إعمال العقول غاية قرآنية


مبدأ العلم والتعلم والتعليم، على مدى الحياة الفردية والجماعية أوّل مبادئ بناء الحضارة الإسلامية الراقية وأول لبنة في صرح الكمالات الفردية والاجتماعية
دعا القرآن إلى إطلاق العقول من أسرها ودفعها للتأمل في ملكوت السماوات والأرض، واستعمالها في مختلف شؤون الحياة، كما حث على الاستغلال الأمثل لها وتنميتها، وألا يحجر عليها بالتعصب والتقليد والخرافات والأساطير، قال -تعالى-: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (الغاشية: 17)، يقول -تعالى- آمرًا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها، ونُبهوا إلى ذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل، وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت! أي كيف رفعها الله -عز وجل- عن الأرض هذا الرفع العظيم.
وقد بعث الله -عز وجل- سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة الخاتمة، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والجور والشرك والغي، إلى أنوار العلم والعدل والتوحيد والرشد، وكان العالم قبل البعثة المحمدية وفي زمنها، غارقا في بحر تلك الظلمات، وفي مقدمتها ظلمة الجهل التي تستتبع باقي الظلمات. فكان من الطبيعي والمنطقي أن يكون شعار الدين الخاتم (اقرأ)، وأن يكون إعلاء شأن العقل والتفكير والعلم وطلبه وتعليمه أوّل المبادئ لترقّي معراج الكمال الإنساني الذي جاء به الإسلام.
التفريق بين الصالح والفاسد
فباستخدام العقل يفرّق الإنسان بين الصالح والفاسد، بين النافع والضار، بين الحق والباطل، وبتعطيله تلتبس عليه الأمور ويفقد هذا التمييز، وبطلب العلم يدرك حقائق الأشياء، ودلالاتها على عظمة وقدرة الله وصفات الكمال والجلال والجمال التي هي واجبة لمبدع الأكوان وخالق الموجودات، فإذا لم يطلب الإنسان العلم بقي في ظلمات الجهل لا يعرف الحقائق ولا الدلائل، ولا ما جاءت به الرسل ولا مقاصد الشرائع، فضلاً عن جهله بالعلوم الأخرى التي تزيده نوراً، وتبين له طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
مبدأ العلم والتعلم والتعليم
لذلك كان مبدأ العلم والتعلم والتعليم، على مدى الحياة، الفردية والجماعية، أوّل مبادئ بناء الحضارة الإسلامية الراقية، وأول لبنة في صرح الكمالات الفردية والاجتماعية، ومن هنا يجد قارئ القرآن الكريم عددًا كبيراً من الآيات التي تحث على استخدام العقل، وطلب العلم، ونشره، مبينة فضله وفضيلة العلماء الذين يتحلون ويعملون به، وينشرونه ويبتغون وجه ربهم، وهذا كله يدل على مدى العناية الإلهية بتعليم الإنسان قيمة التفكير واستخدام العقل، حتى يدرك كبرى اليقينيات الكونية، فيسعد في الدنيا والآخرة، فالعقل يصون الإيمان وليس خطراً عليه؛ حيث نجد أن إبراهيم -عليه السلام- عندما أعمل عقله وطلب الدليل في خلق الله إنما كان يتحسس نعمة العقل الذي هداه أصلاً إلى الله -عز وجل.
منقول