أخي الكريم :
القراءات التي وصلتنا بالإسناد المتصل 14 قراءة ، منها 10 قراءات متواترة ، و 4 قراءات غير متواترة .
وكل قراءة لها روايتان ، فتكون الروايات 28 رواية ، وكل رواية لها طرق عديدة ، وقد أودع الإمام ابن الجزري في كتابه النشر مئات الطرق للقراءات العشر ، لكن يلاحظ أن كل مجموعة من الطرق تتحد ولا يكون بينها خلاف بحيث يمكن عدها وكأنها طريق واحد .
أما كون النبي
قرأ ختمة كاملة بكل قراءة أو رواية أو طريق ، فليس كذلك ، وإنما الاختلاف بين القراءات أو الروايات أو الطرق نوعان :
1) الاختلاف في فرش الحروف وهو اختلاف النقط والتشكيل زيادة حرف أو نقصانه وتقديم حرف أو تأخيره ونحو ذلك وفي هذا نقول إن النبي
قرأ كل لفظة مختلف في فرش حروفها بجميع ما صح عنه
من الأوجه .
2) الاختلاف في الأصول وهو الاختلاف في المدود والغنن والإمالات والإدغامات ونحو ذلك وفي هذا نقول إن النبي
قرأ بكل وجه من هذه الوجوه بعض القرآن على الأقل أو قرئ عليه به فأقره وأذن فيه ، وهذه الأصول تكون قواعد مطردة فيلحق فيها النظير بنظيره ، المهم أن هذه الأصول متلقاة عن النبي
، ولكن ليس بالضرورة أن يكون
قد قرأ كل مد منفصل في القرآن مثلا مرة بحركتين ومرة بثلاث ومرة بأربع ومرة بخمس ومرة بست بلا سكت ومرة بست مع السكت ، مع العلم بأن النبي
كان يقرأ على جبريل ختمة في كل رمضان بجميع ما أنزل من القرآن ، وهذا يشمل جميع الأحرف المنزلة ، وذكر الحافظ ابن حجر أن هذا يقتضي أنه
كان يجمع القراءات في تلك الختمة بكيفية ما ، والله تعالى أعلم .
هذا وقد سبق أن سأل أحد الفضلاء سؤالا مشابهاً ، وأجبته عبر هذا الملتقى المبارك كما في هذا الرابط ( وأتمنى أن تراجعه للفائدة ):
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...E6%C7%DD%ED%DE
بالجواب التالي والذي أرجو أن يكون فيه حل الإشكال الذي لديك :
لقد كان العمل خلال القرون الثلاثة المفضلة على أن من قرأ على شيخ واحد اتبعه في اختياره لأن القراءة سنة متبعة ليس فيها مجال للرأي ، ومن قرأ على أكثر من شيخ بقراءات مختلفة فإنه إما أن يتبع أحدهم ، وإما أن يؤلف لنفسه قراءة يختارها من بين ما قرأ به على مشايخه ، ولم تكن الاختيارات محصورة في اختيارات القراء السبعة ورواتهم ، بدليل أن أبا جعفر الطبري المتوفى سنة 310 كان له اختيار جمعه من بين 22 قراءة قرأ بها وضمنها في كتابه القراءات ، وكان من بين تلاميذ الطبري الذين قرؤوا عليه باختياره هذا ابن مجاهد نفسه ( مسبع السبعة ) ، وفي القرون الأولى كانت الاختيارات عديدة فأبو حاتم السجستاني روى 24 قراءة منها 4 من القراءات السبع و20 قراءة أخرى ، وبعد هؤلاء روى الإمام الهذلي في كتابه الكامل 50 قراءة ، وكل هذه القراءات لا تخرج عن الأحرف السبعة ، فعملية الاختيارات مثل التوافيق والتباديل في الرياضيات ، فمثلا لو كان في الآية ثلاث كلمات كل كلمة ثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم 3 أوجه في قراءتها ، فبالتالي هذه الآية تحتمل أن تقرأ بـ 27 قراءة حاصل ضرب 3×3×3 ، والذي حصل [ لحكمة يعلمها الله ] أن ابن مجاهد وهو شيخ قراء زمانه وهو تلميذ الطبري وشيخ الدارقطني ألف كتابا اقتصر فيه على سبع قراءات كانت وجهة نظره أنها أرجح القراءات وكان تأليفه لهذا الكتاب سنة 300 هـ بالضبط [ سبحان الله كأن لهذه السنة سرا معينا في انتهاء عصر المتقدمين في القراءات كما انتهى في الحديث ] فعكف تلاميذه على كتابه وقصرت الهمم ، وحصل مثل ما حصل من الاقتصار على المذاهب الأربعة ، ومثل ما حصل في كتب السنة ، أنك لا يصح بعد عصر التدوين أن تخلط رواية كتاب برواية كتاب آخر فتؤلف رواية من بين مجموع روايات الكتب ، فكذلك في القرآن منع الأئمة التركيب بمعنى خلط الروايات بعضها ببعض ، وإن كان المحققون على أنه يكره ولا يليق بالعالم ولكنه لا يمتنع ولكن بشرط ألا يركّب بكيفية تخل باللغة مثل أن يقرأ (فتلقى آدم ) بالرفع ( من ربه كلمات ) بالرفع أيضا ، لأن الذين قرؤوا آدم بالرفع نصبوا كلمات والذين رفعوا كلمات نصبوا آدم ، واشترطوا أيضا ألا يكون في مقام الرواية ، فإذا قال إنه سيقرأ برواية حفص فليس له أن يقرأ ( ملك يوم الدين ) مثلا لأن حفصا قرأ ( مالك ) فتكون قد كذبت عليه .