بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ صادق بن عبدالله في كتابه الإستنباطات البهية من الأدلة الشرعية كلاما طيبا في هذا الباب أسوقه للفائدة :
قال في الإستنباط السابع :
( من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عمه أبي طالب :( ولولا أنا لكان في الدرك الاسفل من النار) كما في الصحيحين و اللفظ لمسلم عن العباس بن عبدالمطلب أنه قال يا رسول الله هل نفعت أباطالب بشئ فإنه كان يحوطك و يغضب لك قال :( نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)
وقول ابن عباس رضي الله عنهما فيما أخرجه ابن ابي حاتم : حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم ثنا أبوعمرو ثنا الضحاك بن مخلد أبوعاصم ثنا شبيب بن بشر ثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون ) قال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل , وهو أن يقول : و الله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول :لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة و لولا البط في الدار لأتى اللصوص وقول الرجل لصاحبه : ما شاء الله وشئت وقول الرجل لصاحبه : ماشاء الله وشئت وقول الرجل لولا الله وفلان , لاتجعل فيها فلانا هذا كلّه به شرك .
مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلمة لو كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير , احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شئ فلا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدّر الله و ما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان )
فلقد أشكلت هذه النصوص على بعض أهل العلم حتى ظن البعض التعارض فيها , وتوقف فيها البعض الآخر في ذلك حتى إنهم لم يستطيعوا القطع بالجواز في قول لولا , واسناد الأمر للعبد فيما كان العبد فيه سببا ظاهرا في حصول الشئ بعد الإتفاق على عدم جواز كلمة لو الإعتراضية .
والإستباط متعلق بوحه الجمع و توجيه هذه الأخبار وذلك بالنظر إلى الأسباب من حيث حقيقتها ووهميتها و قطعيتها وظنيتها فمن تأمل ذلك زال عنه الإشكال بحول الله و قوته . واتضح له أن الجمع ممكن ومتيسر ونحن نبين ذلك بما يظهر لنا و الله أعلم بالصواب و هليه التكلان , فما أصبنا فمن الله وحده وما أخطأنا فمن أنفسنا و الشيطان و الله ورسوله من براء من ذلك فأقول وبالله التوفيق :
إن من الأسباب ما يكون سببا في ظاهره , فيظن العبد و يتوهم أنه هو السبب الحقيقي و المباشر الوحيد في حدوث ذلك الأمر ويكون في حقيقته بخلاف ذلك إذ قد تشاركه عوامل أخرى تكون هي الأخرى مؤثرة وسببا في حصول الأمر ولكن و لقصر نظر الإنسان وشدة جهله وظلمه وعدم إحاطته بالأمور يجزم أن ذلك السبب هو الحقيقي و المباشر لحصول الأمر ومن هنا يكون المحذور ويقع العبد في المحظور حيث يجعل ما ليس بالسبب الحقيقي سببا بل وجعله هو الوحيد وعول على ذلك في حكمه وهذا من الشرك وعليه ينزل كلام ابن عباس كما سيأتي فإن جعل الشئ في مقام الحصر بكلمة لولا فيه إشارة إلى أنه هو السبب الوحيد لحصول ذلك الأمر ومن هنا يتوجه النهي أيضا لأن العبد بهذا الإعتبار يكون قائلا على الله ما لا يعلم ومتبعا للظن و الخرص وكل واحد من هذين الأمرين قد نهى الله عز وجل عنه فالظن أكذب الحديث قال تعالى ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا )
و القول على الله بلا علم من أفحش الأمور و أفظعها كما قال تعالى :( قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن و الإثم و البغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا و أن تقولوا على الله مالا تعلمون ) .
أما إذا تأكد الأمر وتعين جزما أن السبب هو الحقيقي و المباشر و الوحيد جاز إطلاقه وساغ عندها استخدام كلمة لولا المفيدة للحصر , وعندها يكون الكلام مطابقا للواقع و الخبر موافقا للحق ومن هذا القبيل قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه و عليه يحمل وكذلك ما ورد في الكتاب و السنة مطابقا لذلك يحمل على هذا المعنى أيضا .
بينما في قول العبد لولا كليبة هذا , ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص فإننا لا نستطيع أن نجزم بذلك ولو جزمنا لوقعنا في المحظور فإذا استعمل العبد كلمة لولا فقد حصر و بالتالي يكون قد قارف الممنوع فإن هناك أسبابا أخرى قد تكون هي الأخرى سببا بل لربما مباشرا في حصول الأمر كعمل صالح لصاحب الدار يدفع الله عنه به و يرفع , أو دعاء له من والديه أو أحد الصالحين , أو حصول عارض ما للص قبل أخذخ للشئ بسبب عمل صالح له أراد الله أن يصرفه به عن هذا السوء وغير ذلك من العوامل المحتملة بنفس درجة الكلب و البط بل قد تكون أشد و أقوى كالأعمال الصالحة مما تكون سببا في حفظ الله لعبده في نفسه و ماله و عرضه وولده فالقطع و الجزم بكلمة لولا , والحالة هذه هو من قبيل الرجم بالغيب و التخرص و اتباع الظن و هذه كلها محاذير نهى الشارع عنها كما تقدم , ولهذا توجه كلام ابن عباس بالنهي عنها , و لأن هذه المسألة متعلقة بأمور قد تغيب عنا فهي إذن من قبيل علم الغيب الذي أمرنا الله فيه أن نتبع الحقائق و القطعيات لا الوهميات و الظنيات و بهذا الجمع يزول الإشكال .. ( و للفائدة سأضع الكتاب فإنه قيم )