من ملامح البلاغة النبوية/ بقلم محفوظ فرج إبراهيم
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أفرى الفرى أن يُرىَ الرجل عينيه ما لم تريا)[1] رياض الصالحين 1545 صحيح رواه البخاري 7043
[1] في صحيح البخاري ( من أفرى الفرى أن يُرِيَ عينه ما لم تر) قال ابن حجر (عينه ما لم تر) بحذف الفاعل وإفراد العين /فتح الباري شرح صحيح البخاري 13: 365
ـــــــــــــــ ــــــ
أسلوب خبري في جملة اسمية تقدم فيها الخبر على المبتدأ وهو ضرب من التوكيد ( أفرى الفرى[1]) ان يري الرجل عينيه ما لم تريا تقديم ماحقه التأخير أفرى الفرى خبر تقدم حقه ان يتأخر وهو توكيد بالقصر وكان المسند إليه هو( أنْ يري الرجل عينيه ما لم تريا )[2] وهو مصدر مؤوّل من أن والفعل المضارع في محل رفع مبتدأ مؤخر
فالخطاب خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الى عامة البشر أقتضى القصد فيه وهو الإبلاغ عن فضاعة الكذب وشناعته وهو محور الخطاب ان يتقدم ليتناسب مع مقتضى الحال أما المبتدأ المؤخر فانه لم يرد صريحا فقد ورد مؤولا ليكون دالا على ( ان يري عينيه ما لم تريا) ليكون التحذير من اختلاق الكذب الافتراء على مدى الأزمان بعد الرسول الكريم لا يتغير فهو تشريع لكل زمان ومكان وهذا الفعل المذموم اختلاق الأكاذيب في تكراره (أن يري عينيه ما لم تريا ) وتكرار ( أفرى الفرى) اسم التفضيل الخبر المقدم المضاف إلى المعرف بأل بلفظه إنما هو توكيد آخر للدعوة إلى تجنب هذه الصفة التي ينكرها الإسلام
ولك أن ترى هذه الراء المكررة موسيقيا في صوتها المتردد في اللسان كيف جعلت الفرية يتوالى أذاها كما يتوالى تردد الراء في مخرجه وما مجيء (أفرى الفرى) الخبر برائها إلا لينسجم مع الراءفي المبتدأ المؤخر( أن يرى ما لم تريا)
ومن هذا الباب الذي ورد الحديث به جملة اسمية نجد انهالا قد خرجت من معناها الحقيقي الخبر إلى أسلوب آخر هو الإنشاء وهو ما يرده صلى الله عليه وسلم فقد يخرج ذلك (إن افرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا) إلى طلب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بشدة نهيا وتحذيرا عن أن يختلق الإنسان أي إنسان الأكاذيب ليخدع بها الناس
فضلا عن ذلك التضاد الذي هو طباق سلبي في (تريا ما لم تريا ) هو مما يذهب بنا من التشاكل الى التباين
إن ذلك الخطاب النبوي الشريف قد ساهمت فيه أولا اللغة من حيث دالها ومدلولها وإيقاعها في بناء ساهم في إيصال الفكرة شكلا ومعنى فقد كان للكلمة دورها المؤثر الكبير في نفس المتلقي على المستوى الكلي ولنأخذ مثالا على ذلك (أفرى) إنها بداية مدهشة صادمة وشنيعة لدى سماعها إذا تدبرنا معناها وهي مشتقة للتفضيل ( أفرى الفرى) أفضع العمل في اختلاق الأكاذيب لاسيما حين تذهب إلى معانيها الأخرى.
محفوظ فرج / سامراء 1430هـ
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
[1]فرى الشيء يفريه فريا وفراه كلاهما شقه وأفسده ... وتفرى جلده وانفرى : انشق
والفرية : الكذب فرى كذبا فَرْيا وافتراه: اختلقه . ورجل فريٌّ ومفري وانه تقبيح الفرية يقال: فرى فلان الكذب يفريه إذا اختلقه . وفي التنزيل العزيز( أم يقولون افتراه) أي اختلقه والاسم الفرية وفي الحديث ( من أفرى الفرى ان يري الرجل عينيه ما لم تريا ) الفرى جمع فرية وهي الكذب وأفرى أفعل منه للتفضيل : أكذب الكذبات أن يقول : رأيت في النوم كذا وكذا ولم يكن رأى شيئا لأنه كذب على الله تعالى لسان العرب 11/ 176ــ 177 وينظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 13: 367
[2] ( وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أفرى الفرى ) : بكسر الفاء جمع فرية وهي الكذبة ، وأفرى أفعل منه للتفضيل أي : أكذب الكذبات ( أن يري ) : بضم ياء وكسر راء ( الرجل عينيه ما لم تريا ) أي : شيئا لم تر عيناه في النهاية أي يقول : رأيت في النوم كذا ، ولم يكن رأى شيئا ; لأنه كذب على الله ، فإنه هو الذي يرسل ملك الرؤيا ليريه المنام ، قال الطيبي : المراد بإراء الرجل عينيه وصفهما بما ليس فيهما ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة نحو قولهم : ليل أليل وجد جده قال السيوطي : الفرية الكذبة العظيمة ، وجعل كذب المنام أعظم من كذب اليقظة ; لأنه كذب على الله وادعى جزءا من أجزاء النبوة كذبا . ( رواه البخاري ) : وفي الجامع : ( إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل لغير أبيه ، أو يري عينيه ما لم تريا ، أو يقول على رسول الله ما لم يقل " . رواه البخاري عن واثلة ، وروى أحمد عن ابن عمر بلفظ : " إن من أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه في المنام ما لم تريا " .مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، علي بن سلطان محمد القاري دار الفكر 1422 هـ ـ 2002 م ، 4626