أولاً : أنت تعتقد بأن قول الحافظ بن كثير يعارض قول النووى وأنا أقول لك ليس هناك معارضة البته لا بين قول النووى ولا ابن كثير ولا قول الألبانى بل كلهم قول واحد فراجعهم .
ثانياً :أهل الجاهلية فى مكة بلغتهم جميعاً الرسالة والأدلة على ذلك كثيرة منها .
والصريحة في أن بعض مشركي العرب في النار، وأنهم كانوا كفارا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم،
وهي نصوص كثيرة صريحة، ليس لها مدفع،
ومن ذلك:
- قوله تعالى( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) (آل عمران: 103)
- وقوله تعالى ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى........)(البنية: 1-2)
- وقوله تعالى( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا)(البقرة: 89)
أي: أن اليهود كانوا يستفتحون على الذين كفروا، وهم العرب ، بنبي يأتي من اليهود،
- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث وفاة أبي طالب: أن آخر ما قال : (أنه على ملة عبد المطلب)
فدل على أن عبد المطلب مات على الشرك، وذلك قبل البعثة
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي بوم الدين
- وعن أنس، رضي الله عنه، أن رجلا قال : يارسول الله، أين أبي؟ قال:( في النار)، فلما قفًّى دعاه فقال: ( إن أبي وأباك في النار).
- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي.
- ومنها، وهو من أصرحها، ما جاء في حديث لقيط بن عامر الطويل وفيه: قال:
فقلت: يا رسول الله، هل لأحد مما مضى من خير في جاهليتهم؟ قال: فقال رجل من عرض قريش: والله، إن أباك المنتفق لفي النار، فكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ فإذا الأخرى أجمل، فقلت: وأهلك يا رسول الله؟ قال: وأهلي، لعمر الله، ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل: أرسلني إليك محمد، يبشرك بما يسوؤك، تجر على وجهك وبطنك في النار .
والذي يعنينا هنا أن هذه النصوص دالة على أن أغلب العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كفار معذبون في النار، فطعن قوم في هذه النصوص بأنها أحاديث آحاد، تعارض النصوص القطعية في أنه لا يعذب أحد حتى تبلغه الحجة الرسالية، وهؤلاء لم تبلغهم،
وممن ذهب إلى هذا السيوطي، رحمه الله، وأفرط فرتب على هذا القول بنجاة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم من النار، ثم غلا فقال: إن الله بعثهما من موتهما فآمنا به، وصحح حديثا في ذلك عن طريق الكشف والمنام. وهذا مما عابه عليه العلماء.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه عن هذا كما في " مجموع الفتاوى"(4/324):
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟
فأجاب:
لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث، بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد روي في ذلك أبو بكر- يعني: الخطيب- في كتابه" السابق واللاحق"، وذكره أبو القاسم الهيلي في " شرح السيرة" بإسناد فيه مجاهيل، وذكره أبو عبد الله القرطبي في " التذكرة" وأمثال هذه المواضع،
فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات، كذبا كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث، لا في الصحيح، ولا في السنن، ولا في المسند، ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح، لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين،فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة........ انتهى
فقد ثبت مما سبق:
أنه لا يدخل النار إلا من بلغته دعوة رسول، ولكن لا يلزم أن يكون الرسول هو: محمد صلى الله عليه وسلم، فالقول بأن مشركي العرب لم تبلغهم الحجة الرسالية ؛ لكونهم ماتوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو قول غير صحيح، فقد قامت عليهم الحجة الرسالية بدين إبراهيم، عليه السلام، وإن دخله التحريف، إلا أنه كان فيهم من يعرف التوحيد، ويحتج عليهم به، ومنهم: زيد بن عمرو بن نفيل؛ الذي كان يقول لكفار قريش: ( يا معشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري) . وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد، إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله ، إنكارا لذلك وإعظاما له.
وزيد هذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم، كما في هذا الحديث، غير أنه مات قبل البعثة، وعمل بما أمكنه معرفته من دين إبراهيم الحق، وكان كفار قريش يؤذونه على ذلك.
فالحجة كانت قائمة على العرب قبل البعثة بدين إبراهيم، وكان منهم من هو على بقية من الدين الحق، وهم الحنفاء، ومنهم زيد بن عمرو، وكانت قريش تفخر على العرب بأنهم نسل إبراهيم، ويسمون أنفسهم: الحُمْس، كما ورد في أول سيرة ابن هشام.
ولهذا قال الإمام النووي في"شرح مسلم" (3/79) في شرح حديث (إن أبي وأباك في النار): فيه: أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين،
وفيه: أن من مات فيالفترةعلى ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم، وغيره من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم. انتهى
وهذا من أبين التحقيق وأظهره،
ولا يشكل على هذا الضابط آية سورة القصص، وهو قوله تعالى( لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبل......) (46)
فتدل هذه على أن العرب لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن يعارضها قوله تعالى(وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) (فاطر:24)
فمقتضاه: أنه جاءهم نذير، وهو: إبراهيم، عليه السلام، كما ثبت بالنصوص السالفة الذكر.
وعلى هذا، فإن آية القصص، ونحوها لا تشكل على أن العرب كانوا محجوجين بدين إبراهيم، عليه السلام، وأن الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم في النار، ممن ماتوا قبل بعثته، قامت عليهم الحجة الرسالية بدين إبراهيم، عليه السلام، وبهذا يظل الضابط الفقهي في هذا الباب صحيحا غير منخرم، وهو: أنه لا يدخل النار إلا من قامت عليه الحجة الرسالية؛ إما بدعوة رسول في الدنيا، وإما باختبار في عرصات يوم القيامة، ولله الأمر من قبل ومن بعد
وأيضاً القول بأن أهل الجاهلية فى مكة من الكفار المعذبين قول ابن القيم :أيضاً كفرأهل الجاهلية وأنهم فى النار هو قول ابن القيم :قال ابن القيم(
وقوله حيثما مررت بقبر كافر فقل أرسلني إليك محمد هذا إرسال تقريع وتوبيخ لا تبليغ أمر ونهي وفيه دليل على سماع أصحاب أهل القبور كلام الأحياء(قلت ابن خليفة :وهذا على تصفيل ) وخطابهم لهم ودليل على أن مات مشركا فهو في النار وإن مات قبل البعثة لأن المشركين كانوا قد غيروا الحنيفية دين إبراهيم واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه وليس معهم حجة من
الله به وقبحه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من اولهم إلى آخرهم وأخبارعقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرنا بعد قرن فلله الحجة البالغة على المشركين في كل وقت ولو لم يكن إلا ما فطر عباده عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لتوحيد إلهيته وأنه يستحيل في كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل والله أعلم )
وقد سبق نقل القرافى الإجماع عليه وهذا من القوة بمكان حتى وإن كان غير منعقد .
وأيضاً تأمل فى قوله تعالى
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
قال الحافظ ابن كثير :
وَقَوْله تَعَالَى " وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " إِلَى آخِر الْآيَة وَهَذَا السِّيَاق فِي شَأْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنهمْ حُرُوب كَثِيرَة فِي الْجَاهِلِيّ وَعَدَاوَة شَدِيدَة وَضَغَائِن وَإِحَن وَذُحُول طَالَ بِسَبَبِهَا قِتَالهمْ وَالْوَقَائِع بَيْنهمْ فَلَمَّا جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ فَدَخَلَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ صَارُوا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ بِجَلَالِ اللَّه مُتَوَاصِلِينَ فِي ذَات اللَّه مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى قَالَ اللَّه تَعَالَى " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِ ينَ وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ " إِلَى آخِر الْآيَة وَكَانُوا عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار بِسَبَبِ كُفْرهمْ فَأَنْقَذَهُمْ اللَّه مِنْهَا أَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ.
وَقَدْ اِمْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم قَسَمَ غَنَائِم حُنَيْن فَعَتَبَ مَنْ عَتَبَ مِنْهُمْ بِمَا فَضَّلَ عَلَيْهِمْ فِي الْقِسْمَة بِمَا أَرَاهُ اللَّه فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ " يَا مَعْشَر الْأَنْصَار أَلَمْ أَجِدكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّه بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّه بِي وَعَالَة فَأَغْنَاكُمْ اللَّه بِي ؟ " فَكُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَمَنَّ .
فيظهر جلياً أنهم لو ماتوا قبل بعثته لكانوا من أهل النار .
وأيضاً ذكر الحافظ ابن كثير قائلاً:
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث اِبْن أَبِي زَائِدَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْوَائِدَة وَالْمَوْءُودَة فِي النَّار " ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيّ حَدَّثَنِي بِهِ عَلْقَمَة عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ اِبْن مَسْعُود وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلْقَمَة عَنْ سَلَمَة بْن قَيْس الْأَشْجَعِيّ قَالَ : أَتَيْت أَنَا وَأَخِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا إِنَّ أُمّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَتْ تَقْرِي الضَّيْف وَتَصِل الرَّحِم وَأَنَّهَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّة لَمْ تَبْلُغ الْحِنْث فَقَالَ " الْوَائِدَة وَالْمَوْءُودَة فِي النَّار إِلَّا أَنْ تُدْرِك الْوَائِدَة الْإِسْلَام فَتُسْلِم " وَهَذَا إِسْنَاد حَسَن .أ.هـ (م8 ص684بترقيم الشاملة )
فقد أشترط النبى لنجاتها من النار أن تسلم ولم يقل أن تتوب من فعلها لأنه لا تنجيها التوبة بدون الإسلام .