فطر الله الإنسان على حب الشهوات فقال تعالى "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث" والشهوات منها بهيمية تجعل العبد يعيش لشهوات الفرج والبطن كالبهائم، قال تعالى "يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" محمد12، ومنها شهوات سبعية تجعله يلتهم الآخرين ويدوسهم بلا رحمة كالسباع، وهذه الأخيرة تظهر في أصحاب السلطة والنفوذ. وسبب مرض الشهوة وصول لذة الشهوات المحرمة إلى القلب عبر الحواس حتى يتعلق بها، والتعلق بالشهوات يدمر الإيمان في القلب ويدمر معرفة الله ومحبته كما تدمر الجراثيم عضوا في البدن. وفتنة النساء أشد الفتن ضررا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" متفق عليه. وإذا تحكمت فتنة النساء في القلب ضعف وتأثر بأدنى الشهوات فيزداد مرضه،لذا حرم الله خضوع المرأة بالقول لحمايته قال تعالى "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض" الأحزاب32.
وقد ميز الله الإنسان عن سائر خلقه بالعقل، فهو ملكة التمييز والترجيح والاختيار. وهو سر التكريم والتكليف الإلهي، فإذا فقد الإنسان تمييز العقل وسيطرته على الجوارح واستغرق في إشباع غرائزه عظمت أهواؤه وثقلت فاقترب من الأرض وابتعد عن السماء، فإذا انفصل عن الله بالكلية فأخلد إلى الأرض واتبع هواه فقد شبهه الله بالكلب يلهث في تراب الأرض "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" الأعراف175/176، وتشبيهه بالكلب يلهث في تراب الأرض سواء زجرته أو تركته لأنه صار يعيش لجسده ولإشباع شهواته سواء وعظته وذكرته بربه أو لم تعظه فلا تنفعه الموعظة.
أعراض ومضاعفات مرض الشهوة
مريض الشهوة يفقد رغبته وتلذذه بالعبادة كما يفقد مريض البدن شهيته للغذاء،قال عثمان بن عفان رضي الله عنه "لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله"وبغياب اللذة لا يذكر الله إلا قليلا وتزيد الجفوة بينه وبين ربه فتثقل عليه الصلاة وهي من علامات النفاق. ثم يستبدل بلذة ذكر الله ومحبته لذة اللهو والشهوات المحرمة، كمدمن الدخان الذي يتلذذ بما يدمر رئتاه، في حين ينفر المعافى من قليل الأدخنة. وبضعف القلب يتأثر بأدنى الشهوات التي لا تؤثر في القلب السليم، ثمتزداد قسوة قلبه ويتجرأ على المزيد من المعاصي ويدخل في دائرة مفرغة،وقد ينسلخ من قلبه استقباح المعاصي وتنطفئ منه الغيرة على حدود الله ومحارمه، قال ابن القيم إن القلب قد يمرض ويشتد مرضه وقد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة موته أنه لاتؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق.ومريض الشهوة إذا أدمن المعاصي سقطت عنه شهوة الحلال كماأن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث آثرته على الطيب، وبهذا تضعف رغبته في زوجته وتضعف روح المودة بينهما، وبزيادة المرض قد تسقط عنه شهوة الحرام أيضا فيواقعها بلا لذة كما قال ابن القيم.
ومع تحكم المرض يفقد الإنسان التقوى والتحكم في نفسه لمنعها عن محارم الله، وقد يذل نفسه وتظهر عورته وضعفه أمام أقرب الناس إليه، لذا شبه الله التقوى باللباس لأنها تستر وتزين النفس كما يستر اللباس عورة البدن ويزينه، قال تعالى "يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوىذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" الأعراف26. فالسوءة هي العورة وهي ما يتقزز الإنسان من ظهوره أمام الناس لأن في ظهوره أمام غيره هبوط به إلى مرتبة الحيوان، وقد كرمه الله وستره وزينه، فالريش هو الزينة. وعورة النفس هي آفاتها القذرة، مثل الميل الجنسي إلى من لا يحل له ولا يليق به الميل إليهم، والتقوى تمنع هذا الميل أو تمنع أثره، فيستر نفسه ولا يبدو في صورة الحيوان. قال القرطبي في هذه الآية بين الله أن التقوى خير لباس؛ كما قال الشاعر:
إذا المرءُ لم يلبسْ ثياباً من التُّقَى تقلّب عرياناً وإن كان كاسياً
وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربه ولا خيرَ فيمن كان لله عاصياً
وإذا تحكم المرض في القلب لدرجة أن يقع العبد في الزنا وهو محصن فقد صار علاجه صعبا لذا حكم الإسلام عليه بالرجم حتى الموت، فالرجم لتطهيره من ذنوبه، وحتى الموت لأنه لا يؤتمن على مجتمعه وأهله، فقد صارحيوانا في صورة البشر،وقد طالعتنا الجرائد يوما بقصة رجل زنى بابنتيه، وكانت إحداهن في الثانوية العامة والأخرى في كلية الآداب، فانتحرت واحدة وأبلغت الأخرى عن سبب انتحار أختها، فأي ذل وعار سببته هذه الشهوة. قال ابن القيم: إن المذنب إن استمر على الذنوب وأصر عليها خيف عليه أن يرين على قلبه، فيخرج عن دائرة الإسلام بالكلية.
الموضوع القادم عنوانه:
الهندسة النفسية وإعجاز المنهج الرباني