قال العلامة السعدي رحمه الله في كتابه بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار :
الحديث الحادي والثمانون عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . دعوني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم . متفق عليه .
البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6858) ، مسلم الحج (1337) ، الترمذي العلم (2679) ، النسائي مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه المقدمة (2) ، أحمد (2/508)</
- ص 164 - هذه الأسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها : هي التي نهى الله عنها في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
وهي الأسئلة عن أشياء من أمور الغيب ، أو من الأمور التي عفا الله عنها ، فلم يحرمها ولم يوجبها ، فيسأل السائل عنها وقت نزول الوحي والتشريع ، فربما وجبت بسبب السؤال ، وربما حرمت كذلك ، فيدخل السائل في قوله صلى الله عليه وسلم : أعظم المسلمين جرما : من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته .
وكذلك ينهى العبد عن سؤال التعنت والأغلوطات ، وينهى أيضا عن أن يسأل عن الأمور الطفيفة غير المهمة ، ويدع السؤال عن الأمور المهمة ، فهذه الأسئلة وما أشبهها هي التي نهى الشارع عنها .
وأما السؤال على وجه الاسترشاد عن المسائل الدينية من أصول وفروع ، عبادات أو معاملات ، فهي مما أمر الله بها ورسوله ، ومما حث عليها ، وهي الوسيلة لتعلم العلوم ، وإدراك الحقائق ، قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون
إلى غيرها من الآيات . وقال صلى الله عليه وسلم : . من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
البخاري العلم (71) ، مسلم الإمارة (1037) ، ابن ماجه المقدمة (221) ، أحمد (4/93) ، الدارمي المقدمة (226) وذلك بسلوك طريق التفقه في الدين دراسة وتعلما وسؤالا ،
وقال :. ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال أبو داود الطهارة (336.
وقد أمر الله بالرفق بالسائل ، وإعطائه مطلوبه ، وعدم التضجر منه . وقال في سورة الضحى : وأما السائل فلا تنهر فهذا يشمل - ص 165 - السائل عن العلوم النافعة والسائل لما يحتاجه من أمور الدنيا ، من مال وغيره .
ومما يدخل في هذا الحديث : السؤال عن كيفية صفات الباري ، فإن الأمر في الصفات كلها كما قال الإمام مالك لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش ؟ فقال : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " .
فمن سأل عن كيفية علم الله ، أو كيفية خلقه وتدبيره ، قيل له : فكما أن ذات الله تعالى لا تشبهها الذوات ، فصفاته لا تشبهها الصفات ، فالخلق يعرفون الله ، ويعرفون ما تعرف لهم به من صفاته وأفعاله ، وأما كيفية ذلك ، فلا يعلم تأويله إلا الله .