منقول وبدون تحرير !

قيل لصوفيٍ: ما حد الشبع? فقال: ما نشط على أداء الفرائض، وثبط عن إقامة النوافل.
وقيل لمتكلم: ما حد الشبع? فقال: حده أن يجلب النوم، ويضجر القوم، ويبعث على اللوم.
وقيل لطفيلي: ما حد الشبع? قال: أن يؤكل على أنه آخر الزاد، ويؤتى على الجل والدق.
وقيل لأعرابي: ما حد الشبع? قال: أما عندكم يا حاضرة فلا أدري؛ وأما عندنا في البادية فما وجدت العين، وامتدت إليه اليد، ودار عليه الضرس وأساغه الحلق، وانتفخ به البطن، واستدارت عليه الحوايا، واستغاثت منه المعدة، وتقوست منه الأضلاع، والتوت عليه المصارين، وخيف منه الموت.
وقيل لطبيب: ما حد الشبع? قال: ما عدل الطبيعة، وحفظ المزاج وأبقى الشهوة لما بعد.
وقيل لقصار: ما حد الشبع? قال: أن تثب إلى الجفنة كأنك سرحان وتأكل وأنت غضبان، وتمضغ كأنك شيطان، وتبلغ كأنك هيمان، وتدع وأنت سكران، وتستلقي كأنك أوان.
وقيل لحمال: ما حد الشبع ? قال: أن تأكل ما رأيت بعشر يديك غير عائفٍ ولا متقززٍ، ولا كارهٍ ولا متعزز.
وقيل لملاح: ما حد الشبع? قال: حد السكر. قيل: فما حد السكر? قال: ألا تعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض، ولا النافلة من الفرض، من شدة النهس والكسر والقطع والقرض. قيل له فإن السكر محرم ، فلم جعلت الشبع مثله? قال: صدقتم، هما سكران: أحد السكرين موصوفٌ بالعيب والخسار، والآخر معروفٌ بالسكينة والوقار. قيل له: أما تخاف الهيضة ? قال : إنما تصيب الهيضة من لا يسمي الله عند أكله، ولا يشكره على النعمة فيه. فأما من ذكر الله وشكره فإنه يهضم ويستمرىء ويقوم إلى الزيادة.
وقيل لبخيل: ما حد الشبع? قال: الشبع حرامٌ كله، وإنما أحل الله من الأكل ما نفى الخوى، وسكن الصداع، وأمسك الرمق، وحال بين الإنسان وبين المرح، وهل هلك الناس في الدين والدنيا إلا بالشبع ولاتضلع والبطنة والاحتشاء ، والله لو كان للناس إمامٌ لو كل بكل عشرةٍ منهم من يحفظ عليهم عادة الصحة، وحالة العدالة، حتى يزول التعدي، ويفشو الخير.
وقيل لجندي: ما حد الشبع? قال: ما شد العضد، وأحمى الظهر، وأدر الوريد، وزاد في الشجاعة.
وقيل لزاهد: ما حد الشبع? قال: ما لم يحل بينك وبين صوم النهار وقيام الليل. وإذا شكا إليك جائعٌ عرفت صدقه لإحساسك به.
وقيل لمدني: ما حد الشبع? فقال: لا عهد لي به، فكيف أصف ما لا أعرف? وقيل ليمني: ما حد الشبع? قال: أن يحشى حتى يخشى.
وقيل لتركي: ما حد الشبع? قال: أن تأكل حتى تدنو من الموت.
وقيل سمويه القاص: من أفضل الشهداء? قال: من مات بالتخمة، ودفن على الهيضة.
قيل لسمرقندي: ما حد الشبع? قال: إذا جحظت عيناك، وبكم لسانك، وثقلت حركتك، وارجحن بدنك، وزال عقلك، فأنت في أوائل الشبع. قيل له: إذا كان هذا أوله، فما آخره? قال: أن تنشق نصفين.
قيل لمكارٍ: ما حد الشبع? قال: والله ما أدري، ولكن أحب أن آكل ما مشى حماري من المنزل إلى المنزل.
قيل لجمال: ما حد الشبع? قال: أنا أواصل الأكل فما أعرف الحد، ولو كنت أنتهي لوصفت الحال فيه، أعني أني ساعةً ألت الدقيق، وساعة أمل الملة، وساعةً أثرد، وساعةً آكل وساعةً أشرب لبن اللقاح؛ فليس لي فراغ فأدري أني بلغت من الشبع، إلا أنني أعلم في الجملة أن الجوع عذابٌ وأن الأكل رحمة، وأن الرحمة كلما كانت أكثر، كان العبد إلى الله أقرب، والله عنه أرضى.