أمي وأبي قرة عيني

أحمد الجوهري عبد الجواد






قصص أشبال الإيمان (9)

أمي وأبي قرة عيني


أوَّه!
ما أجملَ القَصصَ التي حملها لنا التاريخُ عن أصحاب نبيِّنا صلى الله عليه وسلم!
وسأحكي لكم اليوم يا أعزائي قصتي مع أبي هريرةَ صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك الصحابي البطل، الذي اشتهر بين الناس ببرِّه الشديد بأمِّه، ورحمته ورأفته بها، لكن هل تعلمون لماذا سُمِّي أبو هريرة بهذا الاسم؟ إن اسمه الحقيقيَّ عبدُالرحمن؛ لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي سمَّاه "أبا هريرة"، فقد كان عبدالرحمن يمشي يومًا في شارعٍ من شوارع المدينة النبوية فرأى قطَّةً صغيرة جائعة، ليس معها أحدٌ، وهي لا تعرف طريقَها، فأخذتْه الشفقة عليها، خاف أن تموت من الجوع، فحمَلها في يده حتى يذهب بها إلى بيته، ويُطعمها ويسقيها، ويدفئها ويحميها، وفي الطريق يا أحباب قابَله نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، ورأى هذه الهرَّة معه - والهرَّة اسم من أسماء القطَّة - فأُعجب النبيُّ بعمله، ومن يومها سمَّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، وعُرف به!

وفي بيت أبي هريرة يا أحبابي شاهدت كيف كان يعتني بأمه ويحترمها وينفِّذ أوامرها، لقد رأيته يبَرُّ أمَّه برًّا عظيمًا، فهو يتحدَّث إليها بصوتٍ منخفض، ويناديها بأحبِّ الكلام وأجمله، ويطيِّب خاطرها دائمًا، وكان يدعو لها في صلاته كثيرًا.

كان أبو هريرة رضي الله عنه يا أصدقائي الصغار كلما أراد أن يخرج من بيته، وقف على باب غرفة أُمِّه، فقال: السلام عليك يا أُمَّتاه ورحمة الله وبركاته.
فتقول له أمُّه: وعليك السلام يا بُنَيَّ ورحمة الله وبركاته.
فيقول أبو هريرة: رحمك الله كما ربَّيتني صغيرًا.
فتجيبه قائلة: رحمك الله كما بررتني كبيرًا.
وأيضًا كان إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك.

لقد كان أبو هريرة عظيم الحُبِّ لوالديه، لكنَّ والده تُوفِّي قبل أن يراه ويعيش معه، فكان يجتهد في خدمة أمِّه وطاعتها وبرِّها، ولو كان أبوه حيًّا لفعل مثل ذلك معه.

وكان أبو هريرة يا أحبابي يسمع حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتني به ويحفظه، وكان كثيرًا ما يطلب من النبيِّ أن يدعو لأمه؛ لأن النبيَّ دعوته مستجابة، فيدعو النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ولأُمِّه معًا، وهو يحدِّثنا عن هذا فيقول: قلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يحبِّبَني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحبِّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم حبِّب عُبيدَك هذا وأمَّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين)).

ولهذا كان من كمال إيمان المؤمن أن يحبَّ أبا هريرة وأمَّه، وأن يحبَّ جميعَ أصحاب رسول الله والمؤمنين به.
لقد كنت سعيدةً في بيت أبي هريرة، ذلك البيت العامر بالوُد والبرِّ والرحمة، بين الابن وأمِّه، وكذلك كل بيت يعمل أبناؤه ببرِّ آبائهم وأمَّهاتهم يكون البيت سعيدًا، ويعيش أهلُه في فرح وسرور.

فلا تنسَ يا صديقي: أطع أباك وأمَّك ولا تعصهما، وارحمهما ولا تعاملهما بقسوةٍ؛ ليرضى اللهُ عنك، فتنجح في دراستك وجميع أعمالك في الدنيا، وتدخل الجنَّة في الآخرة.

فوائد القصة:
نستفيد من هذه القصة الجميلة أنَّ:
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم القدوة الحسنة لنا في جميع أعمال الخير؛ لأنهم قاموا بها على أكمل وأفضل وجه؛ ولهذا نحبُّهم، ونعمل مثل أعمالهم.
بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، وهو فرض واجب، من حُرِمه حُرِم خيرَ الدنيا والآخرة.
من برِّ الوالدين: حبهما، وطاعتهما، والدعاء لهما، وعدم إغضابهما، والقيام على خدمتهما، وخفض الصوت عند الحديث إليهما.