قال الشيخ أبو صفوان ذياب الغامديّ -وفقه الله ورعاه- يختتم "منهجه العلمي" الذي قدّمه له شيخنا العلامة عبد الله بن جبرين -رحمه الله وقدس روحه- :
وقَبْلَ أنْ أطْوِيَ بِسَاطَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ)، وقَبْلَ أنْ أرْفَعَ القَلَمَ عَنْ تَرْسِيْمِ مَنَارَاتِه؛ كَانَ حَقًّا أنْ نَجُرَّ ذَيْلَ التَّوَاصُلِ بَيْنَنا فِي ثَوْبِ النَّصِيْحَةِ؛ عَسَانا نَضَعُ عَنَّا بَعْضَ مَا هُنَالِكَ مِنْ آثَامٍ تَرَكَتْها الأمَّةُ فِي مَنَاقِعَ وَحْلَةٍ، وأنْقَابٍ مُنْسَرِبَةٍ؛ يَوْمَ تَمَطَّى البَاطِلُ بكَلْكَلِهِ، واسْتَأسَدَ الكَافِرُ بِصَلْصَلِهِ؛ لِيَقْضِيَ أمْرًا كَانَ مَفْعُوْلاً، فَعِنْدَها اسْتَوْسَعَ الوَهْيُ، واسْتَنْهَرَ الفَتْقُ، كُلُّ ذَلِكَ ليَأْخُذَ فِي دَرْسِ مَا بَقِيَ مِنْ رُسُوْمِ العِلْمِ، وتَحْرِيْفِ هُوِيَّةِ الإسْلامِ العَالِقَةِ فِي ذَاكِرَةِ التَّارِيْخِ!
لأجْلِ هَذا؛ حُمِّلْتُ أمَانَةَ القَلَمِ مَا دُمْتُ قَدْ نَصَّبْتُ نَفْسِي للدِّفَاعِ عَنْ أُمَّتِي دِفَاعًا لا أتَلَجْلَجُ فِيْه ولا أُحْجِمُ مَا اجْتَمَعَ قَلَمِي بالأنَامِلِ، وجَرَى مِدَادِي بالكَاغَدِ.
فَظَنِّي وظَنُّكَ بأنَّه زَمَنُ الإنْكِسَارَاتِ، وقَرْنُ العَشَاوَاتِ والشَّارَاتِ ... لِذَا فَقَدْ حَصْحَصَ للنَّصِيْحَةِ وَقْتُها، واسْتَوْجَبَ فِي هَذَا (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) بَثُّها، بأنْ أصْدَعَ بالحَقِّ جِهارًا فِي غَيْرِ جَمْجَمَةٍ ولا إدْهَانٍ، ولأصْرِفَ عَنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ دُخُوْلاتِ العِلْمِ وأُغْلُوْطَاتِه، وذَلِكَ فِي كَشْفِ حَقَائِقَ مِنَ الدِّيْنِ مَعْلُوْمَةً، ومِنَ العِلْمِ مَعَالِمَ مَوْسُوْمَةً!
وهُوَ أنَّ مُقْتَضَى العِلْمِ العَمَلَ، فَهُما مُتَلازِمَانِ مُتَآلِفَانِ، وإلاَّ عَادَ العِلْمُ عَلَى صَاحِبِه وَبَالاً ونَكَالاً (عَوْذًا باللهِ)، وبِمَا أنَّ طَالِبَ العِلْمِ مُسْتَوْدَعُ العِلْمِ، ومَرْجِعُ الفَهْمِ؛ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْه أنْ يَمُدَّ للْعِلْمِ حِبَالَ العَمَلِ، مَا اسْتَوْثَقَ الحَقُّ بأهْلِه.
أمَّا إنْ سَألْتَ أخِي طَالِبَ العِلْمِ عَنْ فَرْضِ الوَقْتِ، ومَبَاغِي العِلْمِ ومُقْتَضَيَاتِه الآنَ : فَهُو دَفْعُ العَدُوِّ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، لأنَّه وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه!
وهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْه ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِه : "وأمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُو أشَدُّ أنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ، ودَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه، فَلا يُشْتَرَطُ لَه شَرْطٌ؛ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الإمْكَانِ، وقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، أصْحَابُنا وغَيْرُهُم، فَيَجِبُ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ، وبَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه".
ويَقْصِدُ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِه: "دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ" : جِهَادَ الدَّفْعِ، و"بَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه": جِهَادَ الطَّلَبِ، فَتَأمَّلْ!
فإذَا عُلِمَ أنَّ الأعْدَاءَ هَذِه الأيَّامَ قَدْ سَامُوْنا خِطَّةَ خَسْفٍ؛ كَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ لاسِيَّمَا العُلَمَاءُ مِنْهُم وطُلابُ العِلْمِ أنْ يَنْفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً لِجِهَادِ عَدُوِّهِم الصَّائِلِ وإخْرَاجِهِ مِنْ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ؛ لاسِيَّما فِلِسْطِيْنَ وغَيْرِها مِمَّنْ سَلَبَتْها أيْدِي الأعَادِي، وكُلٌّ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِه، واللهُ المُسْتَعَانُ!
فَيَا طَالِبَ العِلْمِ: لا يَرَاكَ اللهُ (هَذِه الأيَّامَ) إلاَّ سَائِرًا فِي نُخَبِ المُجَاهِدِيْنَ، الَّذِيْنَ هُمْ أُبَاةُ ذُلٍّ، ولِيُوْثُ غَابَةٍ، فَكُنْ مَعَهُم ببَدَنِكَ، أو مَالِكَ، أو لِسَانِكَ، أو قَلَمِكَ، وإلاَّ بقَلْبِكَ؛ وذَلِكَ أضْعَفُ الإيْمَانِ .
فَهُم؛ أشْيَاعُ الحَقِّ وذَادَتُه، وسُيُوْفُ العِزِّ وحُمَاتُه... فَهُم حَضَنَةُ الإسْلامِ وأعْضَادُ المِلَّةِ، فَسِيُوْفُهُم لا تَنْبُوْ عَنْ مَضَارِبِها، ولا تَكِلُّ غَوَارِبُها!
فَهَيَّا؛ إلى سَاحَاتِ الوَغَى، ومَوَاقِفِ التَّخَاصُمِ، ومَنَازِلِ التَّحَاكُمِ، فَفِيْها العِزُّ والإبَاءُ، فإنْ لَمْ يَكُ فَفِي الجَنَّةِ اللِّقَاءُ؛ حَيْثُ انْفَجَرَتِ الهَيْجَاءُ، وقَصُرَتِ الأعِنَّةُ، واسْتَجْرَتِ الأسِنَّةُ، وتَصَادَمَتِ الأبْطَالُ، وتَبَارَزَتِ الرِّجَالُ، وأقْبَلَتِ الآجَالُ تَفْتَرِسُ الآمَالَ، وبَلَغَتِ القُلُوْبُ الحَنَاجِرَ!
فأمَّا؛ وإنْ أحَاطَ بالمُسْلِمِ مَا يَمْنَعُه الجِهَادَ هَذِه الأيَّامَ، أو حَالَ دُوْنَ ما يَتَمَنَّى كَيْدُ الكائِدِيْنَ؛ فَلَهُ والحَالَةُ هَذِه أنْ يَتَسَلَّى بِهَذا (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) عَسَاهُ يَكُوْنُ الفَرَجُ قَرِيْبًا إنْ شَاءَ اللهُ!
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، ولا عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ.