1- أسرار العربية لأبي البركات الأنباري
... فإن قيل: فعلى كم تنقسم كان و أخواتها؟ قيل: أما كان فتنقسم على خمسة أوجه:
الوجه الأول: أنها تكون ناقصة فتدل على الزمان المجرد عن الحدث، نحو "كان زيد قائما"، و يلزمها الخبر لما بينا.
والوجه الثاني: أنها تكون تامة فتدل على الزمان والحدث كغيرها من الأفعال الحقيقية، ولا تفتقر إلى خبر نحو "كان زيد"، وهي بمعنى حدث ووقع. قال الله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) أي حدث ووقع، وقال تعالى: (إلا أن تكون تجارة)، وقال تعالى: (وإن تك حسنة يضاعفها) في قراءة من قرأ بالرفع، وقال تعالى: (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) أي وجد وحدث و"صبيا" منصوب على الحال. ولا يجوز أن تكون كان ههنا الناقصة؛ لأنه لا اختصاص لعيسى في ذلك؛ لأن كُلًّا قد كان في المهد صبيا، ولا عجب في تكليم من كان فيما مضى في حال الصبي، وإنما العجب في تكليم من هو موجود في المهد في حال الصبي، فدل على أنها ههنا بمعنى وجد وحدث. وعلى هذا قولهم: أنا مذ كنت صديقك أي وجدت. قال الشاعر من الطويل:
فدى لبنى ذهل بن شيبان ناقتي * إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
أي حدث يوم.
وقال الآخر من الوافر:
إذا كان الشتاء فأدفئوني ... فإن الشيخ يهدمه الشتاء
أي حدث الشتاء.
والوجه الثالث: أن يجعل فيها ضمير الشان والحديث، فتكون الجملة خبرها نحو "كان زيد قائم" أي كان الشأن والحديث زيد قائم. قال الشاعر من الطويل:
إذا مت كان الناس نصفان شامت * وآخر مثن بالذي كنت أصنع
أي كان الشأن و الحديث الناس نصفان
2- الجمل في النحو للفراهيدي تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة
... وقد يرفعون بـ"كان" الاسم والخبر فيقولون: كان زيد قائم.
وقال الشاعر في ذلك:
إذا ما المرء كان أبوه عبس ... فحسبك ما تريد من الكلام
رفع "الأب" على الابتداء و"عبس" خبره، ولم يعبأ بـ"كان". وقال آخر:
إذا مت كان الناس صنفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع
وقال آخر:
وهي الشفاء لدائي لو ظفرت بها ... وليس منها شفاء الداء مبذول
فكأنهم قالوا: كان الأمر والقصة الناس صنفان وشفاء الداء مبذول، وما أشبه ذلك.
3- اللمع في العربية لابن جني، تحقيق فائز فارس
إضمار اسم كان
وقد يضمر فيها اسمها وهو ضمير الشأن والحديث، فتقع الجمل بعدها أخبارا عنها، تقول: كان زيد قائم، أي كان الشأن والحديث زيد قائم.
قال الشاعر (الطويل):
إذا مت كان الناس نصفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع
أي كان الشأن والحديث الناس نصفان.
4- كتاب اللمحة في شرح الملحة
(كان) لها أربعة أقسام: تكون ناقصة، وتكون زائدة، وتكون بمعنى (صار)، وتكون تامّة.
والنّاقصة على ضربين:
الأوّل: كقولك: (ما كان زيدٌ قائمًا)؛ فهذه مسلوبة المصدر، ولا تدلّ على الحدَث، ولا تعمل في الفضلات من الحال، ولا الظّرفين عند المحقّقين، وأنّه لا يجوز حذف منصوبها، ولا يُبنى [منها] ما لم يسمّ فاعله، وأنّها يجوز حذف نون مستقبلها في بعض الأحوال.
الثّاني: قال المحقق في الهامش: (وبعضُ النُّحاة يفردها بالذِّكر، ويجعلها قسمًا قائمًا بنفسه؛ "لأنّ لها أحكامًا تنفرد بها وتخالِف فيها النّاقصة؛ وذلك أنّ اسم هذه لا يكون إلاّ مضمَرًا، وتلك يكون اسمها ظاهرًا ومضمَرًا؛ والمُضمَر هُنا لا يعود إلى مذكور، ومن تلك يعود إلى مذكور؛ ولا يُعطف على هذا الضّمير، ولا يؤكَّد، ولا يبدل منه، بخلاف تلك؛ ولا يكون الخبر هنا إلا جملة على المذهب، وتلك يكون خبرها جملة ومفرَدًا؛ والجملة في خبر هذه لا تفتقر إلى عائد يعود منها إلى المخبَر عنه، وفي تلك يجب أن يكون فيها عائد؛ فلمّا خالفتها في هذه الأحكام جعلت قسمًا قائمًا بنفسه. وقد كان ابن درستويه يذهب إلى أنّ هذا القسم من قبيل التّامّة الّتي ليس لها خبر، ولا تفتقر إلى مرفوع". شرح المفصّل 7/101. ويُنظر: أسرار العربيّة 135، وابن النّاظم 139): كقولك: (ما كان زيدٌ قائم) بالرّفع على إسناد الفعل إلى ضمير الشّأن والقصّة، والجملة بعده خبر؛ كما إذا وقع المبتدأ والخبر بعده مرفوعين، ومنه قولُ الشّاعر:
إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ * وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
قال المحقق في الهامش: (هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للعجير السّلوليّ. والشّاهد فيه: (كان النّاس نصفان) حيث جاء اسم (كان) ضمير الشّأن، وخبرها الجملة الاسميّة (النّاس نصفان).
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/71، ونوادر أبي زيد 156 - وفيه (كان النّاسُ نصفين) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -، والجمل 50، واللّمع 89، وأمالي ابن الشّجريّ 3/116، وأسرار العربيّة 136، وكشف المشكِل 1/324، وشرح المفصّل 1/77، 3/116، 7/100، وابن النّاظم 139، وتخليص الشّواهد 246، وشعرُه - ضمن مجلّة المورِد، المجلّد الثّامن، العدد الأوّل - 225 - وفيه (نصفين) بدل (نصفان) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية)
فهذه الجملة لا يجوز أن تتقدّم على (كان)، ويجوز في الأولى؛ وهذه لا تحتاج فيها إلى عائد، وتحتاج في الأخرى.