الجوار هنا لا يعني المجاورة فأصله "أجار" ، وليس "جاور" ، ومعناه الأمان والذمة ، كما في قوله تعالى ،
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ.
قال القرطبي رحمه الله: "استجارك أي سأل جوارك ، أي أمانك وذمامك." ا.هـ
وقال البغوي: "قوله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك ) أي : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم ، أي : استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله . ( فأجره ) فأعذه وآمنه." ا.هـ
وقال ابن كثير: "( استجارك ) أي : استأمنك ، فأجبه إلى طلبته." ا.هـ
قلت: وطلب الجوار قد يحصل من القريب والبعيد ، كمن يستجير بملك له مُلك شاسع أو له سطوة على أراضٍ مترامية الأطراف فيجيره بأن يدخله أرضه ، ويؤمنه على نفسه.
والحاصل مما سبق أن قولهم "في جوار الله" أي معناه في ذمة الله أي ضمانه وأمانه ، وذمة الله قد جاء فيها حديث في صحيح مسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" ، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن صلى الصبح ، ولم يجعلها لأي أحد.
ومن المعلوم أن الموتى حالهم متفاوت ما بين محسن ومسيء ، وكذلك من المعلوم أنه لا يمكن معرفة حال الميت ومن أي الفريقين هو إلا بالدليل الثابت الصحيح.
لذلك لا يمكننا أن نثبت لأحد أنه في جوار الله وفي أمانه ، كما أننا لا نستطيع أن ننكر ذلك ، طالما أنه لا يوجد ما يثبت أن هذا الإنسان من أهل الجنة أو من أهل النار ، لذلك فإن ترك هذه المقولة هو الصحيح في هذه المسألة ، خاصة أنه لم يرد - إلى علمي - في تلك اللفظة حديث صحيح أو خبر عن الصحابة رضوان الله عليهم.
والله تعالى أعلم.