إعادة المشاركة السابقة بعد إدخال بعض التعديلات:
القسم الثاني: دراسة تطبيقية للأحاديث المُشْكِلَة الواردة في تفسير القرآن الكريم:
الفصل الثاني: الأحاديث التي ترد في تفسير آيةٍ ما ويوهم ظاهرها التعارض فيما بينها:
المسألة (1): في أخذ الغنيمة وهل يُنقص من أجر المجاهد؟
ذكر الآيات الواردة في المسألة:
قوله تعالى: "فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا".
ذكر الأحاديث الواردة في تفسير الآية التي يوهم ظاهرها التعارض فيما بينها:
عن أبي هريرة أَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ".
وعن عبد الله بن عمرو أَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ، وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ".
بيان وجه التعارض:
في الآيةِ الكريمةِ وعْدٌ من اللهِ تعالى لمن قاتلَ في سبيلِهِ بأنَّ له أجرا عظيماً، إلا أنَّه سبحانه لم يُفَصِّل ويُبَيِّن هذا الأجرَ العظيم، وقد جاء في الحديثين المتقدِّمين بيانٌ وتفصيل لهذا الأجر؛ إلا أنَّ الحديثين ظاهرهما يُوهِمُ التعارض في بيان وتفصيل هذا الأجر:
ففي الأول: أنَّ له الأجرَ إذا لم يَغْنَم، أو الغنيمة ولا أجر، وفي الثاني: أنَّ له الأجَرَ تامَّاً إذا لم يَغْنَم، أو ثُلُث الأجرِ إنْ غَنِم.
كما أنَّ في الحديث الأول إشكالا آخر، حيث يُوهِمُ ظاهره مُعَارَضَة الآية الكريمة؛ إذ في الآية التَّسْويَة بين من قُتِلَ شهيدا أو انقلب غانما، وأمَّا الحديث فغاير بينهما، حيث جعل الأجر في محل، والغنيمة في محل آخر.
الجواب عن التعارض:
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه: أنَّ المجاهد يَنْقُصُ أجرهُ إذا أخذ شيئا من الغنيمة كما هو صريح حديث عبد الله بن عمرو، وهو لا يُعارِضُ حديث أبي هريرة، بل هو موافق ومفسِّرٌ له؛ لأنَّ معنى حديث أبي هريرة: أنَّ للمجاهد الأجرَ تامّا إنْ لم يغنم، أو الأجرَ والغنيمةَ معا إنْ غَنِم، فالأجر حاصلٌ على كلِّ حال، غَنِمَ أو لم يَغنَم، لكنَّه مع الغنيمة أنقص، وهو مُقَدَّرٌ في الشِقِّ الثاني مع الغنيمة، وإنْ لم يُصَرِّح بذكره، وكما ترى فإنَّ هذا المعنى لا يُعارِضُ حديث عبد الله بن عمرو، ولا يُعارِضُ الآية أيضا.