بسم الله الرحمن الرحيمقد يلتبس على أحدنا كيف يجمع بين البراءة من الكفر و أهله وكيف يُمنع من التودد لهم في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) وَ كيف يؤمر بالإحسان في معاملة الكفار غير الحربيّين - أهل الذمة - قال تعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) , والحق أن البراءة منهم أمر , و الإحسان إليهم أمر آخر , ذلك أن القسط و البرّ بهم و الإحسان إليهم لا يُعد موالاةً لهم ما سلم القلب من ميل لهم ومحبةٍ و إخلاص . وقد عقد البخاري في صحيحه باب ( إثم من قتل معاهدًا بغير جرم ) وأدرج تحته حديث الرسول : من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة ... " فالأمر بالبرّ بهم أبين من الشمس في رابعة النهار, وقد أحسن القرافي في الفروق أيما إحسان في تبيان الفرق بين البراءة منهم و الإحسان إليهم فدونكم كلامه القيّم الرصين :
" وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة باطنية , فالرفق بضعيفهم , وسد خُلّة فقيرهم , وإطعام جائعهم , وإكساء عاريهم , ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة , واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما , والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة , ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم , وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم , وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم , وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم , وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم , وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا , واستولوا على دمائنا وأموالنا و, أنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - " ا.هـ .