قال الإمام أبو محمد ابن حزم ــ رحمه الله ــ فى كتابه (( التقريب لحد
المنطق والمدخل إليه والألفاظ العامية والأمثلة الفقهية )) ؛

" وأخبرك بحكاية لولا رجاؤها في أن يسهل بها الإنصاف عن من لعله
ينافر ما ذكرناها وهي : أني ناظرت رجلا من أصحابنا في مسألة فعلوته
فيها لبكوء { أي : انقطاع وعلة } كان في لسانه وانتفض المجلس على
أني ظاهر ، فلما أتيت منزلي حاك في نفسي منها شيء فتطلبتها بعض
الكتب فوجدت برهانا صحيحا يبين بطلان قولي وصحة قول خصمي ،
وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد ذلك المجلس فعرفته بذلك ، ثم إني قد
علمت على المكان من الكتاب فقال لي ما تريد ؟! فقلت : حمل هذا الكتاب
وعرضه على فلان ، وإعلامه بأنه المحق وإني المبطل وأني راجع إلى
قوله ،
فهجم عليه من ذلك أمر مبهت وقال لي : وتسمح نفسك بهذا ؟!! فقلت له
نعم ، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا ما أخرته إلى غد " .

ثم قال ــ رحمه الله ــ ؛
" واعلم أن هذا الفعل يكسبك أجمل الذكر مع تحليك بالإنصاف الذي لا
شيء يعدله ، ولا يكن غرضك أن توهم نفسك أنك غالب أو توهم من
حضرك ممن يغتر بك ويثق بحكمك أنك غالب وأنت بالحقيقة مغلوب ،
فتكون خسيسا وضيعا جدا وسخيفا البتة ، وساقط الهمة بمنزلة من يوهم
نفسه أنه ملك مطاع وهو شقي منحوس ، أو في نصاب من يقال له أنك
أبيض مليح وهو أسود مشوه فيحصل مسخرة ومهزأة عند أهل العقول
الذين قضاؤهم هو الحق " . ا.هـ .