تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    إعداد الدكتور أمل العلمي

    لا شك أن القرآن الكريم هو دستور الحياة والمرجع والهدى والنور والبيان وهو كما أراده الله سبحانه وتعالى أن يكون للناس جميعاً بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون، قال تعالى : ﴿حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) ﴾ فصلت: ١ – ٥. إن المعرض عن كتاب الله يحمل يوم القيامة وزرا، قال تعالى : ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا طه: ١٠٠ ؛ ومن أعرض عن ذكر الله تكون له معيشة ضنكا ويحشره الله يوم القيامة أعمى مصداقا للآية الكريمة: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى طه: ١٢٤ ؛ ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا قال تعالى: ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا الجن: ١٧. ويصف الحق سبحانه وتعالى الشخص الذي ذُكِّر بآيات ربه ثم أعرض عنها بأنه أظلم الناس وأنه مجرم، ويتوعد الله المجرمين بالانتقام كما ذكر وعيده في الآية: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ السجدة: ٢٢. والآية: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا الكهف: ٥٧. ومن صد عن آيات الله يتوعده الله عز وجل بسعير جهنم، والذين كفروا بآيات الرحمن سيصلون نارا كلما نضجت جلودهم يبدلهم الله جلودا غيرها ليذوقوا العذاب كما ورد في الآيتين: ﴿ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)النساء: ٥٥ - ٥٦. ويخبر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان إذا أنعم الله عليه يعرض وينئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا وذو دعاء عريض كما ورد في الآيتين الكريمتين: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾ الإسراء: ٨٣ ؛ ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍفصلت: ٥١.
    لنستعرض إذا في هذا المبحث شرح هذه الآيات تباعاً إن شاء الله بالترتيب:

    من سورة فصلت مع الآيات 1-5
    من سورة طه مع الآية 100
    من سورة طه مع الآية 124
    من سورة الجن مع الآية 17
    من سورة السجدة مع الآية 22
    من سورة الكهف مع الآية 57
    من سورة النساء مع الآيتين 55-56
    من سورة الإسراء مع الآية 83
    من سورة فصلت مع الآية 51

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة فصلت مع الآيات 1-5

    قال تعالى: ﴿حم (1)تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) ﴾ فصلت: 1-5

    من تفسير ابن كثير للآيات نقرأ: يقول تعالى: ﴿حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ يعني: القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله:﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ]النحل: 102] وقوله:﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِين نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِين َ]الشعراء: 192 ــــ 194]. وقوله تبارك وتعالى: ﴿كِتَـٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُأي: بينت معانيه، وأحكمت أحكامه ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا أي: في حال كونه قرآناً عربياً بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة غير مشكلة؛ كقوله تعالى:﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ]هود: 1] أي: هو معجز من حيث لفظه ومعناه ﴿ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ]فصلت:42[. وقوله تعالى: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي: إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا أي: تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَأي: أكثر قريش، فهم لا يفهمون منه شيئاً مع بيانه ووضوحه، ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِىۤ أَكِنَّةٍ أي: في غلف مغطاة ﴿مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ أي: صمم عما جئتنا به، ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فلا يصل إلينا شيء مما تقوله، ﴿فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ أي: اعمل أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا لا نتابعك، قال الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده: حدثني ابن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الزيال بن حرملة الأسدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش يوماً، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه، ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة، فقال: يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم، فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك؛ فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى؛ أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً، وإن كان بك الباءة، فاختر أي نساء قريش شئت، فلنزوجك عشراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فرغت؟ " قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ــــ حتى بلغ ــــ ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ" فقال عتبة: حسبك حسبك، ما عندك غير هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا " فرجع إلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته، قالوا: فهل أجابك ؟ قال: نعم قال لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قاله، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية، لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة. وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده مثله سواء، وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح، وهو ابن عبد الله الكندي الكوفي، وقد ضعف بعض الشيء، عن الزيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فذكر الحديث إلى قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فانطلقوا إليه، فقال أبو جهل: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد، وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة، جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة، وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً، وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء والله ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ فأمسكت بفيه، وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً، لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب، وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى، والله تعالى أعلم، وقد أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط، فقال: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيداً، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد، فأكلمه وأعرض عليه أموراً؛ لعله أن يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بن أخي إنك منا حيث علمت من السِّطَة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها؛ لعلك تقبل منها بعضاً. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" قل يا أبا الوليد أسمع " قال: يا بن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً، سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً، ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه، لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الأطباء، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو كما قال له، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: " أفرغت يا أبا الوليد؟ " قال: نعم. قال: " فاستمع مني " قال: أفعل. قال: " بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ كِتَـٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ" ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال:" قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك " فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني، واجعلوها لي، خلُّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. وهذا السياق أشبه من الذي قبله، والله أعلم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة طه مع الآيات 99-101

    قال تعالى: ﴿كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً (99)
    مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا (101) ﴾ (طه:99-101)

    من تفسير ابن كثير نقرأ: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص، هذا وقد آتيناك من لدنا، أي من عندنا ذكراً، وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي لم يعط نبي من الأنبياء منذ بعثوا إلى أن ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم كتاباً مثله، ولا أكمل منه، ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن، وحكم الفصل بين الناس منه.

    ولهذا قال تعالى: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } أي: كذب به، وأعرض عن اتباعه أمراً وطلباً، وابتغى الهدى من غيره، فإن الله يضله، ويهديه إلى سواء الجحيم، ولهذا قال: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً } أي: إثماً كما قال تعالى: { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ }
    [هود: 17] وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال: {
    لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [الأنعام: 19] فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه، هدي، ومن خالفه وأعرض عنه، ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة، ولهذا قال: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً خَـٰلِدِينَ فِيهِ } أي: لا محيد لهم عنه ولا انفكاك { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً } أي: بئس الحمل حملهم.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة طه مع الآيات 123-127

    قال تعالى: ﴿
    قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) ﴾ طه: 123-127

    من تفسير ابن كثير ننقل ما يلي: يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس: اهبطوا منها جميعاً، أي من الجنة كلكم، وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة
    { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [البقرة: 36] قال: آدم وذريته، وإبليس وذريته. وقوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى } قال أبو العالية: الأنبياء والرسل والبيان { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال ابن عباس: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } أي: خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي: ضنكاً في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة.
    قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال: الشقاء. وقال العوفي عن ابن عباس: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال: كل ما أعطيته عبداً من عبادي، قل أو كثر، لا يتقيني فيه، فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة، وقال أيضاً: إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين، فكانت معيشتهم ضنكاً، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفاً لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب، فإذا كان العبد يكذب بالله، ويسيء الظن به، والثقة به، اشتدت عليه معيشته، فذلك الضنك. وقال الضحاك: هو العمل السيىء والرزق الخبيث، وكذا قال عكرمة ومالك بن دينار.
    وقال سفيان بن عيينة: عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قوله: { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه، وقال أبو حاتم الرازي: النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، أنبأنا الوليد، أنبأنا عبد الله بن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال: ضمة القبر له، والموقوف أصح. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح عن ابن حجيرة، واسمه عبد الرحمن، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } ، أتدرون ما المعيشة الضنك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً. أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس، ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون " رفعه منكر جداً.
    وقال البزار: حدثنا محمد بن يحيى الأزدي: حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال: " المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة " وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال: " عذاب القبر " إسناد جيد.
    وقوله:{ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } قال مجاهد وأبو صالح والسدي: لا حجة له، وقال عكرمة: عمي عليه كل شيء إلا جهنم، ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً، كما قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [الإسراء الآية: 97 ]، ولهذا يقول: { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِىۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } أي: في الدنيا { قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك، تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك {فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا}
    [الأعراف:51 ] فإن الجزاء من جنس العمل. فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص، وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك. قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم " ، ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة الجن مع الآية 17

    قال تعالى: ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا
    الجن: ١٧
    هذه الآية، هي من الآيات التي حذرت من الإعراض عن القرآن ومغبة عدم اتباع تعاليمه مثل ما سبق من آيات في هذا الموضوع. ولقد وردت في السياق التالي:
    قال تعالى :} وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} * {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} * {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} * {وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُون َ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً} * {وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} * {وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} * {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً}

    في تفسير ابن كثير نقرأ شرح الآيات: يقول تعالى مخبراً عن الجن: أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم: { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي: غير ذلك { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي: طرائق متعددة مختلفة، وآراء متفرقة، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي: منّا المؤمن، ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل، حدثنا علي بن الحسن بن سليمان، وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم، حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: تروح إلينا جني، فقلت له: ما أحب الطعام إليكم؟ فقال: الأرز، قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً، فقلت: فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال: نعم، فقلت: فما الرافضة فيكم؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزِّي فقال: هذا إسناد صحيح إلى الأعمش. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:

    قُلوبٌ بَراها الحُبُّ حَتَّى تَعَلَّقَتْ
    مَذاهِبُها في كُل غَرْبٍ وشارِقِ
    تَهيمُ بِحُب اللّهِ واللّهُ رَبُّها
    مُعَلَّقَةً بِاللّهِ دُونَ الخَلائِقِ
    وقوله تعالى: { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } أي: نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا، وأنا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنّا في الهرب، فإنه علينا قادر، لا يعجزه أحد منّا، { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ ءَامَنَّا بِهِ } يفتخرون بذلك، وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة، وقولهم: { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته، أو يحمل عليه غير سيئاته؛ كما قال تعالى: { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } [طه: 112] { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُون َ وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُون } أي: منا المسلم ومنا القاسط، وهو الجائر عن الحق، الناكب عنه، بخلاف المقسط؛ فإنه العادل، { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي: طلبوا لأنفسهم النجاة، { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: وقوداً تسعر بهم.
    وقوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُ مَّآءً غَدَقاً لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين:
    [أحدهما] وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام، وعدلوا إليها، واستمروا عليها، { لأَسْقَيْنَـٰهُ مَّآءً غَدَقاً } أي: كثيراً، والمراد بذلك سعة الرزق، كقوله تعالى:
    { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [المائدة: 66] وكقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96] وعلى هذا يكون معنى قوله: { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم، كما قال مالك عن زيد بن أسلم: لنفتنهم: لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية. [ذكر من قال بهذا القول] قال العوفي عن ابن عباس: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم ْ } يعني بالاستقامة: الطاعة، وقال مجاهد: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال: الإسلام.
    وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي، وقال قتادة: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم ْ } يقول: لو آمنوا كلهم، لأوسعنا عليهم من الدنيا. وقال مجاهد: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الحق، وكذا قال الضحاك، واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنبتليهم به. وقال مقاتل: نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
    [والقول الثاني] { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ }: الضلال { لأَسْقَيْنَـٰهُ مَّآءً غَدَقاً } أي: لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً؛ كما قال تعالى: } فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ{ [الأنعام: 44] وكقوله:
    {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ {
    [المؤمنون: 55 - 56] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد، فإنه قال في قوله تعالى : { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الضلالة، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان، وله اتجاه، ويتأيّد بقوله: لنفتنهم فيه. وقوله: { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي: عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد: { عَذَاباً صَعَداً } أي: مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة السجدة مع الآية 22

    قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَالسجدة: ٢٢
    وسياق الآية كما يلي:
    قال تعالى:} أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} * {أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} * {وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} * {وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} * {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِين َ مُنتَقِمُونَ{(السجدة : 18-22)

    في تفسير ابن كثير نقرأ شرح الآيات : يخبر تعالى عن عدله وكرمه: أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله، بمن كان فاسقاً، أي: خارجاً عن طاعة ربه، مكذباً لرسل الله إليه، كما قال تعالى:
    { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الجاثية: 21] وقال تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰت ِ كَٱلْمُفْسِدِين فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ص: 28] وقال تعالى: { لاَ يَسْتَوِىۤ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [الحشر: 20] الآية، ولهذا قال تعالى ههنا: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } أي: عند الله يوم القيامة، وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما: أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط، ولهذا فصل حكمهم، فقال: { أَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰت ِ } أي: صدقت قلوبهم بآيات الله، وعملوا يمقتضاها، وهي الصالحات، { فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ } أي: التي فيها المساكن والدور والغرف العالية { نُزُلاً } أي: ضيافة وكرامة { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } أي: خرجوا عن الطاعة، فمأواهم النار، كلما أرادوا أن يخرجوا منها، أعيدوا فيها؛ كقوله: { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } الآية. قال الفضيل بن عياض: والله إن الأيدي لموثقة، وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهب ليرفعهم، والملائكة تقمعهم، { وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي: يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً.
    وقوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } قال ابن عباس: يعني بالعذاب الآدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها؛ مما يبتلي الله به عباده؛ ليتوبوا إليه. وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف. وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به: إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به: عذاب القبر. وقال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، وأبي عبيدة عن عبد الله: { وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } قال: سنون أصابتهم.
    وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الجزار، عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الآية: { وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } قال: القمر والدخان قد مضيا، والبطشة واللزام، ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفاً نحوه. وعند البخاري عن ابن مسعود نحوه. وقال عبد الله بن مسعود أيضاً في رواية عنه: العذاب الأدنى: ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر، وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم.
    قال السدي وغيره: لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير، فأصيبوا أو غرموا، ومنهم من جمع له الأمران.
    وقوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـآيَـٰتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } أي: لا أظلم ممن ذكره الله بآياته، وبينها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها، وأعرض عنها، وتناساها كأنه لا يعرفها. قال قتادة.: إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة، وأعوز أشد العوز، وعظم من أعظم الذنوب، ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك: { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِين َ مُنتَقِمُونَ } أي: سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام. وروى ابن جرير: حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله يقول:" ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق، أو عق والديه، أو مشى مع ظالم ينصره، فقد أجرم، يقول الله تعالى: { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِين َ مُنتَقِمُونَ }"ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به، وهذا حديث غريب جداً.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة الكهف مع الآية 57

    قال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُو ا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا (55)
    وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلا (58)﴾ الكهف: 55-58

    في معرض تفسير الآيات يقول ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن تمرد الكفرة في قديم الزمان وحديثه، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عياناً، كما قال أولئك لنبيهم:
    { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِين } [الشعراء: 187] وآخرون قالوا: { ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِين } [العنكبوت: 29] وقالت قريش: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
    [الأنفال:32]، { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلَـٰئِكَة ِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِين } [الحجر: 6 - 7] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.

    ثم قال: { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } من غشيانهم بالعذاب، وأخذهم عن آخرهم، { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } أي: يرونه عياناً مواجهة ومقابلة، ثم قال تعالى: { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِين َ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } أي: قبل العذاب؛ مبشرين من صدقهم وآمن بهم، ومنذرين لمن كذبهم وخالفهم، ثم أخبر عن الكفار بأنهم { يُجَـٰدِلُونَ بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ } أي: ليضعفوا به { الحق } الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم، { وَٱتَّخَذُوۤاْ ءايَاتِى وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً } أي: اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل، وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب { هُزُوًا } أي: سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب.
    } وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً} * {وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} * {وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً {
    يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها؟ أي: تناساها، وأعرض عنها، ولم يصغ لها، ولا ألقى إليها بالاً، { وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي: من الأعمال السيئة، والأفعال القبيحة، { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي: قلوب هؤلاء { أَكِنَّةً } أي: أغطية وغشاوة { أَن يَفْقَهُوهُ } أي: لئلا يفهموا هذا القرآن والبيان { وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } أي: صمماً معنوياً عن الرشاد { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً }.
    وقوله: { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } أي: ربك يا محمد غفور ذو رحمة واسعة { لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ } كما قال: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } [فاطر: 45] وقال: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }
    [الرعد: 6] والآيات في هذا كثيرة شتى، ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر، وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد، ومن استمر منهم، فله يوم يشيب فيه الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها، ولهذا قال: { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } أي ليس لهم عنه محيص ولا محيد ولا معدل. وقوله: { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُم لَمَّا ظَلَمُواْ } أي: الأمم السالفة والقرون الخالية، أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم، { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا } أي: جعلناه إلى مدة معلومة ووقت معين، لا يزيد ولا ينقص، أي: وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي، ولستم بأعز علينا منهم، فخافوا عذابي ونذري.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة النساء مع الآيتين 55-56

    ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)النساء: 54-56

    في تفسير ابن كثير: يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته، وصد عن رسله، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَـٰتِنَا } الآية، أي: ندخلهم ناراً دخولاً يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم، ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، فقال: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } قال الأعمش عن ابن عمر: إذا احترقت جلودهم، بدلوا جلوداً غيرها بيضاء أمثال القراطيس، رواه ابن أبي حاتم، وقال يحيى ابن يزيد الحضرمي: أنه بلغه في الآية، قال: يجعل للكافر مائة جلد، بين كل جلدين لون من العذاب، ورواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا حسين الجعفي عن زائدة، عن هشام، عن الحسن قوله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } الآية، قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } قيل لهم: عودوا، فعادوا. وقال أيضاً: ذكر عن هشام بن عمار، حدثنا سعيد ابن يحيى ـ يعني سعدان ـ حدثنا نافع مولى يوسف السلمي البصري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قرأ رجل عند عمر هذه الآية: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } فقال عمر: أعدها علي، فأعادها، فقال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها: تبدل في ساعة مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه ابن مردويه عن محمد بن أحمد بن إبراهيم، عن عبدان بن محمد المروزي، عن هشام بن عمار، به. ورواه من وجه آخر بلفظ آخر، فقال: حدثنا محمد ابن إسحاق عن عمران، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا نافع أبو هرمز، حدثنا نافع عن ابن عمر، قال: تلا رجل عند عمر هذه الآية: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } الآية، قال: فقال عمر: أعدها علي، وثم كعب، فقال: يا أمير المؤمنين أنا عندي تفسير هذه الآية قرأتها قبل الإسلام، قال: فقال: هاتها يا كعب، فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك، وإلا لم ننظر إليها، فقال: إني قرأتها قبل الإسلام: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها، في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الربيع بن أنس: مكتوب في الكتاب الأول: أن جلد أحدهم أربعون ذراعاً، وسِنُّه تسعون ذراعاً، وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه، فإذا أكلت النار جلودهم، بدلوا جلوداً غيرها. وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا، قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا أبو يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يعظم أهل النار في النار، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذرعاً، وإن ضرسه مثل أحد " تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقيل: المراد بقوله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي: سرابيلهم، حكاه ابن جرير، وهو ضعيف؛ لأنه خلاف الظاهر. وقوله: { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰت ِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها، ومحالها وأرجائها، حيث شاؤوا، وأين أرادوا، وهم خالدون فيها أبداً، لا يحولون ولا يزولون، ولا يبغون عنها حولاً. وقوله: { لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي: من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة، كما قال ابن عباس: مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي. وقال مجاهد: مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمآثم، ولا حيض ولا كلف. وقوله: { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } أي: ظلاً عميقاً كثيراً غزيراً طيباً أنيقاً. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا ابن المثنى، حدثنا ابن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها: شجرة الخلد ".

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة فصلت الآية 51

    قال تعالى:
    ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ فصلت:51
    أما سياق الآية ففي قوله عز وجل: }لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} * {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنّ َ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} * {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ{(فصلت: 49-51)

    يقول تعالى: لا يمل الإنسان من دعاء ربه بالخير، وهو المال وصحة الجسم وغير ذلك، فإن مسه الشر، وهو البلاء أو الفقر، { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } أي: يقع في ذهنه أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير، { وَلَئِنْ أَذَقْنَـٰهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِى } أي: إذا أصابه خير ورزق بعد ما كان في شدة، ليقولن هذا لي، إني كنت أستحقه عند ربي، { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } أي: يكفر بقيام الساعة، أي: لأجل أنه خول نعمة يبطر ويفخر ويكفر؛ كما قال تعالى:
    { كَلآ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6 ــــ 7]. { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّىۤ إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } أي: ولئن كان ثم معاد، فليحسنن إلي ربي كما أحسن إلي في هذه الدّار، يتمنى على الله عز وجل، مع إساءته العمل، وعدم اليقين. قال الله تبارك وتعالى: { فَلَنُنَبِّئَنّ َ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } يتهدد تعالى من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنكال. ثم قال تعالى: { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي: أعرض عن الطاعة، واستكبر عن الانقياد لأوامر الله عز وجل؛ كقوله جل جلاله: { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } [الذاريات: 39]. { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ } أي: الشدة، { فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } أي: يطيل المسألة في الشيء الواحد، فالكلام العريض: ما طال لفظه، وقل معناه. والوجيز عكسه، وهو ما قل ودل. وقد قال تعالى: { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ }
    [يونس: 12] الآية.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الإعراض عن آيات الله بعد التذكير بها

    من سورة الإسراء مع الآية 83

    قال تعالى:
    ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًاالإسراء: ٨٣
    وسياق الآية في قوله عز من قائل: { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } (الإسراء: 83-84)

    في تفسير ابن كثير شرح للآية: يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو، إلا من عصمه الله تعالى في حالتي السراء والضراء، فإنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية وفتح ورزق ونصر، ونال ما يريد، أعرض عن طاعة الله وعبادته، ونأى بجانبه. قال مجاهد: بعد عنا، قلت: وهذا كقوله تعالى: { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ } وقوله: { فَلَمَّا نَجَّـٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ } وبأنه إذا مسه الشر وهو المصائب، والحوادث والنوائب { كَانَ يَئُوساً } أي: قنط أن يعود فيحصل له بعد ذلك خير؛ كقوله تعالى:
    { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَات أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }
    [هود: 9 - 11].

    وقوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } قال ابن عباس: على ناحيته. وقال مجاهد: على حدته وطبيعته. وقال قتادة: على نيته. وقال ابن زيد: دينه، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى وهذه الآية - والله أعلم - تهديد للمشركين ووعيد لهم؛ كقوله تعالى: { وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } الآية [هود: 121]، ولهذا قال: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } أي: منا ومنكم، ويجزي كل عامل بعمله، فإنه لا يخفى عليه خافية.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •