، وقد عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة لقبحه، وفحشه، وعظيم إثمه.
فالنشوز بهذا المعنى هو عصيان أوامر الشرع (وليس هوى الزوج) والاستنكاف عن القيام بالواجبات الزوجية بإصرار وعناد وتكبر وبدون مبرر.
الفصل الرابع: قضية ضرب الزوجة: حقيقتها، وأقوال العلماء فيها:
1. آراء العلماءو المفسرين في المسألة:
يقول الطبري "واضربوهن" يعني بذلك جل ثناؤه، فعظوهن أيها الرجال في نشوزهن، فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهن لكم فشدوهن وثاقا في منازلهن، واضربوهن ليؤبن إلى الواجب عليهن من طاعة الله في اللازم لهن من حقوقكم"[21].
ويذكر الطبري مجموعة روايات تبين نوع الضرب وأنه غير مبرح يعني غير مؤثر[22].
وأغلب المفسرين ساروا على نهج الطبري، فابن كثير يفسر الضرب المقبول ذلك الذي "لم يكسر فيها عضوا، ولا يؤثر فيها شيئا"[23]. وعند الآلوسي المتوفى سنة 1270 هـ / 1854 م فالضرب غير المبرح هو الذي "لا يقطع لحما ولا يكسر عظما"[24].
ومن المفسرين الذين تناولوا هذه القضية بشكل معتدل أبو بكر بن العربي بعد أن أورد حكم عطاء بن أبي رباح (27 هـ ـ 114هـ/ 667 ـ 732 م) في الضرب والذي منع به ضرب النساء ونصه "لا يضربها وإن أمرها، ونهاها فلم تطعه، ولكن يغضب عليها". ثم علق ابن العربي قائلا: "وهذا من فقه عطاء، فإنه من فهمهه بالشريعة، ووقوفه على مضان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة، ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة: "إني لأكره الرجل أن يضرب أمته عند غضبه، ولعله أن يضاجعها من يومه"([25]) وقوله "ولن يضرب خياركم".
ومن المفسرين المعاصرين نجد أن الطاهربن عاشور قد أحسن القول في القضية و ربط بين الضرب والعرف، و حمل أقوال المفسرين وآراء الفقهاء على أنها روعي فيها عرف بعضالطبقات من الناس، أو بعض القبائل، فإنّ الناس متفاوتون في ذلك، وأهلالبدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداء، ولا تعدّه النساء أيضاً اعتداء". ونفى رحمه الله الضرب بدون مبررمنطقي، فقال:" وأمّا الضرب فهو خطير وتحديده عسير، ولكنّه أذن فيه في حالة ظهور الفساد؛ لأنّ المرأة اعتدَتْ حينئذ" ويواصل " يجوز لولاة الأمورإذا علموا أنّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعَها، ولاالوقوفَ عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوالهم أنّ من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لاسيما عند ضعف الوازع."[26].
وقد تبع كثير من المعاصرين مواقف السلف دون محاولة منهم تنزيل النص الشرعي على مقاصده وغاياته، ودون مراعاة منهم لتغير الأعراف والبيئات.
ومن هؤلاء المصلحان محمد عبده (ت 1905) ومحمد رشيد رضا (ت 1935) ، حيث يقول محمد عبده "إن مشروعية ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى تأويل"[27].
هذا، وقد قدم آخرون رؤى معاصرة للمسألة، ومنهم محمد الطالبي في كتابه أمة الوسط، " ، وقد قرأ آية الضرب قراءة تاريخية واجتماعية ومقاصدية ، وملخصها :
وانتهى بعد قراءة النصوص إلى المعلومات التالية:
- قضية الضرب لم تكن مشكلة في مكة، لأن العادة كانت ضرب الرجال لزوجاتهم، وهو على كل حال أخف من الوأد، والعقلية في ذلك الزمن ليست هي عقلية اليوم، ولا العواطف نفسها.
- أثيرت قضية الضرب في المدينة وطالبت النساء القرشيات بالمساواة بين الجنسين، وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمساواة لمدة ثلاث سنوات. عن عمر بن الخطاب قال: "كنا معشر المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم، فأخذت نساؤنا يتأدبن بأدب نساء الأنصار"[28].
- حدث ذلك عشية أحد بعد هزيمة المسلمين على ايدي المشركين وليست الأمة في حاجة إلى مزيد التفتت والإنفكاك.
- ظروف كهذه تحتم حسم الخلافات الداخلية، وتوحيد صف المقاتلين، و في هذه الظروف تنزل آية الضرب.
- رفض الضرب رفضا نهائيا في عصرنا لأنه ارتبط في الآية الكريمة بسياق خاص، وظروف خاصة
- دعوة الطالبي إلى الرجوع إلى حكم الرسول في قضية الضرب قبل نزول الآية[29].
ومن أحسن ما وقفت عليه في هذه القضية بحث الدكتورة رجاء ناجي مكاوي: "العنف الأسري في الشرع الإسلامي"[30]، والذي تعرضت فيه لقضية ضرب المرأة في الإسلام وناقشتها بشكل علمي دقيق.
وقد بينت أن الأصل في الإسلام الإحسان إلى المرأة، وساقت نماذج من السيرة القولية والفعلية لذلك. كما أوضحت حقيقة النشوز الشرعية، ونظرت إليها نظرة معاصرة متحررة من المعاني التي تعتبر النشوز مجرد عصيان لأهواء الزوج وأوامره.
ثم حللت التأديب الوارد في الآية 34 من سورة النساء تحليلا موضوعيا حددت من خلاله معنى الضرب، وقيوده، وشروطه ومن يملك حق إيقاعه.
وقد عرضت ذلك بشكل مقنع ومتسلسل، غير غافلة عن روح الشريعة ومقاصدها السمحاء.